عام 2017، شهد عهدًا جديدًا من العلاقات بين العراق ودول الخليج، وانفتاحًا دبلوماسيًا لم يسبق له مثيل منذ ربع قرن، تمثل بزيارات مهمة؛ لا سيما بين العراق وكل من قطر والسعودية على حدة.
أثمرت تلك اللقاءات عن اتفاقات مهمة؛ كإنشاء مجلس تنسيقي عراقي سعودي، لتطوير المبادرات بين البلدين على كل الأصعدة وإعادة تفعيل الخطوط الجوية بين بغداد وجدة التي توقفت قرابة 27 عامًا.
وأفضت إلى تمثيل اقتصادي سعودي مهم في معرض بغداد الدولي، بحضور أكثر من 655 شركة سعودية؛ ناهيك عن مشاركة سعودية مهمة في مؤتمر البصرة الدولي للنفط والغاز، تزامنًا مع اتفاقات أولية لإعادة فتح خطوط الغاز الطبيعي القادمة من العراق عبر السعودية إلى البحر الأحمر، وعلى جانب آخر اتفاق مبدئي لإعادة فتح السفارة القطرية ببغداد.
في السياق، قال الناطق باسم الخارجية العراقية، أحمد محجوب، إن العلاقات في تطوّر مستمر، وناتج عن إدارة الحكومة الحالية لمهامها وسياستها تجاه تلك الدول.
وأضاف في حديث للأناضول، أن "العلاقات بين العراق ودول الخليج تأخذ بالتصاعد خصوصًا بعد أن استلمت الحكومة الحالية مهامها عام 2014".
وأوضح أن "الانفتاح على المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، كلها تمثل عمقًا عربيًا استراتيجيًا للعراق.. والعراق حريص على تطوير العلاقة مع هذه الدول".
وتابع محجوب: "المجلس التنسيقي يُعد عهدًا جديدًا بيننا، وبين المملكة العربية السعودية، وكذلك الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية إبراهيم الجعفري إلى دولة قطر، وقرار أمير قطر (حمد بن تميم) بفتح السفارة في بغداد، كل هذه الخطوات تعد بادرة أمل لتطوّر العلاقات على جميع الأصعدة وفي مقدمتها الصعيد الاقتصادي".
واعتبر محجوب أن "سياسة العراق باتت تعتمد المصالح المشتركة، لا الانتماءات الضيقة".
وأردف: "هناك قضية في ذات الأهمية أن العراق يقيم علاقاته مع دول المنطقة على أساس المصالح المشتركة، وليس على أساس الانتماء للخنادق وخوض غمار المعارك بين الأطراف الدولية".
*انفتاح متأخر.. ولإيران أذرع عراقية مسلحة تخدم مصالحها في العراق والمنطقة
وعن تأثيرات عودة العراق تدريجيا إلى الحاضنة الخليجية على المصالح الإيرانية، اكتفى محجوب بالإشارة إلى أن العراق يسعى للعب دور توفيقي، واستبعد في الوقت نفسه أن يتحالف مع محور ضد آخر.
ومضى قائلًا: "العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضًا مهمة كونها تحادد العراق، وعلاقتنا بإيران لا تعني أننا مع محور ضد محور، وبالعكس العراق يلعب دورًا مهمًا في هذه المرحلة، فمن الممكن أن يأخذ دور اللاعب الأهم، للتوفيق بين دول المنطقة، وقد لعب مؤخرًا دورًا توفيقيًا بين بعض تلك الدول (لم يسمها)، وقد يأخذ دورًا أكبر في المرحلة المقبلة".
من جانبه، اعتبر الباحث العراقي في جامعة "جورج واشنطن" الأمريكية، هيثم نعمان الهيتي، أن "الانفتاح العراقي الخليجي تأخر لعدة أسباب.
وأوضح في حديث للأناضول، أن "هذا الانفتاح متأخر جدًا وسبب التأخير أكثر من عامل؛ أولًا الرفض العربي للعراق، وثانيًا القيادة العراقية كان لديها خطاب سيء، غير سياسي وغير دبلوماسي تجاه العرب وهذا تغير الآن".
وأضاف: "هناك قيادات عربية وخليجية جديدة تريد تصحيح الخطأ والعودة باتجاه العراق ورئيس الوزراء العراقي لديه خطاب خالي من التعابير الطائفية أو خالي من خطاب الكراهية بل يحمل خطاب تقدمي، لكنه ضائع بين الأصوات النشاز الكثيرة جداً".
واستبعد الهيتي وجود أي مؤشرات لتأثر إيران بعودة العراق إلى حاضنته الخليجية أو المحاولات الداعمة لذلك، ورجح أن تقتصر انعكاسات هذا الانفتاح على مجالات اقتصادية فحسب.
ومضى قائلًا: "النفوذ الإيراني في العراق أصبح مسلحًا، لذا لن يكون هناك خفض للنفوذ الإيراني في الوقت الحاضر، ولكن الانفتاح العربي فرصة لفتح منافذ اقتصادية جديدة للعراق".
*إيران منذ القدم تخشى المشاريع الشيعية العربية
وأعرب الهيتي عن اعتقاده بأن إيران مستمرة بتقويض أية مشاريع عربية مدعومة من القوى الشيعية؛ سيما العراقية خشية على مصالحها ونفوذها في المنطقة، وأشار إلى تقارير أمريكية تؤكد ذلك.
وأردف: "المستقبل سيتغير وهذا التغير سيأتي من جنوب العراق، وليس من مكان آخر.. إيران منذ القدم تسعى لاغتيال كل مشروع عربي شيعي، لأنه الأخطر عليها وهناك تقارير صدرت من جامعات أمريكية تؤكد ذلك، ويفيد أحدها أن اختطاف (نظام الزعيم الليبي الراحل معمر) القذافي لموسى الصدر في السابق كان بأوامر إيرانية".
*"داعش" واقتصاد المنطقة فرضا معطيات جديدة
لكن الكاتب العراقي، سرمد الطائي، كان أكثر تفاؤلًا؛ بالنظر إلى المعطيات الواضحة حسب رأيه بوجود ضغط دولي يهدف إلى خلق اعتدال في العراق داخليًا وخارجيًا، يرتكز على أطراف داعمة له.
وقال في حديث للأناضول: "اليوم الانفتاح العربي والخليجي خصوصًا، هو استجابة لرغبة دولية في صناعة استقرار في العراق تتقبل طهران نتائجه، إذ لا خيار سوى هذا وهو مسار مدعوم من مرجعية النجف الدينية، وكل الأجنحة الموصوفة بالاعتدال في البلاد".
ولفت الطائي إلى ملامح تؤكد وجود استراتيجية جديدة بين العراق ومحيطه العربي والخليجي، تسعى أطرافها إلى استثمارها في مجالات حيوية وحساسة في قادم الأيام.
وأضاف: "هناك مشاريع تعاون مباغتة وغير متوقعة تكشف فهمًا جديدًا للأمن الإقليمي، الذي تندمج فيه عناصر تعاون اقتصادي واستخباري وسياسي في آن واحد، ولا مثال أكثر دلالة من العطاءات الدولية المتزاحمة على إنشاء ميناء الفاو الكبير، الذي يفترض أن يكون الأكبر في الشرق الأوسط بتأييد أوروبي وأمريكي وقبول خليجي وعربي".
وتابع: "هذا المشروع سيمنح فرصة لإحياء طريق الحرير بين شمال الخليج الرابط مع أسواق آسيا والهند وطرق الترانزيت نحو أوروبا عبر تركيا والأردن، ولاحقًا عبر سوريا ربما".
وأعرب الطائي عن اعتقاده بأن إيران، وأذرعها المسلحة في العراق ستتفهم هذه الاستراتيجية لأسباب فرضتها الأحداث الأخيرة في العراق والمنطقة.
وأوضح أن "العراق لم ينجح في دحر تنظيم داعش مع كل المساعدات الإيرانية، وإنما بالعمل مع التحالف الدولي بقيادة أمريكا".
واستدرك بالقول: "لم يكن التعاون عسكريًا فقط، بل انهيار أسواق النفط جعل صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية وأمريكا والاتحاد الأوروبي ذات النفوذ الأساسي فيها، فاعلاً أساسيًا في العراق بحيث أن الأجنحة العسكرية والفصائل المقربة إلى طهران نفسها تتفهم الوضع الصعب للبلاد، وضرورة الضغط على طهران وأي حليف مشابه آخر لكي يقدروا الوضع العراقي".
وشهد فبراير/شباط عام 2017 زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وهي الأولى منذ حرب الخليج، (2 أغسطس/آب 1990- 28 فبراير/شباط 1991).
تلتها زيارة العبادي إلى السعودية في 19 يونيو/حزيران 2017، بدعوة رسمية منها، وبعد أشهر قام وزير الداخلية العراقي، قاسم الأعرجي، بزيارة المملكة أيضًا وصولًا إلى زيارة زعيم التيار الصدري الشيعي، مقتدى الصدر بدعوة رسمية.
وزار وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، قطر الشهر الماضي وتم الاتفاق على إعادة تفعيل العلاقات بين البلدين، التي تبدأ بإعادة فتح السفارة القطرية ببغداد كخطوة أولى.