على الرغم من التحالف القوي بين الأردن والسعودية، إلا أن عمان تريثت قليلا قبل أن تعلن موقفها المنحاز إلى السعودية والدول التي أعلنت مقاطعتها لقطر، دون أن تقطع جميع خيوط الوصال مع الدوحة.
فالأردن الذي دفع ثمنا غاليا على الصعيدين السياسي والاقتصادي بعد دعمه لنظام صدام حسين في العراق إبان حرب الخليج الأولى (1990/91)، لا يرغب هذه المرة في التفريط في مصالحه في ظل الصعوبات التي يواجهها اقتصاده، واعتماده بشكل غير بسيط على المنح والاستثمارات الخليجية في تنمية البلاد.
وبحسابات الربح والخسارة، فإن السعودية والإمارات والبحرين وحلفاءهم أقرب إلى الأردن من قطر، التي كانت الوحيدة من بين الدول الخليجية التي لم تلتزم خلال السنوات الأربع الماضية بتعهداتها من المنحة الخليجية للمملكة الهاشمية.
لكن ما قد يدفع عمان لعدم الذهاب بعيدا في الخصومة مع قطر، وجود نحو 40 ألف أردني يعملون في الدوحة، حسب أرقام وزارة العمل، فضلا على أن توجه الدول المقاطعة لإدراج جماعة الإخوان المسلمين، المتجذرة في الأردن، ضمن قائمة الإرهاب، من شأنه أن يضع عمان أمام موقف محرج وصعب، خصوصا أن ذلك من شأنه أن يدخل البلاد في حالة من اللااستقرار السياسي، علاوة على انعكاسه سلبا على جوانب أخرى.
لذلك يسعى الأردن للحفاظ على "شعرة معاوية" في تعامله مع الصراع الخليجي، والتجاذبات في المنطقة.
خطوات الأردن تجاه قطر بتخفيض علاقاته الدبلوماسية معها، وإلغائه رخصة البث الخاصة بقناة الجزيرة، يُبقي كل شيءٍ تقريباً كما هو، فعمان لم تطلب من القطريين المتواجدين في المملكة مغادرة البلاد، كذلك لم تلغ الخطوط الملكية (عكس نظيراتها الخليجية) رحلاتها إلى الدوحة.
وعلى العكس أيضاً من السعودية والبحرين ومصر، لا يزال الأردنيون قادرون على مشاهدة قناة الجزيرة، وغيرها من وسائل الإعلام المحسوبة على قطر على شبكة الإنترنت.
فموقف الأردن الأقل حدية اليوم، لم يكن نفسه في تسعينيات القرن الماضي، عندما وقف إلى جانب صدام حسين في غزو الكويت، فخسر حينها سياسيا واقتصاديا.
والقرار الأردني عكس موقف عمان من ملفي "الإرهاب والتطرف"، وانطلاقاً من ذلك، فإن اتخاذ صفة "الحيادية" أمر غير ممكن بالنسبة للأردن، خاصة بعد أن طفى على سطح الأزمة الحديث عن دعم الدوحة للإرهاب والتطرف، وهما من أبرز الملفات التي يحملها الأردن في جولاته وتتصدر مباحثاته.
كما أن قرار الحكومة الأردنية، الثلاثاء الماضي، بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، رافقه في الوقت نفسه أملٌ في "تجاوز هذه المرحلة المؤسفة" عبر "حل الأزمة على أرضية صلبة".
وصف المرحلة بـ "المؤسفة" لم يأتِ جُزافاً، فعمان تُعاني من ويلات الأزمات التي تشهدها المنطقة، وأصبحت هي الأكثر تأثراً منها، وعلى الرغم من تعهدات الدوحة بعدم المساس بمواطني الدول التي أعلنت مقاطعتها إلا أن الأزمة غير مسبوقة وقابلة للتطور، وبالتالي زيادة الضغط على اقتصاد المملكة المُرهق أساساً.
محللون سياسيون أردنيون نظروا إلى موقف بلادهم من جوانب مختلفة في حديثهم للأناضول، فمنهم من عدّ الموقف بأنه انسجام وتناغم مع تحالفات عمان بالنسبة لدول "قطع العلاقات"، والبعض الآخر اعتبر أنه يأتي في سياق تفضيل المصلحة الاقتصادية، لا سيما وأن المملكة تُعاني من ظروف صعبة في هذا الجانب.
كما التفت المحللون إلى محور "الإخوان المسلمين"، وسيناريوهات تعامل سلطات البلاد معهم في حال تم إدراجهم على قائمة الكيانات الإرهابية الخاصة بالدول المقاطعة لقطر.
البيان المشترك الذي أعلنت فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر الأفراد والمنظمات الإرهابية جاء فيه أن "القائمة سيتم تحديثها"، وهذا يعني أن إدراج الإخوان المسلمين أمر وارد، وربما يواجه الأردن ضغوطاً تُوجب عليه التماشي مع معطيات جديدة إن لم يضع النسيج المجتمعي وترابطه ودور الإخوان "المتزن" كما وصفه المحللون بعين الاعتبار.
تناغم الموقف مع الحلفاء
اعتبر الكاتب والمحلل السياسي عامر السبايلة، أن "الموقف الأردني متناغم مع حلفائه مصر والإمارات والسعودية والبحرين، وهو متوقع بعد أن خرجت المسألة من كونها خليجية وأخذت بعدها العربي".
واستدرك السبايلة، "مع ذلك يبقى الموقف الأردني موقفاً متوازناً"، مُستبعداً في الوقت ذاته أي توقعات في تغيّره حتى لو شهدت الأمور تصعيداً من قبل حلفاء الأردن.
كما لفت السبايلة، أن الموقف الأردني "متجانس مع محور عمان الاستراتيجي، ومتوافق مع التحولات التي يشهدها العالم في التعاطي مع ملفي الإرهاب والتطرف، وبالتالي فالقرار الأردني مرتبط بالواقع الحالي وليس نتاج لتجارب الماضي".
ويؤكد "بدر الماضي"، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأردنية (حكومية)، أن بلاده "لا تستطيع اتخاذ مواقف حادة تجاه أي من الأطراف المتنازعة؛ لما يربطها من علاقات استراتيجية مع كل من الإمارات والسعودية والبحرين من جهة، وقطر ودول الخليج الأخرى من جهة ثانية".
وُيشير "الماضي"، أن "صانع القرار السياسي الأردني وقع في حرج كبير وتفاجأ بتطورات الأزمة السياسية الناشئة والطارئة بين الأشقاء".
من جهته، قال خبير النزاعات الدولية حسن المومني، أن "الأردن يتمتع بعلاقة تاريخية مع الخليج وهي متفاوتة من دولة لأخرى، بمعنى أنه في الأساس يرتبط بعلاقات استراتيجية مع السعودية والإمارات والبحرين في هذا الجانب، إضافة إلى علاقته بمصر فهو داعم لها ولنظام السيسي".
وأضاف المومني "في السياق السعودي فالواقع الجيوسياسي يفرض نفسه في العلاقة السعودية الأردنية، وهي أعمق بكثير من العلاقة الأردنية القطرية.. حسابات الربح والخسارة للأردن مرتبطة بهذا المفهوم مع السعودية والإمارات ومصر بحكم تاريخها المتذبذب مع قطر".
كما بين المومني، أن "الموقف الأردني متماشٍ مع الأطراف ومع الموقف الأمريكي، فواشنطن واضحٌ بأنها مع السعودية".
"فارس بريزات"، رئيس مركز "نماء" للاستشارات الاستراتيجية (مستقل) شدد على أن الأردن "لا يمكن أن يكون خارج الاتفاق السعودي المصري الإماراتي البحريني؛ لأنه يعرف تاريخياً بأنه محور الاعتدال العربي، وهو الذي خسر كثيراً أثناء فترة الربيع العربي".
يقول بريزات، متابعاً "الأزمة متوقعة وغير مفاجئة، والتقديرات كانت تقول بأن الأزمة متى ستحدث وليس إذا كانت ستحدث.. العامل الأساسي في هذه الأزمة هو عدم تنسيق القطريين بما يكفي وبما يتلاءم مع السياسات العامة الإقليمية والخارجية لدول المجلس".
ارتباط الموقف بالظروف "الاقتصادية" الصعبة
أما من الناحية الاقتصادية ، فعلل بدر الماضي، بأن "الظرف الاقتصادي" لبلاده مرده للموقف المُعلن تجاه قطر.
وأشار إلى أنه، في ذات الوقت، يُعبر عن "إشكالية الاقتصاد والجغرافيا والمزاج السياسي العربي الذي لا يقبل بالحلول الوسط".
ويُضيف أن "البعد الاقتصادي كان الضاغط الأكبر على تفكير صانع القرار السياسي الأردني، حيث المساعدات والمنح الخليجية التي ترفد الميزانية الأردنية والاقتصاد، ومن جانب آخر وجود عمالة أردنية بحجم كبير في كل من السعودية والامارات وبدرجة أقل في دولة قطر".
الإخوان المسلمون نموذج مختلف ووجود شرعي
أما فيما يتعلق بمحور الإخوان المسلمين وسيناريوهات التعامل معه في المملكة إذا ما تم إضافتها إلى القائمة الإرهابية للدول المقاطعة، أوضح عامر السبايلة، أنها "إحدى المسائل الشائكة التي تواجه الأردن ، خصوصاً في حال قررت الإدارة الأمريكية وضع جماعة الإخوان على لائحة الإرهاب.. الأمر الذي سيكون له هزاته الارتدادية القوية في الأردن".
أما بدر الماضي، فأكد هو الآخر على أن الاخوان يمثلون عنواناً حساساً في الشارع الأردني الذي يبدي تعاطفاً مع حركتهم طالما "أنها تعمل ضمن أطر دستورية وقانونية أردنية ولا تنظر إلى النظام السياسي في البلاد إلا من خلال شرعية تاريخية لا يمكن التشكيك بها".
وفيما يخص مستقبل الحركة الإسلامية في الأردن وإمكانية تصنيفها حركة إرهابية أم لا، قال "الماضي": "إننا ننظر هنا إلى حكمة النظام السياسي والوضع الداخلي، بحيث لا يمكن لصانع القرار أن يُسقط نموذج الدول الأخرى، التي تتعامل مع الحركة الاسلامية على أنها حركة إرهابية، على الوضع الأردني".
وأردف: "الحركة في مجمل خطابها السياسي تمتاز بالعقلانية، وتعلم تماماً أنه لا مجال للمساومة على استقرار الأردن والنظام السياسي.. قياداتها (الأردن) لم تمارس أي نوع من أنواع الاضطهاد ضد الحركة وأعضائها، مما شكل حالة من التفاهمات الضمنية ورسم خطوط واضحة لشكل التعامل بين الحركة والدولة الأردنية".
وأكد المومني، أن "جماعة الإخوان تُمارس عملها من خلال حزب سياسي مرخص هو جبهة العمل الإسلامي، ولم تحدث مواجهة مباشرة بين الحكومة والإخوان، ولا أعتقد أن ما انسحب على إخوان مصر سينسحب على الأردنيين؛ لأنهم ليسوا بمواجهة مع النظام ..الخطأ أن يتم النظر للإخوان من عدسة واحدة، فظروفهم تختلف من دولة لأخرى".
والجمعة الماضية، غادر السفير القطري في العاصمة عمان، بندر بن محمد العطية، بعد قرار بخفض التمثيل الدبلوماسي مع بلاده.
وقررت الحكومة الأردنية، الثلاثاء الماضي، خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، وإلغاء ترخيص قناة "الجزيرة" في المملكة.
وقال وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، في بيان، إنه "بعد دراسة أسباب الأزمة،.. قررت الحكومة تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة، وإلغاء تراخيص مكتب قناة الجزيرة في المملكة"، وفق وكالة الأنباء الأردنية (بترا).
وأضاف الوزير الأردني في الوقت نفسه فإن "الحكومة تأمل بتجاوز هذه المرحلة المؤسفة، وحل الأزمة على أرضية صلبة تضمن تعاون جميع الدول العربية على بناء المستقبل الأفضل لشعوبنا".
وشدد على ضرورة "تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، والتقاء الدول العربية على السياسات التي تنهي أزمات منطقتنا العربية".