زخم وجدل كبيرين، رافقا عدة تصريحات للحكومة التونسية خلال العامين الجاري والماضي، بشأن تفويت (خصخصة) مؤسسات عمومية أو تشترك فيها بحصص معينة.
وطالما كانت مؤسسات مجتمع مدني ونقابات ترفض إقدام الحكومة التونسية على خصخصة مؤسسات، لأسباب مرتبطة بهيكلة الاقتصاد وتحول قيادة خدمات رئيسة للقطاع الخاص.
كان للأناضول، لقاء خاص هذا الأسبوع مع توفيق الراجحي، وهو الوزير المكلف لدى رئيس الحكومة التونسية بالإصلاحات الكبرى، كشف خلالها أن الدولة تخطط للتفويت (الخصخصة) في 15 مؤسسة ومنشأة.
يقول الراجحي، إن الخصخصة "ستكون لمؤسسات عمومية غير استراتيجية وفي قطاعات تنافسية في غضون السنوات الثلاث القادمة 2018/2020.. وجدل متواصل بشأن مصير ثلاثة بنوك عمومية".
** موقف واضح
وقال الراجحي في مقابلة مع الأناضول، "إن قائمة هذه المؤسسات الـ 15 لم يقع تحديدها بعد، وأنه يجري تدقيق معمق لها".
وأكد أن موقف حكومة بلاده واضح، "لا نية للحكومة خصخصة كبرى الشركات العمومية التي تنشط في القطاعات الاستراتيجية، على غرار المياه والكهرباء والغاز".
وفي تونس 104 مؤسسات ومنشآت عمومية تنشط في قرابة 21 قطاعا اقتصاديا، أغلبها متواجد في ميادين الطاقة والصناعة والصحة والخدمات.
ويحتدم الجدل في تونس منذ العام الماضي، حول وضعية المؤسسات العمومية التي ما انفكت تسجل خسائر مالية بعد أن كانت تحقق أرباحا، وتساهم في تمويل موازنة الدولة.
** خصخصة الضعيفة
ويبرز المسؤول الحكومي، أن منشات عمومية تشكو صعوبات مالية مصدرها تضخم فاتورة الأجور منذ الثورة في 2011، التي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة فضلا عن تراجع النشاط الاقتصادي للبلاد.
وقدر "الراجحي" الخسائر المالية للمؤسسات الحكومية، نظرا لتعطل النمو والنشاط الاقتصادي، بنحو 5 مليار دينار (مليارا دولار).
وزاد: "تم إرساء استراتيجية لإصلاح وضعية المؤسسات العمومية بطريقة تشاركية، مع الأطراف الاجتماعية (منظمة الأعراف واتحاد الشغل) والأحزاب السياسية واللجوء إلى مكتب خبرة دولي".
"وصلنا إلى إرساء إستراتيجية لإصلاح المؤسسات العمومية على ثلاث سنوات (2018/2020)، لكن الهيكلة المالية للمؤسسات تستوجب أكثر من ثلاث سنوات.. مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الاستراتيجي للمؤسسات، إذ لا يمكن التفريط بمؤسسات مثل شركة الكهرباء وشركة توزيع المياه".
وسبق للاتحاد العام التونسي للشغل، وعبر تصريحات أبرز قياداته وبياناته المتكررة، أن نبه الحكومة بأن التفويت في المؤسسات العمومية يعد خطاً أحمر لا يجب تخطيه.
يقول الراجحي: "هدفنا النهائي هو الحفاظ على مصالح الدولة ومصالح المؤسسة والعاملين، والإبقاء على وضعية مالية جيدة للمؤسسة".
ويتابع: "من غير الممكن ان البقاء مكتوفي الايدي ومشاهدة مؤسسات عمومية تتكبد خسائر مالية سنويا وتنهار".
** بنوك عمومية
في سياق متصل بأزمة المؤسسات العمومية التونسية، كشف الراجحي أن مصير البنوك العمومية الثلاثة التي تمتلك الدولة نسبة هامة من رأس مالها، سيتم الحسم في مصيرها خلال العام القادم.
"العام القادم سيتحدد، إما التفويت فيها (البنوك العمومية) نهائيا، أو دمج بعضها أو المواصلة على الوضع الراهن.. هذا قرار سياسي مبني على موقف اقتصادي لاتخاذ أفضل الحلول للبنوك العمومية".
وشرعت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2013، في إعداد برنامج إصلاحي للبنوك العمومية الثلاثة (بنك الإسكان، والبنك الوطني الفلاحي، والشركة التونسية للبنك).
غير أن الإشكال الحاصل للبنوك العمومية، هي كثرة ديونها المتعثرة والمشكوك في استرجاعها، خاصة المتأتية من القطاع السياحي المقدرة بنحو 7 مليارات دينار (ثلاثة مليارات دولار) والتي وجب معالجتها؛ يقول الوزير.
وتناقش الحكومة حاليا، النظر في عدة حلول ومسالك، إما المواصلة على نفس الوضع الحالي، أو الدمج بين البنوك الثلاثة أو اثنين، وإما التفويت الجزئي أو التخصيص والتفويت الكلي، "القرار الأخير سيكون في 2018 يؤكد توفيق الراجحي".
ويرى مختصون أن امتلاك الدولة لمساهمات في رأس مال عدد من البنوك، لم يعد مجديا من الناحية الاقتصادية، ويرون أنه من الأفضل تحويل عائات الخصخصة المالية إلى خزينة الدولة وتقليص حجم الاقتراض الخارجي.
الراجحي أكد في هذا السياق، أنه تمّ على مستوى حكومي اتخاذ قرار منذ مطلع العام الحالي بالتفويت في المساهمات غير الاستراتيجية للدولة في البنوك.
"واجهنا بعض الإشكالات والعراقيل، تتلخص في أن الشراكة تكون عادة سياسية (امتلاك لتونس بمعية دولة شقيقة أخرى لمساهمات في رأس مال بعض البنوك التجارية).
يشار إلى أن الحكومة التونسية وجهاز أبو ظبي للاستثمار السيادي (حكومي)، أعلنا الأسبوع الماضي، عزمهما بيع حصتهما في رأس مال بنك تونس والإمارات عن طريق طلب عرض دولي.
وبين البنك في بيان صحفي له أن البيع المزمع يتعلق بحصة إجمالية تبلغ 77.8 بالمائة من رأس المال، مقسمة بالتساوي بين الجانبين.