اتفق خبراء أتراك في الشؤون السياسية على أن إسرائيل ستسعى جاهدة إلى إجهاض كافة محاولات إضفاء الشرعية الدولية على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لا سيما بعد إصدارها مساء الإثنين وثيقة سياسية جديدة، تحمل لأول مرة مبادئ وسياسات أكثر اعتدلا، وأنها ستبذل قصارى جهدها من أجل حرمان حماس من أي دور سياسي في القضية الفلسطينية.
مدير قسم السياسات الخارجية في مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التركي (سيتا)، أوفوق أولوطاش، أكد في حديث للأناضول، أنّ إسرائيل تشعر بانزعاج كبير جراء الدور الجديد الذي تنوي حماس لعبه على الساحة الدبلوماسية الفلسطينية، مدللا على ذلك بوصف مسؤولون إسرائيليون الوثيقة بـ"المناورة السياسية".
وقال أولوطاش: "إسرائيل لا تشعر بالراحة تجاه تنامي مكانة وشرعية حركة حماس السياسية والدولية، واعتبارها لاعبا سياسيا جديدا على الساحة الفلسطينية، لاسيما وحماس تتمتع بتأييد وثقة قطاع كبير من الفلسطينين بالمقارنة بمنافستها السياسية حركة فتح".
وأشار أن إسرائيل لن تسمح بزيادة الشرعية الدولية لحماس، وستدافع دوليا عن عدم جدوى الوثيقة الجديدة، مضيفا: "وأظن أن الولايات المتحدة ستتبنى سياسة مشابهة لذلك".
ومساء أمس الإثنين، أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مؤتمر صحفي، عقده في العاصمة القطرية الدوحة، وثيقة سياسية جديدة للحركة، حملت عنوان "وثيقة المبادئ والسياسات العامة".
وضمت الوثيقة 42 بندًا، وجاءت تحت 12 محورًا، وهي "تعريف الحركة، وأرض فلسطين، وشعب فلسطين، والاسلام وفلسطين، والقدس، واللاجئون وحق العودة، والمشروع الصهيوني، والموقف من الاحتلال والتسوية السياسية، والمقاومة والتحرير، والنظام السياسي الفلسطيني، والأمة العربية والإسلامية، والجانب الإنساني والدولي".
وفي ذات السياق، قال البروفسور أحمد أويصال الأستاذ بقسم العلاقات الدولية في جامعة إسطنبول: "بهذه الوثيقة أرسلت حماس إلى العالم رسالة واضحة مفادها، إذا كنتم ترغبون في حل للقضية على أساس الدولتين، تعالوا وحِلوا، نحن لا نعترض على ذلك".
وأوضح أويصال أن حماس تسعى إلى الانفتاح دبلوماسيا على العالم،عن طريق قبول تأسيس دولة فلسطينية على حدود عام 1976، دون الاعتراف بإسرائيل.
وأضاف: "هذه مناورة دبلوماسية، لكنها في الحقيقة عملية تراعي الوضع الفعلي للقضية على الأرض".
وتابع بقوله: "لا أعتقد أن إسرائيل ستقبل بذلك، علينا أن نعترف أن هذا صراع، سواء على الصعيد الدبولماسي أو الميداني، وله عديد من الجوانب".
وأشار البروفسور التركي أن حماس نجحت بترجيحها اللعب على الجانب الدبلوماسي، في الدفاع عن عدالة قضيتها، وأحرجت إسرئيل وكشفت ظلمها أمام العالم، مؤكدا أن "الوثيقة ستشكل ضغطا كبيرا على تل أبيب؛ من أجل الاستجابة للمطالب الفلسطينية والانسحاب إلى ما قبل حدود 1967".
وعن الموقف الأمريكي، قال أويصال: "واشنطن تدعم حل القضية على أساس الدولتين، لكن ترامب يعلن بشكل منتظم عن تبني سياسة تضع مصالح إسرائيل في المقدمة، وهذه سياسة اعتدنا عليها منذ عقود".
وأضاف: "هل ستقف الخارجية الأمريكية في وجه هذه السياسة، وهل سيتراجع ترامب خطوة أو أكثر إلى الوراء، كما فعل في بعض الموضوعات، فبدلا من تأييد 100 بالمئة، هل من الممكن أن يكتفي بتأييد لا تتجاوز نسبته 80 بالمئة، هذا ما ستوضحهلنا الأيام".
ومن جانب آخر، قال أوغوز جليك كول، سفير أنقرة السابق في تل أبيب: "إسرائيل لا تعتبر وثيقة حماس، تغييرا سياسيا، بل هي متأكدة أنها مجرد لعبة سياسية أو تغيير تكتيكي تمارسه الحركة لاكتساب الشرعية".
وعن أهمية موعد إصدار الوثيقة، أوضح جليك كول الذي يعمل أيضا أستاذا في قسم العلاقات الدولية في جامعة إسطنول الثقافية، أن إعلان حماس الوثيقة قبل لقاء الرئيس محمود عباس بنظيره الأمريكي ترامب الأربعاء المقبل، سيعزز قوة عباس خلال لقاءاته في واشنطن".
وعلى الرغم من عدم صدور أي تعليقات من الإدارة الأمريكية عن الوثيقة بعد، لكن السفير التركي السابق أكد أن الموقف الأمريكي تجاه الوثيقة سيتسم بوضوح أكثر بعد لقاء عباس وترامب.
وحسب مراقبين، فإن "حماس" تهدف من وراء الوثيقة الجديدة إلى الحصول على القبول الإقليمي والدولي وإبعاد سمة "الإرهاب" عنها.
وعرفت الحركة نفسها في الوثيقة على أنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، ومرجعيّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها".
وحدّدت الحركة حدود فلسطين من نهر الأردن شرقًا إلى البحر المتوسط غربًا، ومن رأس الناقورة شمال فلسطين التاريخية، وحتى أم الرشراش (إيلات) جنوب فلسطين التاريخية.
وجدّدت تأكيدها على عدم "تنازلها عن أي جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال، وترفض أي بديل عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها".
ووافقت الحركة بشكل مرحلي، على إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، على حدود عام 1967.
غير أن إسرائيل استبقت إعلان مشعل، بإعلان رفضها للوثيقة، حيث قال مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في بيان تلقت الأناضول، نسخة منه، إن "حماس تحاول مخادعة العالم، وتضليله، ولكنها لن تفلح في ذلك".