يشهد الملف السوري في الفترة المقبلة، حراكا دبلوماسيا مكثفا في الرياض وسوتشي، بعد أقل من عام على اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الموقع في أنقرة يوم 30 ديسمبر / كانون الثاني 2016، وانطلاق مسار أستانة المتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار.
فبعد الجولة السابعة من أستانة نهاية أكتوبر / تشرين الأول الماضي، تستضيف مدينة سوتشي الروسية غدا الأربعاء، قمة تركية روسية إيرانية حول سوريا.
كما تستضيف العاصمة السعودية الرياض مؤتمرا موسعا للمعارضة السورية بين يومي الأربعاء والجمعة المقبلين، قبيل انعقاد جولة ثامنة من محادثات جنيف في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، بشأن الحل السياسي.
ومع انخفاض مستوى الاشتباكات نسبيا، واستمرار وقف إطلاق النار رغم خروقات النظام، تلتقي الأطراف الفاعلة في اجتماعات ومؤتمرات متتالية، علها تجد حلا للأزمة المستمرة منذ قرابة سبع سنوات، على أن تعقد جولة جديدة في أستانة منتصف ديسمبر / كانون الثاني المقبل.
** قمة سوتشي للضامنين
المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، قال الخميس الماضي، إن القمة الثلاثية في مدينة سوتشي ستناقش الفعاليات التي ستجري في مناطق خفض التوتر المتفق عليها خلال محادثات أستانة.
وأوضح قالن في بيان، أن القمة التي تجمع الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة، سيحضرها كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني.
وأعلن أردوغان الجمعة الماضية، أن السبب الرئيس لقمة سوتشي هي مسألة (محافظة) إدلب (شمال غربي سوريا)، والرغبة في أن يكون وقف إطلاق النار دائما في عملية "منطقة خفض التوتر".
وجاء إعلان القمة مفاجئا، حيث كان أردوغان قد زار سوتشي قبل أكثر من أسبوع وعقد قمة مع نظيره الروسي، كما أن القمة الثلاثية تتزامن مع اجتماع موسع للمعارضة السورية في الرياض.
وسبق القمة الثلاثية اجتماع تمهيدي في مدينة أنطاليا غربي تركيا، جمع وزراء خارجية الدول الثلاث، مولود جاويش أوغلو، ونظيريه الروسي سيرغي لافروف، والإيراني جواد ظريف.
وكان جاويش أوغلو أعلن في وقت سابق، أن تركيا لا يمكنها إطلاقا قبول مشاركة تنظيم "ب ي د" الإرهابي في مؤتمر الحوار السوري بمدينة سوتشي (لم يحدد تاريخه بعد تأجيله باعتراض تركي)، وفق ما كانت قد أعلنت روسيا سابقا.
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على أنه في حال النجاح في تخفيف حدة الحرب، يتم الانتقال إلى استئناف المحادثات السياسية في مدينة جنيف السويسرية، وهو ما توافقت عليه الأطراف الفاعلة.
** مؤتمر الرياض للمعارضة
ويأتي مؤتمر الرياض استجابة للرغبة في تشكيل وفد موحد للمعارضة، تمهيدا للجلوس أمام وفد النظام، للتفاوض من أجل الحل السياسي بوساطة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
وقال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية رياض سيف، إن مؤتمر الرياض سيعزز موقف المعارضة في مفاوضات جنيف المقبلة.
واعتبر سيف في مقابلة مع الأناضول الأسبوع الماضي، أن مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد محسوم بالنسبة إلى المعارضة برحيله.
وورث بشار الأسد السلطة في يوليو / تموز 2000، إثر وفاة والده الرئيس حافظ الأسد (1971 ـ 2000).
ويشارك في مؤتمر الرياض الائتلاف الوطني المعارض، وشخصيات مستقلة، ومنصتا القاهرة وموسكو، المصنفتان معارضة وفق دول عديدة، بهدف تشكيل وفد موحد للمعارضة، بعد أن تذرع النظام بعدم وجود مثل هذا الوفد.
وحاولت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية في السابق، التفاوض مع المنصتين لتشكيل وفد موحد، لكن روسيا الداعمة للنظام، تجد في ذلك فرصة لإضعاف المعارضة الحقيقية للنظام، وفق معارضين سوريين.
** مؤتمر جنيف للحل السياسي
وبعد أيام قليلة من مؤتمر الرياض، من المقرر عقد جولة ثامنة من مفاوضات جنيف يوم 28 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري، بحسب المبعوث الأممي.
وتسعى الأمم المتحدة إلى تحقيق تقدم في محادثات "جنيف 8"، على أمل إيجاد حل للأزمة السورية بالتركيز على بحث المسائل الدستورية والقانونية الخاصة بالعملية السياسية، ومسألة الإرهاب، بحسب مصادر أممية.
ورغم أن جدول الأعمال ربما ينحصر في هاتين النقطتين، إلا أن استمرار قصف قوات النظام للغوطة الشرقية في ريف دمشق (جنوب) وحصارها، ومنع وصول المساعدات إليها، ربما يلقي بظلاله على المحادثات.
وشهد العام الحالي أربع جولات من المحادثات في جنيف، وجرى الاتفاق في أولاها (جنيف 4)، فبراير / شباط الماضي على أربع سلال لمناقشتها كجدول أعمال للمحادثات، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
ولم تحقق الجولتان التاليتان خلال مارس / آذار، وأبريل / نيسان الماضيين، تقدما في هذه السلال، وبقي الحديث عن الإطار العام.
ولم تثمر الجولتان الأخيرتان في مايو / أيار، ويوليو / تموز الماضيين سوى عن اجتماعات تقنية لمناقشة المسائل الخاصة بالدستور.
وعقدت محادثات جنيف الأولى في 30 يونيو / حزيران 2012، و"جنيف 2" في 22 يناير / كانون الثاني 2014، وانتهت الجولتان دون نتيجة، فيما عقدت "جنيف 3" في 29 يناير / كانون الثاني 2016، وتوقفت المحادثات مع حصار النظام لمدينة حلب (شمال).
** مسار جنيف
وبدأ التأسيس لمسار جنيف في يونيو / حزيران 2012، باجتماع أولي شاركت فيه الدول المعنية بالأزمة السورية.
وصدر عن هذا الاجتماع بيان دعا إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات، على أن يعقب ذلك تأسيس هيئة حكم انتقالي من أسماء مقبولة من النظام والمعارضة، تكون كاملة الصلاحيات، بمعنى أن لا يكون للأسد أي دور في السلطة.
وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في ديسمبر / كانون الأول 2015، على أن يتم تأسيس هيئة حكم انتقالي بعد محادثات بين النظام والمعارضة خلال ستة أشهر، تقوم بكتابة دستور جديد في 12 شهرا، ثم إجراء انتخابات.
ولم تحقق جميع جولات جنيف تقدما في السلال الأربع.
وفي ظل تباين مواقف الدول الداعمة للنظام، والولايات المتحدة الأمريكية التي تطلق تصريحات متضاربة، يرتكز موقف تركيا على احترام القرار 2254، والتشديد على أن "حكومة الوحدة الوطنية" التي يروج لها النظام وحلفاؤه، لن تستطيع أن تحل مكان "هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات".
وتصر المعارضة السورية على التطبيق الكامل للقرار الدولي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.