حذّر عضو الهيئة التدريسية بجامعة "إسطنبول كولتور" التركية، بورا بيرقدار، من أن الاستفتاء على انفصال الإقليم الكردي عن العراق المزمع إجراؤه أواخر سبتمبر/ أيلول الجاري، قد يدفع بالمنطقة إلى صراعات عرقية بين العرب والأكراد "لا تبقي ولا تذر"، تنطلق من العراق وتمتد إلى سوريا.
وأضاف بيرقدار للأناضول، إن الوقائع على الأرض تشير إلى أن رئيس الإقليم الكردي، مسعود بارزاني، مصمم على التوجه بعد أيام؛ لإجراء استفتاء الانفصال عن العراق، رغم التحذيرات التي وجهتها بغداد وطهران وأنقرة للعدول عن مثل هذا الاستفتاء.
ولفت إلى أن اقتراب موعد الاستفتاء يقلل من فرص المناورات السياسية، خاصة بالنسبة لبارزاني الذي بلغ 70 عامًا، قضى معظمها في جبال شمالي العراق، يحارب نظام البعث للحصول على الاستقلال سائرًا بذلك على نهج والده مصطفى بارزاني.
"ويعتقد بارزاني أن بلوغ هدف الاستقلال بات قريب جدًا أكثر من أي وقت مضى، في ظل ضعف حكومة بغداد المركزية؛ وعجز نظام بشار الأسد عن الإتيان بحركة تواجه لإقليم، بسبب انشغاله في حربه الوجودية داخل بلده"، بحسب المحلل السياسي التركي الذي اعتبر أن الاستفتاء سوف يدفع الشرق الأوسط نحو مسارات مختلفة تمامًا.
وذكر بيرقدار، أن السبب البراغماتي الآخر الذي يدفع بارزاني باتجاه الإصرار على إجراء الاستفتاء، هو ضعف الأسس السياسية والقانونية لاستمرار حكمه، لاسيما وأن فترة ولايته التي تمتد لثماني سنوات انتهت في أغسطس/ آب 2013، وهو يحتفظ بمنصبه على أرضية توافق سياسي فرضه واقع الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي، رغم ضغط أحزاب المعارضة التي تدفع نحو مغادرة بارزاني منصبه بهدوء.
إلا أن الإقليم يفتقر في الوقت ذاته لمثل لآلية تستطيع إبعاد بارزاني الطامح للحصول على أصوات القوميين الأكراد، المتسربة باتجاه الحزب الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، بعد أزمة رفع علم الإقليم على المؤسسات الرسمية في مدينة كركوك.
وصوّت مجلس محافظة كركوك (شمال) في 28 من آذار/مارس الماضي بأغلبية، على رفع علم الإقليم الكردي بجانب العلم العراقي على المؤسسات الرسمية في المحافظة، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً ورفض من المكونين التركماني والعربي.
وأضاف الأكاديمي التركي، أنه وبالتزامن مع حراك بارزاني المتجه نحو الانفصال عن العراق، ترى حركة التغيير "غوران" التي تقود مجموعة من الحركات والشخصيات المعارضة، أن الوقت ما زال غير مناسب لإعلان الانفصال عن العراق، وأن حراك بارزاني ما هو إلا "ذر للرماد في العيون على حساب تخريب العلاقات مع إيران والعراق وتركيا، ويهدف للتستر على المشاكل الداخلية في الإقليم".
كما لفت إلى أن المشاكل الخطيرة التي ألقت بظلالها على العلاقات بين بغداد وأربيل في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وهروب الجيش من مواقعه بكركوك في يونيو/ حزيران 2014، وتسليمها للأكراد، ساهم في دفع بارزاني باتجاه إجراء استفتاء الانفصال.
"لكن تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأخيرة حول الاستفتاء، تشير إلى أن الحكومة المركزية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه التطورات الخطيرة التي تُفقد العراق جزءًا مهمًا من ثروته النفطية في المناطق المختلف عليها وعلى رأسها كركوك، وكذلك حدوده مع تركيا، وجزءًا مهمًا من حدوده مع إيران وسوريا، ما سيعود على العراق على شكل نكبة اقتصادية"، بحسب بيرقدار.
وحول رد الفعل الإيراني، قال بيرقدار، إن "طهران تتابع عن كثب التطورات شمالي العراق، لأنها تخشى من بلقنة (على غرار ما حدث بالبلقان في تسعينات القرن الماضي) المنطقة ضمن سيناريو يشابه تفتت يوغوسلافيا السابقة، ويأتي على العراق وسوريا ثم إيران - غير المتصالحة مع أكرادها - والتي تمتلك محافظات قابلة للفصل نظريًا، مثل خوزستان (غالبية عربية) وكردستان (غالبية كردية) وبلوشستان (غالبية بلوشية سنية) وأذربيجان الجنوبية (غالبية تركية)".
أما عن نظرة الدول الإقليمية والكبرى تجاه خطوة انفصال أربيل عن العراق، فرأى بيرقدار أن "أنقرة من حيث المبدأ، تدافع عن وحدة التراب الوطني لدول المنطقة، بما في ذلك العراق وسوريا، فضلًا عن أن تفتت دول المنطقة سوف ينعكس عليها بشكل سلبي على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويدفع المنطقة بما في ذلك تركيا إلى مرحلة عصيبة تتخبط في أزمات معقدة أكثر من الأزمات الحالية التي تخوض المنطقة غمارها".
وأضاف أن الإدارة الأمريكية تعارض استفتاء بارزاني - ليس من حيث المبدأ بل من حيث التوقيت - وسياستها تقوم على "نعم للاستقلال ولكن ليس الآن"، في الوقت الذي يؤدي فيه التقارب الكبير بين التنظيمات الكردية وواشنطن إلى تجهّم وجه موسكو الساعية لمنافسة الولايات المتحدة بعد المكاسب التي تحققت في القرم وسوريا، واستمالة الأكراد والتأثير على قراراتهم بما ينسجم مع مصالح الكرملين.
وختم الأكاديمي التركي، بأن مساعي الأكراد للاستقلال عن العراق متعددة الأوجه ومرتبطة بعوامل عديدة، أبرزها مواقف البلدان الإقليمية والقوى العالمية والحسابات المختلفة لتلك البلدان، وأن أنقرة وطهران تعتبران انفصال الإقليم عن بغداد بمثابة تهديد وجودي يؤثر على وحدتهما.
فضلًا عن أن الانفصال سيشعل أوزار حرب عربية كردية، في العراق الذي ستشن حكومته المركزية حملات عسكرية لاستعادة الأراضي المختلف عليها، وعلى رأسها كركوك، وأجواء من محافظة نينوى (مركزها مدينة الموصل)، وأن هذه الحرب لن تنحسر في العراق بل ستمتد إلى سوريا المتشابهة معه ديمغرافيًا.