انطلق سباق تعديل الدستور في مصر، قبل أيام، مستهدفا بشكل رئيسي تغيير شكل نظام الحكم، بما يدعم بقاء الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، في الرئاسة بعد عام 2022، وتعميق دور مؤسسات الدولة، لاسيما الجيش.
هذا التعديل يراه مفكر سياسي، تحدثت إليه الأناضول، "تعبيرا عن شعور بالتهديد، وهندسة وهيكلة جديدة لشكل النظام، لن تثمر عن توافق حقيقي"، ويعتبر خبير سياسي أنه "تثبيت للنظام".
بينما يرى خبير سياسي ثانٍ أن التعديل جاء بشكل طبيعي، تماشيا مع وجود عوار في مواد دستور وضع قبل خمس سنوات، ولذا استلزم تعديله، مع الشعور بحالة استقرار ودعم خارجي قوي، وضعف المعارضة.
وأعلن مجلس النواب، الثلاثاء، أن أغلبية الأعضاء (لم يحدد عددهم) وافقت على مناقشة مقترحات تعديل الدستور.
وتقدم بتلك المقترحات، قبل أيام، ائتلاف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية (317 نائبا من أصل 596).
ومن أبرز التعديلات المقترحة والمتداولة في وسائل إعلام وبيانات برلمانية: مد فترة الرئاسة إلى ست سنوات بدلا من أربع، ورفع الحظر عن الترشح لولايات رئاسية جديدة.
وتشمل أيضا تعيين أكثر من نائب للرئيس، وإضافة عبارة "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد" إلى مهام الجيش في الدستور.
ويأتي التعديل المقترح في آخر عام للبرلمان، قبل الدعوة إلى انتخابات نيابية، وهو الأول منذ تفعيل دستور 2014، والخامس في تاريخ مصر، حيث سبق وأن أُجريت تعديلات في أعوام 1980، 2005، 2007 و2014، شملت ولاية الرئيس، وجعل انتخابه بالاقتراع السري المباشر، واستحداث مواد متعلقة بصلاحياته.
وتثير مقترحات التعديل حملات إلكترونية بين الرفض والتأييد، مع ظهور لافت لنائب الرئيس المصري السابق، محمد البرادعي، المقيم خارج مصر، عبر "تويتر"، داعيا إلى توحيد المعارضة، وبحث المشاركة أو مقاطعة الاستفتاء الشعبي، الذي يتلو موافقة النواب على المقترحات.
ولم تعلق الرئاسة المصرية على تلك المقترحات، لكن السيسي قال، لشبكة "CNBC" التلفزيونية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، إنه لا ينوي تعديل الدستور، وسيرفض مدة رئاسية ثالثة.
** شعور بالتهديد وهندسة بلا توافق
يرى المفكر المصري، كمال حبيب، أن "توجه النظام إلى تعديلات دستورية ليس تعبيرا عن الاستقرار، ولكن شعورا بالتهديد".
ويضيف حبيب للأناضول أن "تاريخ مصر مع التعديلات يفيد بأن البلاد تدخل بعدها في نفق من عدم الاستقرار، حتى لو تم تمرير التعديلات، كما هو متوقع".
ويتابع أن "مصر إزاء هندسة وهيكلة جديدة للنظام، انتقلت منذ مجيئه في 2013، من مركزية السلطات إلى ما هو أكبر، ولن يصنع الشكل الجديد للنظام توافقات حقيقية، حتى ولو كان هناك رضا معلن بين الأطراف".
وزاد بأن "الرئيسين الراحل أنور السادات (1970: 1981)، والأسبق حسني مبارك (1981: 2011) قاما بتعديلات للتمديد والتوريث (للسلطة)، وفي النهاية لم يستفد أي منهما بها، الأول لاغتياله، والثاني للإطاحة به عبر ثورة شعبية في 2011".
ويرجع حبيب "ضعف المعارضة والرأي العام" إلى "أسباب رئيسية صنعها النظام الحالي، عقب تضييق المجال العام.. التعديلات ستمر في ظل مرحلة هادئة، ربما تشهد عاصفة في المستقبل، على نحو ما رأينا في تاريخ مصر سابقا".
** أنسب فترة
التعديلات المقترحة لمد فترة الرئاسة وعدم تقييد عدد الولايات وتعميق دور الجيش، يرى سعيد صادق، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أنها تشكل مرحلة عنوانها الرئيسي هو "تثبت النظام".
ويضيف صادق للأناضول أن "الفترة من عام 2014 إلى 2018 كانت مرحلة انتقالية، وما يجري حاليا من تعديل للدستور هو مرحلة تثبيت النظام".
وحكم السيسي ولايته الرئاسية الأولى بين 2014 و2018، وتستمر الحالية بين 2018 و2022، وهي الثانية والأخيرة، بحسب الدستور الحالي.
ويعرب عن استغرابه من الحديث عن زيادة دور الجيش في الدستور، قائلا إن "الجيش متواجد بالفعل بقوة منذ سنوات، بفضل الممارسة الفعلية، وما يتم الآن هو فقط ذكره في الدستور".
ويعتبر أن "الفترة الحالية هي الأنسب لتثبيت النظام لأركانه في ظل معارضة مفككة وضعيفة، ووجود دعم خارجي قوي عبر علاقات متماسكة مع أمريكا".
** ثلاثية منتظرة
تمرير تعديلات الدستور سيتبعه، وفق خبراء، انتقادات خارجية، ومحاولات من المعارضة للتوحد، في مقابل فرص أمام النظام لترسيخ نفسه أكثر بطرح حوار سياسي.
يقول صادق إن "النظام الذي بدأ في تعميق علاقاته مع الغرب لن يسلم من الانتقادات والملاحظات الغربية خلال فترة التعديلات، لكنها لن تغير من الواقع على الأرض".
"الدول تنظر إلى مصالحها، ومصر ليست الدولة الأولى في المنطقة التي تجري تعديلات دستورية، كما أن مواد الدستور بها كثير من العوار والتعديل أمر مطلوب"، بحسب الأكاديمي المصري، طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية.
وعن معارضة الداخل، يرى فهمي أن "المعترضين هم مجموعات نخبوية تأثيرهم محدود".
وهو رأي يتفق معه صادق، إذ يرى أن "توحد المعارضة سيكون بلا أنياب".
ويعلق على ما يردده البرادعي ومعارضون آخرون بشأن إمكانية التغيير قائلا: "ستكون (تلك الإمكانية) أوضح للتقييم وقت الاستفتاء على التعديلات المقترحة".
ويرى أن "نجاح أي فريق سيتحدد في ضوء قدرته على التعبئة والحشد يوم الاستفتاء.. والأقرب حتى الآن أن الرافضين لن يستطيعوا إحداث تغيير، في ظل عدم وجود برنامج ولا قيادة بديلة".
النظام، بحسب فهمي، "أمامه فرصة للحل وترسيخ وجوده، إذ يمكن امتصاص أي انتقادات خارجية عبر إحداث توافقات سياسية ومجتمعية، وأن تحضر السياسة في البلد مرة أخرى، وتغيير الخطاب السياسي لمجلس النواب".
ويرى ضرورة في مثل هذه الظروف لـ"المواءمة السياسية، عبر حوار سياسي بعد إجراء التعديلات داخل مجلس النواب وخارجه".
ويشدد على "أهمية بناء أفق سياسي جديد للدولة المصرية، بعد تمرير التعديلات، منعا لاستمرار حالة الانقسام الموجودة".
** الاستفتاء قبل رمضان
يتوقع كاتب مقرب من السيسي إقرار التعديلات الدستورية المقترحة، قبيل شهر رمضان.
جاء ذلك في مقال لياسر رزق، نُشر في الموقع الإلكتروني لصحيفة "أخبار اليوم" (مملوكة للدولة) التي يرأس مجلس إدارتها، الإثنين الماضي.
رزق قال إنه "من المتوقع حالة موافقة البرلمان بأغلبية الثلثين على المواد المطلوب تعديلها أن يجرى الاستفتاء في نهاية أبريل (نيسان) أو مطلع مايو (أيار) على أقصى تقدير، ذلك أن أول أيام شهر رمضان المبارك سيحل 6 مايو".
وقال مقدمو طلب تعديل الدستور، في مذكرة إيضاحية، إن هذا التعديل "كان أحد المطالب الأساسية لثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، التي أنقذت البلاد من أزمة سياسية ودستورية غير مسبوقة".
وفي ذلك اليوم اندلعت احتجاجات مناهضة لحكم محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، مقابل مظاهرات شعبية مؤيدة له، وانتهى الأمر، في 3 يوليو/ تموز من ذلك العام، بالإطاحة بمرسي، بعد عام واحد في الحكم، حين كان السيسي وزيرا للدفاع.