بعد أكثر من عشرين عاما بين تأجيل وتعثُّر، أُعيدت الروح إلى مشروع مدينة الثقافة في تونس، ليكون قطبا يساهم في إبراز الهوية الثقافية التونسية.
فأخيرا، تقرر تسليم الجزء الأول من المدينة الثقافية أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على أن تُفتتح بشكل رسمي في 20 مارس/آذار 2018، تزامنا مع ذكرى يوم الاستقلال التونسي.
بالعودة إلى تاريخ المشروع، بدأت فكرة إنشاء الصرح الثقافي التونسي مع بداية 1992، لكن أشغال التنفيذ كانت تتعثر باستمرار لأسباب مجهولة، إلى أن شهدت 2006 انطلاقة حقيقة لتنفيذه.
توقّعات الانتهاء وتسليم المشروع كانت تشير إلى أغسطس/آب 2008، لكنها تأجلت إلى 2009، وظلّت تتأجل إلى أن توقّفت بعد الثورة التونسية في 2011.
بعد 5 سنوات جرى استئناف العمل على إنشاء المدينة، لكن شركة المقاولات التشيكية المُنفّذة للمشروع اعتذرت عنه لدواع أمنية، فتسلّمته شركة مقاولات تونسية في أبريل/نيسان 2016.
**حلم 60 عاما
مدير عام إنجاز مدينة الثقافة، محمد الهادي الجويني، قدّر تكلفة المشروع بحوالي 150 مليون دينار تونسي (نحو 62 مليون دولار).
وأضاف الجويني، للأناضول، أن "إنشاء المدينة بمنزلة تحقيق حلم 60 سنة؛ فمنذ الاستقلال (1956) لم تبنِ تونس مسرحا كبيرا للأعمال الفنية العملاقة".
ولفت إلى أن تونس لديها مسرحان فقط؛ الأول "قرطاج الأثري" المبني في العهد الروماني، والثاني "المسرح البلدي" المُشيّد نهاية القرن 19 في عهد الاستعمار الفرنسي (1881-1956).
وأوضح الجويني أن "المشروع الضخم" يعدّ من أكبر المشاريع الوطنية، وسيهتم بالمبدعين التونسيين؛ داخل العاصمة وخارجها.
واستطرد قائلا، "يضم دار أوبرا تحوي ألفا و800 مقعد، ومسارح، وقاعات سينما، ومتحف حضاري، يستعرض حضارات تونس منذ 3 آلاف سنة، وبرج تجاري عملاق يمكن من خلاله مشاهدة تونس وضواحيها".
ولفت الجويني، إلى أن مركز تونس للاستثمار الثقافي سيتولى مهمة تطوير الصناعات الثقافية داخل المدينة، مؤكدا إنشاء دائرة من أجل التركيز على الصناعات ذات البعد الثقافي الترويجي.
وجرى تخصيص 7 استديوهات للفنانين والمبدعين التونسيين، لتحضير أعمالهم الفنية، وعرضها في قاعات المدينة الثقافية، بحسب مدير عام إنجاز المشروع.
وأشار الجويني، إلى أن المشروع سيشمل المجالات التجارية والاقتصادية والتنموية والسياحية، وستتولى سلطة الإشراف (والي المنطقة) دعم المدينة ماديا حتى تصل مرحلة التمويل الذاتي.
**استبشار وتخوّف
منذ الإعلان عن موعد افتتاح المدينة، استبشرت الساحة الثقافية بما وصفوه مكسبا ثقافيا، إلا أنّ هناك بعض التخوّفات من قبل فنانين تونسيين بشأن آلية عمل المشروع الثقافي.
وفي هذا الإطار، يقول الفنان المسرحي التونسي عبد العزيز المحرزي، "هناك جهود كبيرة لإنجاح المشروع، إلا أنه لا بد من النظر في طريقة عمل المدينة، واستثمارها الجيد لتحقق النفع".
وأعرب المحرزي، خلال حديثه للأناضول، عن خشيته من استغلال المدينة للمناسبات الخاصة من أجل العائد المادي، مثل مسرح قرطاج الأثري أو المسرح البلدي.
وأكد ضرورة المحافظة على القيمة الإبداعية للثقافة في تونس، وإعطاء المدينة قدسيتها.
أما الفنان والملحن التونسي، عدنان الشواشي، فيقول إن المدينة الثقافية "ستشكل إضافة إيجابية للفن التونسي، شرط أن تكون الإدارة على مستوى من المسؤولية يتناسب مع المشروع".
ودعا الشواشي، في لقائه مع الأناضول، الفنانين التونسيين إلى الاجتهاد وتقديم أعمال جديدة تشمل كل الميادين الفنية، "حتى لا تصبح المدينة جامدة ولا تقدم شيئا جديدا".
والمدينة المزمع إقامتها تمتد على مساحة 9 هكتار، منها 7,08 مغطاة، وتضم 5 طوابق، وبرجا ثقافيا ارتفاعه 60 مترا، وتتميز بالطابع المعماري العربي الإسلامي من حيث الأقواس والأعمدة والزخرفة والنقوش.