رغم إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مؤخراً موقفه من أزمة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها عدة مناطق في إقليم شمال البلاد بالتدخل لحماية المتظاهرين، يستبعد مختصون أن يكون التدخل الذي يتحدث عنه العبادي "عسكرياً".
وأقدم محتجون على مدى الأيام القليلة الماضية على إحراق عدد من مقار الأحزاب الرئيسية في الإقليم، ولا سيما حزبي "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، وشريكه في الحكومة "الاتحاد الوطني الكردستاني".
وزاد سخط السكان على حكومة الإقليم بعد عجز الأخيرة على دفع رواتب الموظفين بشكل كامل، حيث تلجأ إلى ادخار جزء منه نتيجة الأزمة المالية التي يمر بها الإقليم.
ورافقت الاحتجاجات أعمال عنف بين المتظاهرين وقوات الأمن أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين المحتجين وجرحى في صفوف القوات الأمنية.
وخلال الأسبوع الماضي، هدد العبادي الإقليم بالقول، إن "بغداد لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الانتهاكات بحق المتظاهرين في الإقليم"، وهو ما فسره البعض بأنه تلويح بالتدخل العسكري في الإقليم.
لكن الكاتب والمحلل السياسي العراقي أحمد الأبيض، يقول للأناضول إنه "من الناحية الدستورية والقانونية، لا يملك العراق قوات شرطة اتحادية لها قانوها الخاص الذي يخولها بسط الأمن والتدخل لاحتواء أي موقف أمني في عموم المناطق العراقية بما في ذلك إقليم شمال البلاد".
وأوضح "الأبيض"، وهو مستشار سابق في هيئة الإعلام والاتصالات (مؤسسة حكومية رسمية)، أن "العبادي، لن يتدخل عسكريا في أزمة الاحتجاجات التي تشهدها مناطق في الإقليم، لكن يفترض به كسب حليفه السياسي (الاتحاد الوطني الكردستاني) في مدينة السليمانية، الذي اتهمه الحزب الديمقراطي الكردستاني بالخيانة بخصوص تسليم مدينة كركوك (شمال) للحكومة الاتحادية".
وأضاف أن "العبادي، يفترض به القيام بخطوات سريعة تخفف الأزمة في السليمانية، من خلال إعادة فتح مطار السليمانية الدولي، والمعابر الحدودية، وإطلاق رواتب موظفي مدينة السليمانية".
ويرى الأبيض، أن "العبادي لن يتدخل عسكريا في الإقليم، لأنه يعلم أن الخطوة ستقود إلى تعميق الأزمة".
ويشهد إقليم شمال العراق، أزمة اقتصادية منذ قطعت الحكومة العراقية حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية والبالغة 17 في المائة نتيجة خلافات على توزيع إيرادات النفط وإدارة الثروة النفطية بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
وتفاقمت الأزمة المالية في الإقليم عندما سيطرت القوات العراقية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على محافظة كركوك المتنازع عليها بين الجانبين، بما في ذلك حقول النفط التي كانت تأتي منها نصف صادرات الإقليم من الخام.
ويقول الخبير القانوني العراقي حيدر الصوفي، للأناضول، إن "قرارات رئيس الوزراء (حيدر العبادي) يجب أن تكون نافذة على القوات الأمنية في الإقليم، باعتبار أن الأخير جزء من العراق".
وأوضح الصوفي، أن "القوات والقادة في إقليم الشمال لا يطبقون القرارات والأوامر التي يصدرها العبادي، لكن الحكومة قادرة على محاسبة من يتغاضى عن تطبيقها عبر إحالتهم إلى المحاكم".
وتابع أن "المحاكم تصدر أحكامها بحق من يتنصل عن تطبيق القرارات الاتحادية سواء بالحبس أو المنع من السفر، وهذه الأحكام تبقى ولا تسقط بمرور الزمن، وبالتالي سيكون المسؤولون في الإقليم ممن تصدر بحقهم الأحكام القضائية ملاحقين قضائيا سواء أكانوا داخل العراق وحتى خارجه عبر الشرطة الدولية (الأنتربول)".
وتفاقمت الأزمة بعد إجراء الإقليم استفتاءً الانفصال الباطل، في سبتمبر/أيلول 2017، فرضت على إثره الحكومة المركزية في بغداد مجموعة من العقوبات على الإقليم.
ولم تؤكد الحكومة العراقية أو تنفي أن يكون التدخل الذي أعلن العبادي عنه بشأن أزمة الاحتجاجات "عسكرياً".
وقال سعد الحديثي، المتحدث باسم الحكومة للأناضول، إن "موقف الحكومة الرسمي يؤكد على مبدأ دستوري للمواطن العراقي، وهو حرية التعبير وحق التظاهر السلمي، وهو مبدأ لا بد من احترامه، وبالتأكيد الإقليم جزء من العراق، ومن الضروري أن يأخذ الإقليم الأمر بعين الاعتبار".
وأضاف "نحن نتابع عن كثب التطورات في الإقليم، وما يحصل مصدر قلق كبير للحكومة، وإذا اقتضى الأمر سيكون هناك تدخل مباشر لمنع تفاقم الأزمة أو وصول التصعيد لدرجات خطيرة التزاما بالدستور والقانون".
وبشأن نوع التدخل الذي تعتزم الحكومة الاتحادية القيام به سواء كان عسكريا او سياسيا، لم يعّط المتحدث باسم الحكومة العراقية تفاصيل اكثر عن طبيعته، لكنه اشار الى "الحكومة ثبتت موقفها وباقي الاجراءات تحددها الظروف".
وتنص المادة 38 من الدستور العراقي على أن تتفكل الدولة بحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.