ثوابت السياسة العمانية..هل تفلح في احتواء أزمة الخليج؟

ثوابت السياسة العمانية..هل تفلح في احتواء أزمة الخليج؟
13.11.2017 10:20

eposta yazdır zoom+ zoom-
بُنيت السياسات الخارجية لسلطنة عُمان على جملة من الثوابت التي لا تحيد عنها في مواقفها من الأزمات والصراعات، وبمعزل عن الأطراف المعنية بها، خليجية كانت أو عربية او غيرها، معتمدة في ذلك على رؤية خاصة بمصالحها الجيوستراتيجية طويلة الأجل، تستنداساسا على مبدأ النأي عن الصراعات السياسة والطائفية والعرقية.
 
وفي هذا السياق، تتبني مسقط موقفا محايدا من قضايا عدة ما يسمح لها أحيانا بلعب دور الوسيط للتخفيف من حدة الأزمات والصراعات خاصة مع اتجاه المنطقة نحو تجاذبات إقليمية وتشكيل محاور استقطاب سياسي منها ما هو في سياق "التنافس" على الدور المحوري في المنطقة أو تقويض النفوذ الإيراني من وجهة نظر المحور السعودي.
 
لكن سلطنة عُمان ظلت تحتفظ بعلاقات "متوازنة" مع كلا المحورين إلى الحد الذي لم تتخذ السلطنة أي إجراء خلافا لشقيقاتها الخمس في الخليج إثر "الاعتداءات" على السفارة السعودية في إيران، على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر أوائل العام 2016 ما دفع الدول الخليجية إلى قطع علاقاتها مع إيران أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي معها.
 
وتنظر عُمان إلى إيران على أنها جار قوي لا يمكن تجاهل وجوده الجغرافي وأهميته لأمن واستقرار الخليج والسلطنة، إضافة إلى عاملي السياسة والاقتصاد؛ لكنها في الوقت ذاته تخشى بشكل واضح من أي مسعى إيراني لتصدير مفاهيم "الثورة الإسلامية" إلى مجتمعها "المتعايش" بشكل آمن رغم تعدديته العرقية والطائفية، وفي ذات الوقت أيضا لا تسمح بوصول تأثير "الأصولية" الإسلامية من السعودية إلى مجتمعها من خلال نشر ما يعرف بالفكر "السلفي" الذي يُعد على النقيض تماما من مفاهيم "الثورة الإسلامية" الإيرانية.
 
سياسة الحياد أو "الصمت الحذر" التي تنتهجها عُمان، ومحاولة الوقوف على مسافة واحدة مع الجميع لا تروق كثيرا لدول مثل السعودية التي ترى أن عُمان جزء من منظومة خليجية تفرض عليها تبني مواقف وسياسات إلى جانب مجلس التعاون الذي تشهد علاقاته مع إيران توترات منذ سيطرة حركة أنصار الله (الحوثي) على العاصمة اليمنية في خريف 2014.
 
ومنذ ذلك التاريخ سارعت سلطنة عُمان بما عرف عنها من "دبلوماسية هادئة" إلى تبني موقف محايد مما يجري إلى جوارها في اليمن فامتنعت عن الانضمام إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية للقضاء على التهديدات التي تشكلها حركة أنصار الله (الحوثي) على حدودها الجنوبية؛ ورأت السعودية أن الموقف العُماني يساعد على تمكين نفوذ إيران عبر ذراعها الفاعل في اليمن.
 
لكن من منظور عماني، لا يمكن لمسقط أن تلعب دور الوسيط في الأزمة اليمنية إذا ما صارت جزءا من التحالف العربي؛ وإشار إلى ذلك صراحة وزير الخارجية العماني حين صرح في 2015 "أن عُمان بلد سلام، ولا يمكننا القيام بجهود للسلام في الوقت الذي نكون فيه جزءا من حملة عسكرية.
 
وفعليا، لعبت سلطنة عُمان دور الوسيط في الحرب الأهلية اليمنية حين استضافت في مارس/آذار 2016 في عاصمتها مفاوضات بين ممثلين عن "أنصار الله" والحكومة السعودية وفق ما نشرته "وسائل إعلام" استنادا إلى مضمون رسالة موجهة من مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، أوضح فيها أن السعودية دخلت في مفاوضات سرية مباشرة مع الحوثيين بهدف التوصل إلى اتفاق لإيقاف الحرب؛ لكنها لم تثمر.
 
ومع بداية "الأزمة الخليجية" في الخامس من يونيو/حزيران 2017 وقطع كل من السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، حافظت الكويت وعُمان على موقف محايد، يؤهلهما للعب دور الوسيط على أمل التوصل إلى حل سياسي للخروج منها عبر آلية حوار طالبت به قطر دون شروط مسبقة وضعتها دول المقاطعة ضمن ثلاثة عشر بندا ورفضتها قطر بشكل رسمي.
 
وإذا كانت دولة الكويت تحملت القسط الأكبر من جهود الوساطة فإن سلطنة عُمان اكتفت بدعوة جميع الأطراف إلى التفاوض والحوار للتوصل إلى تسوية تتويجا للجهود المتواصلة التي يبذلها أمير دولة الكويت.
 
وتشكل أزمة الخامس من يونيو/حزيران والجمود الحالي معضلة جيوسياسية لسلطنة عُمان التي بدت تتخوف من احتمالات تفكك مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي تجد في الحفاظ عليه مصلحة عليا كضمان لتحالفاتها ومصالحها مع الشقيقات الخمس.
 
الموقف العُماني من الحرب الأهلية في اليمن أعطى صورة واضحة تدلل على رؤية استراتيجية بعيدة الأجل للسياسة الخارجية العُمانية تؤهلها للتوسط في أزمة قطر بشكل متكامل مع الجهود التي تبذلها لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن ضمن حزمة متكاملة من الجهد السياسي والدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية، الطرف الفاعل في الأزمتين اليمنية والقطرية والذي يمتلك معظم أوراقها. لكن عمليا فإن فرص النجاح قد لا تبدو مؤاتية مع طول أمد الأزمتين ودخول عوامل إقليمية ودولية على الخط ما يجعلهما أكثر تعقيدا.
 
ومن غير المستبعد رغم ذلك أن تلعب سلطنة عُمان دور الوسيط "الرسمي" بالأزمة الخليجية مستقبلا إذا استمر الجمود الحالي ولم يتم إحراز أي "تقدم" ما قد تتولد عنه قناعات كويتية بأن جهود أميرها قد وصلت إلى "طريق مسدود"، وأن عليها أن تتخلى عن دورها لطرف آخر أو تشركه معها.
 
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد طلب في يوليو/تموز الماضي خلال اتصال هاتفي مع السلطان قابوس استغلال الموقف الفريد المحايد لسلطنة عُمان من الأزمة الخليجية في أن تلعب دورا أكبر في التوسط بين دول المقاطعة الأربع ودولة قطر بالتنسيق مع دولة الكويت في أخطر أزمة سياسية تهدد منطقة الخليج ووجود مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بحسب وسائل إعلام أمريكية.
 
تدرك سلطنة عُمان أن الأزمة الخليجية تحمل بين جنباتها احتمالات تصاعد التوتر بين أعضاء مجلس التعاون ودول عربية وإقليمية أخرى قد يؤدي إلى خلق بيئة غير مستقرة في الخليج العربي والمنطقة، وأن استمرار الأزمة والجمود الذي يحيط بها سيزيد من احتمالات الإخفاق في التوصل إلى حلول وسط بين طرفيها؛ كما يمكن أن تؤدي إلى تفكيك بنية المجلس وتقويض عرى التماسك بين أعضائه، وهو ما قد يدفع في النهاية بكل من دولة الكويت وسلطنة عُمان إلى سياسات أكثر استقلالية يمكن أن تقودهما إلى تقارب أوسع مع المحور الآخر الذي تمثله إيران في نهاية المطاف.
 
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، يمكن القول أنها تتفهم موقف سلطنة عُمان وسياستها الخارجية مع تحفظات واضحة على موقف السلطنة "المحايد" من أزمات محددة، لكن خيار تخلي الرياض عن علاقاتها مع عُمان لا يعد الخيار الأمثل للمملكة، طالما أن سلطنة عُمان تشكل جزءا أصيلا في هيكل مجلس التعاون مع شبكة متداخلة من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والحاجة إلى الدور العُماني في قضايا المنطقة لصلاتها الإقليمية والدولية المُعتبرة.
 
سيكون من المهم إذن لسلطنة عُمان أن تلعب دورا في حل الأزمتين نظرا لتداعياتهما على السلطة في جوانب عدة؛ ليس فقط لما سبق بيانه ولكن لأن عُمان تتخوف أيضا من الدور المتزايد للإمارات العربية المتحدة في الأجزاء الجنوبية من اليمن والحديث الذي يدور عن "دعم" إماراتي للانفصاليين في الجنوب بما يتعارض مع مصالح السلطنة العليا وكل من الحكومة "الشرعية" اليمنية والسعودية.
 
كما تتخوف سلطنة عُمان من التطورات المحتملة من اتخاذ الإمارات لجزيرة سقطرى اليمنية قاعدة عسكرية لها، ومحاولات الهيمنة على إدارة ميناء عدن وتطويره لمنافسة سلطنة عُمان التي تقوم على بناء وتطوير ميناء جديد، وهذه لها اعتبارات اقتصادية بالغة الأهمية للاقتصاد العُماني في ضوء العجز الذي تعاني منه الميزانية العامة للسلطنة.
 
معطيات عدة متشابكة قد تدفع مسقط في نهاية المطاف إلى التخلي عن صمتها الحذر من أجل لعب دور الوسيط لمنع تفاقم الأوضاع بما يضر مصالحها، ولكن من دون التخلي عن ثوابت سياستها..
 

أخبالا المحلي

برامج الجوال

iPhone iPad Android Windows Phone
Milli Gazete ©  لا يمكن النقل أو النسخ من دون ذكر المصدرو جميع الحقوق محفوظة +90 212 697 1000 :رقم و فاكس