في يناير/ كانون ثانٍ 2018، تواجه الجماعة الإسلامية بمصر تحديًا كبيرًا، مع اقتراب فصل القضاء في دعوى حل ذراعها السياسية، حزب "البناء والتنمية"، وهو ما استبقه قادة في الجماعة بمحاولات لخطب ود النظام، عبر تغيير رأس الحزب، والدعوة إلى عدم المقاطعة "السلبية" للانتخابات الرئاسية 2018.
حل هذا الحزب، وفق مختصين في أحاديث للأناضول، لن يغير عمليًا من واقع الجماعة الاجتماعي والسياسي، معتبرين أنه "مجرد أداة ابتزاز" لجماعة لا تملك قدرة على التأثير في المشهد العام بأدوار الوساطة والتهدئة التي تمارسها حالياً.
غير أن ثمة نظرة تشاؤمية تُحذر من أن تضييق الأفق السياسي أمام الجماعة الإسلامية قد يدفع قطاعات من المنتمين إليها نحو ممارسة "العمل السري والعنف"، ومن ثم التصادم مع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تولى السلطة في 8 يونيو/ حزيران 2014.
** أبرز حليف للإخوان
تأسست الجماعة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي، ويساورها قلق متزايد بسب ما اعتبرته بيانات سابقة لها "تضييقاً أمنياً وسياسياً" عاد يخيم على الحركات والجماعات الإسلامية المعارضة عامة، في سيناريو يتشابه قليلاً مع وضع الجماعة في تسعينيات القرن الماضي، قبيل صدامها مع الشرطة المصرية.
وشهدت التسعينيات صدامًا عنيفًا بين الشرطة المصرية والجماعة الإسلامية؛ إثر تبني الأخيرة "منهج التغيير بالقوة"، قبل أن تطرح مبادرات "وقف العنف"، عام 1997، التي رحب بها النظام آنذاك.
وتأسس حزب "البناء والتنمية" في يونيو/ حزيران 2011، بعد أشهر من الثورة الشعبية، التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك (1981-2011).
والجماعة الإسلامية هي أبرز حليف لجماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرتها السلطات المصرية "إرهابية"، بعد أشهر من إطاحة الجيش، حين كان السيسي وزيراً للدفاع، عام 2013، بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، والمنتمي لجماعة الإخوان.
ومنذ ذلك الحين والجماعة وحزبها عرضة لتهديد بلغ ذروته في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حين قررت المحكمة الإدارية العليا (أعلى محكمة إدارية للطعون وتفصل في شرعية الأحزاب وأحكامها نهائية) تأجيل النظر في طلب لجنة شؤون الأحزاب (حكومية) بحل الحزب وتصفية أمواله إلى 20 يناير/ كانون ثانٍ المقبل.
واستندت اللجنة الحكومية في طلب حل الحزب إلى أمور، منها قيام الحزب بانتخاب طارق الزمر رئيسًا له، والذي أدرجته السلطات لاحقاً على قائمة الإرهاب.
وإثر تلك الدعوى قرر الحزب، في يونيو/ حزيران الماضي، قبول استقالة الزمر، عقب إدراج اسمه في قائمة الإرهاب، وانتخب، في أغسطس/ آب الماضي، محمد تيسير، القيادي بالجماعة الإسلامية، رئيسًا له.
وشدد الحزب آنذاك على "سلامة موقف الزمر القانوني عند انتخابه رئيسًا"، مشيرًا إلى أنه "دائمًا يدعو إلى سلمية المعارضة، ووحدة الصف الوطني، والمصالحة المجتمعية الشاملة".
ولا يقتصر الأمر على المضايقات الأمنية والسياسية أو القرار القضائي المرتقب، فبحسب الباحث المصري في الحركات الإسلامية، أحمد مولانا، "هناك معاناة تواجهها الجماعة الإسلامية بسبب عدم وجود قطاعات شبابية قادرة على استكمال المسيرة".
واعتبر "مولانا"، في حديث للأناضول، أن "الدور التاريخي للجماعة الإسلامية صار أكبر من تأثيرها الميداني".
** خطب ود النظام
وخلال السنوات الثلاث الماضية، سعى قادة الجماعة الإسلامية داخل مصر إلى ملء فراغ غياب حركات الإسلام السياسي، وإيجاد مساحات لهم عبر طرح مبادرات للمصالحة بين النظام والإخوان، لكنها مساعٍ لم تكلل بالنجاح، في مقابل معارضة مستمرة من قبل منتمين للجماعة يقيمون في الخارج.
لكن مؤخرًا، وبالتزامن مع أحاديث الحل القضائي، تزايدت نبرة التهدئة من قبل الجماعة بشكل لافت، إذ دعا القيادي البارز في الجماعة، رئيس حزبها المستقيل، طارق الزمر، يوم الجمعة الماضي، إلى عدم المقاطعة السلبية لرئاسيات 2018.
وشدد الزمر على "ضرورة استثمارها (الانتخابات) لإعادة فتح المجال العام"، رغم حديثه أن الانتخابات المقبلة لن تغير النظام.
ولم يعلن السيسي حتى الآن موقفه من الترشح لولاية رئاسية ثانية، لكن يوجد شبه يقين بين معظم المصريين بأنه سيترشح.
وأعلن السيسي، يوم 8 نوفمبر/ تشرين ثانٍ الماضي، أنه سيقدم للمصريين، خلال ديسمبر/ كانون أول أو يناير/ كانون ثانٍ المقبلين، "كشف حساب" عن أدائه، ليحدد، بناء على ردود الأفعال، موقفه من الانتخابات المقبلة.
وبعد 24 ساعة من تصريحات طارق الزمر، دعا ابن عمه عبود الزمر (مقدم سابق بالجيش)، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، الحكومة إلى العمل على خروج مصر من حالة الانقسام الشديدة، التي تعاني منها منذ سنوات.
وحدد عبود، في مقال بصحيفة مصرية خاصة، خطوات ضرورية لإخراج مصر من الأزمات، على رأسها "إنصاف المظلومين، والإفراج عن المسجونين بلا تهم، باعتبار أن استمرار هذا الوضع يشكل عقبة أمام أي نجاح".
وسبق أن أطلق حزب "البناء والتنمية" أربع مبادرات لحل الأزمة بمصر، لكنها لم تحقق اختراقًا، كان آخرها لنصر عبد السلام، القيادي البارز بالجماعة، في ديسمبر/ كانون ثانِ 2016، دعا خلالها النظام والإخوان إلى مصالحة شاملة.
** مواقف متفاوتة
لكن الباحث في حركات الإسلامي السياسي، أحمد بان، استبعد أن تنجح مساعي الجماعة الإسلامية في كسب ود النظام عبر مبادرات المصالحة وعدم المقاطعة السلبية للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال "بان" للأناضول: "لا أتصور أن تفلح مثل هذه الأطروحات في تحريك المشهد السياسي المنغلق، لأن إرادة النظام تمضي نحو حل مثل هذه الكيانات، وعدم فتح الأفق السياسي".
وفي مقابل مساعي قيادات الجماعة في الداخل إلى تحريك مياه المصالحة الراكدة بمصر، تطلق قيادات بالجماعة، مقيمة في الخارج، من آن إلى آخر، تصريحات تهاجم النظام الحاكم.
هذا التفاوت في مواقف قادة الجماعة اعتبر "مولانا" أنه "ناتج عن شخصياتهم وأوضاعهم المختلفة، فهناك شخصيات أكثر راديكالية، مثل عاصم عبد الماجد (قيادي بارز بالجماعة بالخارج)، مقابل قيادات أخرى أكثر توائمًا مع الواقع، وتحرص على إرسال رسائل طمأنة للداخل".
ويوجد العشرات من أعضاء الجماعة الإسلامية داخل السجون المصرية، أبرزهم القياديين علاء أبو النصر وصفوت عبد الغني، وذلك بتهة ممارسة العنف، وهو ماينفونه.
**سيناريوهات محتملة
في ظل هذه الأوضاع تبدو في الأفق عدة سيناريوهات بشأن مصير الجماعة الإسلامية، حال قضت المحكمة، في 20 يناير/ كانون ثانٍ المقبل، بحل حزبها السياسي، وفق "بان" و"مولانا"
وقال "بان" إنه "لا يوجد بديل سياسي أمام الجماعة الإسلامية، في حال حل حزب البناء والتنمية، فالنظام لا يريد ذلك، ولا يريد موائمات مع الجماعات الإسلامية، ولا يفكر فيها".
وحذر من أنه "من الوارد تحول قطاعات بالجماعة الإسلامية إلى العمل السري والعنف".
فيما استبعد "مولانا" أن تسير الجماعة على خطى الموائمات السياسية مع النظام، على غرار حزب النور السلفي، الذراع السياسية للدعوة السلفية (كبرى الجماعات السلفية بمصر)، معتبراً أن "هذا هو طريق الانتحار السياسي والتنظيمي.. ستفقد الجماعة رصيدها كاملاً لدى محبيها إن فعلت ذلك".
كما استبعد عودة الجماعة الإسلامية إلى العنف بقوله: "بددت السنوات عنفوان الشباب وطموحه، الذي اتسمت به الطليعة الأولى من الجماعة، وهى أقرب حاليًا إلى ممارسة أدوار الوساطة والتهدئة، منها إلى أدوار التحريض على المواجهة".
** الحزب: لا للعنف
عضو المكتب الإعلامي لحزب "البناء والتنمية"، طه الشريف، قال من جانبه إن "الحزب وقياداته وأعضائه يؤمنون بعدالة قضيتهم، وباستقلال القضاء المصري، ولن يسعهم إلا قبول أحكامه".
وشدد الشريف، في تصريح للأناضول، على "رفض الجماعة اللجوء إلى أعمال العنف.. الحزب وعاء لكثير من القيادات، التي أمنت بالعمل السلمي، ووجهت طاقتها لخدمة الوطن والمجتمع، وبذلك فالخسارة كبيرة في حال أقدمت الدولة على حل الحزب".
وعزا الشريف ما يمارس على حزب "البناء والتنمية" من ضغوط إلى "تقلص مساحات العمل السياسي والحزبي في مصر".
وتواجه الحياة الحزبية في مصر إنزواء، لا سيما في السنوات الأربع الأخيرة، حيث تتهم أحزاب ليبرالية وإسلامية معارضة النظام الحالي بتضييق المجال العام، في مقابل تصريحات رسمية متكررة عن إتاحة كل الفرص والحقوق للجميع وفق ما ينظمه القانون.