رغم إعلان المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا عن بدء عملية تسجيل الناخبين، الأربعاء الماضي، والتي سبقتها لوحات إعلانية تحث الناخبين على تسجيل أنفسهم، غير أن ذلك يتم في ظل ضبابية المشهد السياسي الليبي، وعدم وجود جدول زمني لتنظيم الانتخابات.
حيث جرت العادة أن يتم فتح القوائم الانتخابية، لتسجيل الناخبين الجدد أو الذين غيروا مقر سكنهم، أو شطب المتوفين، وذلك بعد الإعلان عن تاريخ الانتخابات، إلا أن هذا لم يحدث في ليبيا، بالرغم من مفوضية الانتخابات أشارت إلى أن عملية التسجيل ستستمر لمدة 60 يوما، مع إمكانية تمديدها لاحقا.
فرغم أن أغلب الفاعلين الرئيسيين في ليبيا متوافقون بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2018، للخروج من نفق الفراغ الدستوري، وأزمة تعدد الشرعيات في البلاد، إلا أنه لحد الآن لم يحدث اتفاق حول آليات إجراء هذه الانتخابات.
وقبل الوصول إلى المرحلة النهائية لإجراء الانتخابات الرئاسية، يحتاج الفرقاء الليبيون إلى خريطة طريق تمر عبر المراحل التالية:
1- التوصل إلى اتفاق جديد، يتضمن تعديل الاتفاق السياسي الموقع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، بحيث يصادق عليه مجلس النواب في طبرق (شرق)، والمجلس الأعلى للدولة في العاصمة طرابلس (هيئة استشارية نيابية).
2- مصادقة مجلس النواب على حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج، أو حكومة مصغرة جديدة مقترحة تتولى الإشراف على تنظيم الانتخابات.
3- الاتفاق على جدول زمني (بين مجلسي النواب والدولة) لتحديد تواريخ الانتخابات.
4- عرض مسودة الدستور التي أشرفت على إعدادها مجموعة الستين (هيئة منتخبة مشكلة من 60 عضوا)، على الاستفتاء الشعبي لإقرار الدستور الجديد للبلاد الأول من نوعه منذ سقوط نظام معمر القذافي، في 2011.
5- تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية على ضوء الدستور الجديد.
** ترحيب بالانتخابات ولكن..
نظريا ليس هناك ما يمنع من تنظيم الانتخابات في ليبيا، حيث سبق أن اتفق كل من خليفة حفتر قائد القوات المدعومة من مجلس النواب في طبرق، وفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في العاصمة الفرنسية باريس على تنظيم الانتخابات في 2018.
كما أن مجلس النواب سبق وأن أعلن رغبته في تنظيم الانتخابات، أما رئيس مجلس الدولة عبد الرحمان السويحلي فاقترح تنيظم الانتخابات في غضون 6 أشهر في حال فشلت جلسات الحوار (بين وفدي مجلسي النواب والدولة).
وضباط القوات الليبية سواء الموالون لحفتر أو للسراج، اتفقوا في القاهرة قبل أسابيع، على أن يكون رئيس البلاد قائدا أعلى للجيش، ما يعني إخضاع الجيش لقيادة سياسية، وهو ما طالب به السراج، وكان محل خلاف جوهري مع حفتر.
فضلا على أن المبعوث الأممي الجديد غسان سلامة، أعلن في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إمكانية إجراء الانتخابات بليبيا في 2018.
وأشار سلامة، إلى أنه ناقش هذه المسألة أيضاً مع السراج وعقيلة صالح (رئيس مجلس النواب) والسويحلي، وأبلغ كل واحد منهم أن الانتخابات ستجري، "لكن يجب علينا أن نخلق الظروف".
ومن المؤشرات الإيجابية مصادقة مجلس النواب، في 21 نوفمبر المنصرم، على "صيغة موحّدة" لتعديل الاتفاق بين أطراف الأزمة بالبلاد، قدمها "سلامة".
كما أن إجراء الانتخابات في 2018، يحظى بدعم أمريكي وإيطالي وحتى مصري.
** مجلس الدولة: لا صيغة توافقية.. ونعم للانتخابات
غير أن المجلس الأعلى للدولة، الذي يترأسه السويحلي، نفى حصول توافق بينه وبين مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق)، على هذه الصيغة خلال مفاوضات تونس، التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يجعل إجراء انتخابات موحدة في 2018، مسألة محل تشكيك.
واقترح السويحلي، إجراء انتخابات في غضون 6 أشهر، في حال فشل الانتخابات.
كما أشار في تصريحات أخرى إلى أن تاريخ 17 ديسمبر 2017، يعني انتهاء عهدة حكومة الوفاق الوطني وليس انتهاء الاتفاق السياسي، وأن الإشراف على تنظيم الانتخابات من صلاحيات مجلسي النواب والدولة حصرا، (وليس من صلاحيات حكومة الوفاق).
لكن موقف السويحلي، لا يحظى بالإجماع داخل مجلس الدولة، فمؤخرا اصطدم مع كتلة حزب العدالة والبناء (إسلامي) وعدد من النواب الآخرين المؤيدين لمقترح غسان سلامة، متهمين إياه بالانفراد بالقرار داخل المجلس.
وترتكز خارطة سلامة، التي أعلن عنها في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، على 3 مراحل رئيسية، تشمل تعديل الاتفاق السياسي، وعقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام المستبعدين من جولات الحوار السابق، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.
وفي 28 نوفمبر المنصرم، أصر سلامة، خلال زيارته لمدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) على إجراء الانتخابات في 2018 "حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن السلطة التنفيذية"، في إشارة إلى الخلافات بشأن طبيعة الحكومة التي ستشرف على تنظيمها.
** صمت حفتر لا يعني موافقته على الانتخابات
رغم أن سلامة، أعلن أن حفتر، "يريد فعلاً الانتخابات في البلاد"، إلا أن الأخير لم يصدر عنه أو عن المتحدث باسم قواته أحمد المسماري، ما يؤكد دعمه "فعليا" لإجراء انتخابات قد تزيحه من المشهد السياسي في البلاد، وهو الطامح للتفرد بحكم ليبيا.
وهذا ما توحي إليه تصريحات رئيس فريق الاتصال الروسي المكلف بملف ليبيا في وزارة الخارجية الروسية ومجلس الدوما، "ليف دينغوف"، الذي قال إنه "من المستحيل الحديث عن موعد للانتخابات في ليبيا، ومن السابق لأوانه مناقشة المسألة قبل موافقة رسمية مسجلة من جميع الأطراف".
وطالب المسؤول الروسي، بضرورة وجود موافقة موثقة وليست شفوية فقط، وهو ما سيكون شرطًا لعملية الانتخابات.
فرفض حفتر، لإجراء الانتخابات في 2018، قد يجعل تنظيمها مستحيلا، خاصة وأن قواته تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد، وقرابة نصف الكتلة السكانية ليبيا، فضلا عن خضوع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لنفوذه.
حيث سبق وأن عطل حفتر، تنفيذ الاتفاق السياسي الموقع نهاية 2015، بالإيعاز إلى النواب الموالين له برفض اعتماد الاتفاق، وأيضا حكومة الوفاق، قبل تعديل المادة الثامنة من الاتفاق، التي تعطي المجلس الرئاسي صلاحية تعيين كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين.
ونظريا الجميع مع تنظيم الانتخابات، لكن تحفظات السويحلي، وصمت حفتر، والإصرار الروسي على ضرورة أن تكون هناك موافقة موثقة من جميع الأطراف، يوحي أن إجراء الانتخابات (الدستور، والبرلمانية والرئاسية) في 2018، مسألة موضوعة على المحك.