يمر الائتلاف الحكومي في المغرب بأكبر أزمة منذ تشكيله في مارس / آذار الماضي، لا سيما الطرفين القويين فيه حزبي "العدالة والتنمية"، و"التجمع الوطني للأحرار".
وتباينت توصيفات الأزمة الراهنة، غير أنها لم تخرج عن وصف "التصدع"، أو "الغضب المكتوم".
وبدت الأزمة جلية عقب ما راج حول "الغياب الجماعي" لوزراء حزب "التجمع الوطني للأحرار" عن اجتماع مجلس الحكومة في 8 فبراير / شباط الجاري، والذي اعتبر "مقاطعة".
ثمة علاقة بين الأزمة وتصريحات عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة السابق، التي أدلى بها في 3 فبراير.
التصريحات التي جاءت خلال مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية (منظمة شباب الحزب)، اعتبرت "غير ودية" في حق عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين)، وإدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي (يسار) المشاركين في الحكومة.
بنكيران الذي غادر قيادة الحزب في ديسمبر / كانون الأول الماضي، ليخلفه سعد الدين العثماني، بعدما خلفه قبلها بقليل في رئاسة الحكومة، حل ضيفا على مؤتمر شبيبة حزبه، ومن على منصة المؤتمر ألقى خطابا اعتبر بمثابة "إعلان عودة" للمشهد السياسي، بعدما التزم "الصمت" لفترة من الزمن، واعدا بأنه قرر أن "يتكلم".
"كلام" بنكيران أصاب أبرز حلفاء حزبه في الحكومة، أخنوش، الذي يشغل وزيرا للفلاحة والصيد البحري في حكومة العثماني، وهو المنصب الذي كان يشغله في حكومة بنكيران، قبل أن يترأس "التجمع الوطني للأحرار"، عقب الانتخابات البرلمانية في أكتوبر / تشرين الأول 2016، التي تصدرها حزب "العدالة والتنمية" وحل فيها التجمع رابعا.
وبطريقته المعهودة في توجيه الرسائل إلى من يهمه الأمر، "تهكم" بنكيران على التصريحات المتواترة لأخنوش في الأشهر الأخيرة، بأن حزبه سيتصدر الانتخابات البرلمانية عام 2021، متسائلا عن "العرّافة" التي أخبرت أخنوش بذلك.
كما وجه إليه خطابا مباشرا قال فيه "أحذرك أن زواج المال والسلطة خطر على الدولة"، في إشارة إلى كون أخنوش أحد أبرز أثرياء المغرب.
لم يكن كلام بنكيران ليمر دون أن يخلف وراءه "زوابع" سياسية، ويتحول إلى المادة الإعلامية الأكثر تداولا، كانت آخر تداعياتها "الغياب الجماعي" لوزراء حزب أخنوش اجتماع مجلس الحكومة قبل أسبوع.
وبعد تداول خبر "الغياب الجماعي" لوزراء التجمع، لم ينف الحزب رسميا اعتبار الخطوة "مقاطعة" متعمدة، بعدما انتظروا ردا من العثماني على تصريحات بنكيران، وهو ما لم يقدم عليه.
ولم يقتصر غياب وزراء التجمع على اجتماع الحكومة، بل غابوا كذلك عن لقاء لوفد وزاري ترأسه العثماني في مدينة وجدة (عاصمة جهة الشرق) الأحد، خصص للكشف عن تدابير لمصلحة مدينة جرادة التي تشهد منذ أسابيع احتجاجات متقطعة تطالب بالتنمية وفرص عمل.
خرج مصطفى الرميد، وزير الدولة في حقوق الإنسان، واليد اليمنى لرئيس الحكومة، الثلاثاء الماضي، ليقول في مؤتمر صحفي، إن العثماني أبلغه أن وزراء التجمع اعتذروا عن عدم الحضور لاجتماع الحكومة، وفق الإجراءات الشكلية المعتمدة.
وأضاف أن أخنوش اتصل بالعثماني ليخبره أن سبب غياب وزراء حزبه عن مرافقته جهة الشرق يعود لكونهم على موعد حزبي سابق بمدينة العيون، كبرى مدن الصحراء.
وقال الرميد إنه "لا يمكن للخلافات والمشاكل بين مكونات الائتلاف الحكومي أن تصل إلى مستوى مقاطعة المجلس الحكومي".
واعتبر أن المجلس الحكومي "مؤسسة لا يمكن أن أتصور أي مقاطعة لها، وإذا وقع هذا من أي جهة فأنا لم أعد أفهم شيئا في السياسة، ولا بد أن هناك اختلالات جسيمة".
وشدد على أن حزبه "العدالة والتنمية" تعرض "لإساءات بليغة" من بعض حلفائه في الحكومة لا يمكن تصور قساوتها على الحزب، لكن لم يفكر يوما في مقاطعة المجلس الحكومي أو حتى مقاطعة الحزب الذي صدرت عنه "الإساءة".
قبل أن يختم بالقول "أنا شخصيا ما زلت أتساءل هل كانت هناك مقاطعة لوزراء التجمع أم لا؟ لكن الذي يجيب عن هذا السؤال لست أنا، بل السيد أخنوش رئيس الحزب وقيادته".
وجاء موقف حزب التقدم والاشتراكية (يسار) المشارك في الحكومة، ليصب الزيت على نار "الأزمة غير المعلنة" بين مكونات الائتلاف الحكومي.
وانتقد الحزب، في بيان له الثلاثاء، ما وصفه بـ "التفاعلات السلبية الناجمة عن العلاقات بين أطراف من الأغلبية في الفترة الأخيرة، وما أدت إليه من ردود أفعال غير مواتية ولا مسبوقة وصلت إلى حد عدم الاضطلاع بمهام دستورية".
فيما فضل حزب "العدالة والتنمية" القول في بيان الأربعاء، إنه "حريص على تماسك الأغلبية ملتزم بالوفاء لتحالفاته والتزاماته ضمنها"، دونما إشارة إلى تصريحات بنكيران التي اعتبرت سببا في الأزمة.
الباحث والمحلل السياسي بلال التليدي، يقول في حديث للأناضول، إن بعض الأحزاب داخل الأغلبية الحكومية (لم يحددها) تحاول استغلال وضعها وتدفع الحزب القائد للحكومة (العدالة والتنمية) إلى "وضع حرج" والاحتكاك المباشر مع الحراك الاحتجاجي الذي تشهده عدة مدن، وتحاول أن تستثمر هذا الحراك لتحسين موقعها.
وأضاف التليدي أن تحركات بعض أطراف الحكومة "ترجح إما التسريع بإجراء الانتخابات البرلمانية أو تفكيك التحالف ورهنه من طرف الرباعي الحزبي المكوّن من التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية (يمين) والاتحاد الدستوري (يمين) والاتحاد الاشتراكي (يسار)".
من جهته، قال عمر الشرقاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية (حكومية)، للأناضول، إن "الأزمة التي تعيشها الأغلبية الحكومية ظاهرة ومؤشراتها واضحة ولا تحتاج إلى نكران أو إلى توضيح".
واعتبر أن جزءا من أزمة الائتلاف الحكومي "فجرته تصريحات بنكيران الذي وجه رسائل غير ودية لحلفاء الأمس".
وأشار الشرقاوي إلى أن هناك "ردود فعل غير معلنة" على تصريحات بنكيران، موضحا أنه رغم أنه ليست هناك معطيات رسمية تفيد بـ "مقاطعة" وزراء التجمع لمجلس الحكومة، إلا أن الوقائع التي حدثت بينت بأن "ثمة شكلا من أشكال الاحتجاج من قبل هذا الحزب".
واعتبر أن شكل الاحتجاج "لا يتناسب مع الواقعة سواء من حيث الهدف أو من حيث الآلية".
وأضاف الشرقاوي أنه "إذا كانت قد حدثت مقاطعة مجلس الحكومة فهذا سلوك فيه مس بهيبة المؤسسات الدستورية، وسلوك يجعل المؤسسات الدستورية آليات وأسلحة للتنابز السياسي".
رغم ذلك، فإن "التصدع" بدأت إرهاصاته تتلاشى مع عودة وزراء "التجمع الوطني للأحرار" لاجتماع مجلس الحكومة أمس، واتفاق الائتلاف على توقيع "ميثاق" بين مكوناته.
وقال المتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي: "قريبا سيتم التوقيع على ميثاق الأغلبية الذي سيشكل إطارا ناظما لتنسيق الجهود ورفع مستوى التعبئة من أجل ذلك"، دون توضيحات أكثر.
وتابع: "قد تبرز تباينات أو اختلافات إلا أن رئيس الحكومة العثماني أكد تمسكه بالائتلاف وبالتقدم إلى الأمام من أجل الوفاء لانتظارات المواطنين والانكباب على معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية".
وأفاد الخلفي أن "مختلف أعضاء الحكومة من وزراء وكتاب دولة حضروا اجتماع مجلس الحكومة" الذي انعقد الخميس.
ويضم الائتلاف الحكومي أحزاب "العدالة والتنمية" (124 مقعدا من أصل 395)، و"التجمع الوطني" (37 مقعدا)، و"الحركة الشعبية" (27 مقعدا)، و"الاتحاد الاشتراكي" (20 مقعدا)، و"الاتحاد الدستوري" (19 مقعدا)، و"التقدم والاشتراكية" (12 مقعدا).
ويمثل حزب "التجمع الوطني للأحرار" الشريك الأقوى في الائتلاف بـ 7 وزراء من أصل 38 وزيرا.