تناقض غريب، سجله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتقطته وسائل الإعلام العالمية عندما اعرب رئيس الوزراء الايطالي باولو جنتليوني عن مدى "حيوية" الدور الأمريكية في إنهاء الصراع الليبي، ليتبعه الأول بالقول "لا ارى دوراً للولايات المتحدة في ليبيا".
ومنشأ هذا التناقض ظهر عندما صرحت أن مبعوثة واشنطن الدائمة إلى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، قد اعربت خلال اجتماع لمجلس الأمن حول الاضطرابات في ليبيا الأربعاء قبل الماضي عن رغبة بلادها في أن ترى "جميع الاطراف (في ليبيا) تتوحد، وان يكون هنالك حل سياسي موحد، حكومة موحدة، جيش موحد، لكي يستطيع الشعب الليبي التقدم"، وهو مايرى العديد من الخبراء أنه امر غير ممكن الحدوث ما لم تلعب الحكومة الأمريكية دوراً فيه".
وكشفت هيلي أن جميع اعضاء المجلس "متحمسون جداً بخصوص التضامن بالكامل في دعم السيد (مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن) كوبلر بالإضافة إلى حل سياسي بين جميع الأطراف، اعتقد أن مساعدة الشعب الليبي هو الشيء الوحيد الذي لانرى جميع هذه الاطراف المتصارعة ضد بعضها البعض تفعله".
من جانبه، اكد مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية في تصريح خص به الأناضول اليوم الأربعاء على "دعم (واشنطن) الكامل لمجلس الرئاسة (بي سي) لحكومة الوفاق الوطني وهي تواجه تهديد داعش وجماعات إرهابية أخرى ومواصلتها العمل الحيوي من اجل معالجة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية في ليبيا".
واشار المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مفوض بالتصريح لوسائل الإعلام "نؤكد التزامنا بالشراكة مع رئيس الوزراء فايز السراج وحكومة الوفاق الوطني (جي ان اي) وهم يواصلون التصدي لتهديد داعش ومنظمات متطرفة اخرى مدرجة في تصنيف الأمم المتحدة".
وتابع "لقد حارب الليبيين بشجاعة وبذلوا تضحيات كبيرة من اجل تحرير سرت وإرهاب داعش".
واضاف "نرحب بهزيمة داعش في سرت ونثني على جهود الليبيين في محاربة داعش في بنغازي واجزاء أخرى من البلاد ونؤكد على الأهمية الشديدة لتوحيد القوات المسلحة تحت إشراف مدني من اجل استمرار النجاح وهم ينضمون إلى جهود محاربة الإرهاب".
واعرب عن قلق الولايات المتحدة الشديد من "جهود بعض الأطراف غير المرتبطة بشركة النفط الوطنية للسيطرة على الموارد الطبيعية الليبية بما فيها البترول"، واصفاُ هذه الجهود بأنها "تؤكد الحاجة إلى تبقى جميع الأطراف ملتزمة بالمصالحة السياسية التي اسس لها الإتفاق السياسي الليبي".
ودعا الاطراف المتنازعة "إلى تقليل التوتر في حقول النفط بما يخدم مصلحة الليبيين كافة".
تناقض بين موقفي الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإيطالي، اشارت له شبكة السي ان ان الاخبارية الأمريكية، عندما ذكرت في تقريرها أن الرئيس الأمريكي لم يكن يضع سماعة الترجمة من الإيطالية إلى الإنجليزية على اذنه عندما القى بقنبلته هذه، في إشارة إلى انه قد لايكون سمع تعليق جنتليوني بخصوص الدور الذي يرى أن امريكا قادرة على لعبه في ليبيا، وبالتالي بدت إجابتيهما مختلفتين.
وتضيف الشبكة الأمريكية "تعليقات ترامب قد تكون مؤشراً على تحول كبير في السياسة الخارجية ألأمريكية عما كانت عليه زمن إدارة الرئيس (السابق) باراك أوباما والذي حاول أن يرعى حلاً دبلوماسياً للصراع بين الفصائل المتمردة المتحاربة".
واعتبرت أن تصريح الملياردير الأمريكي "جاء مفاجئاً لرئيس الوزراء الإيطالي".
أما شبكة فوكس نيوز الأمريكية فاعتبرت موقف ترامب ليس إلا وفاء منه بسياسة تركز على الشؤون الداخلية للبلاد "خلال الحملة الإنتخابية التي جرت العام الماضي، وعد الرئيس بتقليل التزامات امريكا في الخارج من اجل ان يتمكن من التركيز على السياسة الداخلية، لكنه بدا وكأنه يحيد عن هذا الاتجاه في وقت سابق من هذا الشهر عندما قام بالسماح بقصف قاعدة جوية في سوريا في رد على الهجوم الكيماوي للرئيس السوري بشار الأسد" ضد مدنيين في شمال سوريا.
وهذا يوافق رؤية الخبيرة في شؤون شمال افريقيا والمسؤولة عن مكتب ليبيا في وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ليديا سايزر، والتي قالت في لقاء لها مع صحيفة المونيتر الأمريكية في يناير/ كانون الثاني الماضي "لااستطيع أن ارى (الرئيس ترامب) يدافع عن سياسات تلزم دافعي الضرائب ببناء بلد لايمثل اولوية (للأمريكيين)، وكذلك حقيقة أن المساعدة في بناء ليبيا بطريقة تجعلها تتبنى تحولاً ديمقراطياً يتطلب الكثير من الوقت والموارد".
بينما يعتقد أحد اهم الخبراء الأمريكيين في القضية الليبية والمدير السابق لمكتب شمال افريقيا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما للفترة ما بين (2009-2013)، بين فيشمان أن على "الرئيس (ترامب) اتخاذ خطوة قوية نحو الأمام بخصوص الصراع الدائر (في ليبيا)، وعليه الاستماع عن كثب لحليف الولايات المتحدة (إيطاليا)، وأن يعلن بوضوح دعمه لحكومة الوحدة في ليبيا وعملية السلام التي تشرف عليها الأمم المتحدة".
وفي هذا الصدد، تساءل فيشمان في مقاله الموسوم "هل تستطيع إيطاليا أن تقنع ترامب بإصلاح ليبيا؟" والمنشور في مجلة فورين بوليسي الأمريكية 20 ابريل/ نيسان الماضي وخلص إلى أن أن "القادة الأجانب يضطلعون بدور مهم في تعليم الرئيس دونالد ترامب السياسة الخارجية. ومن الواضح أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الصيني شي جين بينغ والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد أثروا على مواقف ترامب من النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وسوريا وكوريا الشمالية وحلف "الناتو". وقد حذروه جميعهم من التحولات الجذرية في السياسة ومن الواضح أنه أصغى ملياً إليهم".
لذا فهواعتبر أن "زيارة رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني إلى واشنطن في العشرين من نيسان/أبريل (الماضي) فرصة أخرى لترامب للاستماع لنصيحة حليف حول قضية هامة لم يتناولها البيت الأبيض علناً بعد، وهي ليبيا".
ويوصي فيشمان، ترامب بضرورة "الإصغاء بعناية إلى تحليل جنتليوني الذي يرى أن دعم (خليفة) حفتر لوحده هو وصفة لتجدد الحرب الأهلية، فتصريحات حفتر المناهضة للإسلاميين في غرب ليبيا تجعل من دعمه لوحده، كنهج (تتبعه الولايات المتحدة) في ليبيا، سيكون ساماً على الصعيد السياسي".
اما كريم ميزران و إليسا ميلر خبيرا مركز الحريري للشرق الأوسط في "اتلانتيك كاونسل" فكتبا في مقال للمؤسسة البحثية تحت عنوان "ترامب بخصوص ليبيا: ثم ماذا؟"، يقولان بإن واشنطن "هي اللاعب الوحيد القادر على أن يقود جهداً شاملاً من اجل التوصل إلى اتفاق مجمع عليه من قبل جميع الأطراف الموجود على الأرض في ليبيا، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن الولايات المتحدة قادرة بشكل فريد على الضغط على الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في ليبيا لوقف دعمها للوكلاء على الأرض ودفع مختلف أطراف النزاع إلى الدخول في عملية مفاوضات اساسها حسن النوايا".
ويؤكد المقال على أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على توظيف العصا والجزرة على نحو فاعل، مع الراغبين في التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض والذين يريدون الدفاع عن المصالح الراسخة واللجوء إلى التوسع العسكري، على التوالي".
إلا أن ميزران وميلر يريان أن تصريح الرئيس الأمريكي بعدم وجود دور لبلاده في ليبيا "كان إشارة إلى نهج قوي في مكافحة الإرهاب اتخذته هذه الإدارة، بالاخص فيما بتعلق بهزيمة داعش".
ويوضحان أن الإدارة الحالية للبلاد تنظر إلى جهود توطيد الاستقرار في ليبيا من جهة واحد تتمثل في "عدم التزام الولايات المتحدة بلعب دور اساسي في الاستقرار، برغم المصالح التي يمكن للولايات المتحدة أن تتمتع بها، على المدى البعيد، جراء المزيد من الاستقرار في ليبيا، فانتشار الصراع إلى دول الجوار المتحالفة مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى اوروبا سيهدد بشكل عام الأمن الغربي وبالتالي لن يتم محو الايديولوجيات المتطرفة بتدمير داعش".
ويعتقد الكاتبان أن ترامب "على الأرجح" قد منح جنتليوني تطمينات بخصوص استمرار دعمه المجلس الرئاسي/ حكومة التوافق الوطني الليبية المدعومة من الأمم المتحدة بدلاً من تحول ولاءاته باتجاه حفتر، إلا أنهما لايريان في أن ترامب "سيستجيب لنداء السراج في التدخل، ولايرفع من وضع ليبيا كما كانت روما تأمل، إلا أنه ليس هنالك اي مؤشر على أن الولايات المتحدة ستغير اتجاه سياستها لصالح حفتر".
إلا أنهما يلمحان فسحة امل لمشاركة ترامب في استقرار ليبيا، يعربان عنها بالقول "بالرغم من أن كلمات ترامب قد يفسرها البعض على انها استبعاد لتدخل امريكي في ليبيا بشكل عام فيما عدا جهد محاربة داعش، إلا أنه قد يكون هنالك مجال لإيطاليا لحث الولايات المتحدة لتسليط بعض الضغط الدبلوماسي للضغط من اجل التوصل إلى الاتفاق، ومن اجل أن يحدث هذا، سيكون من الأهمية بمكان بالنسبة لاوروبا ان تبدو كجبهة موحدة فيما يتعلق بدعم المجلس الرئاسي/ حكومة التوافق الوطني وعملية الأمم المتحدة".
ودعيا إلى أن "يتواصل الإتحاد الأوروبي مع الدول العربية المتداخلة في ليبيا مثل مصر لوقف دعمها لوكيلها حفتر، فجهد ناجح في ذلك المجال قد يقنع الولايات المتحدة بالاستثمار في قيادة الجهد الدبلوماسي من اجل إيجاد حل للصراع في ليبيا".
ونقلت صحيفة الغارديان في تقرير نشرته الجمعة الماضية، عن دبلوماسيين ومحللين سياسيين لم تسمهم، قالت بأنهم مهتمين بالشأن الليبي، أن الرئيس الأمريكي "لم يكن واضحاً بشكل كلي" فيما إذا كان تصريحه يعني انتهاء "الدعم القوي للولايات المتحدة لحكومة طرابلس التي يقودها فايز السراج، أو إنه كان يشير ببساطة إلى أنه لايرى الولايات المتحدة تقوم بدور عسكري في البلاد".
فيما نقلت الصحيفة البريطانية المعروفة عن ماتيا توالدو، احد خبراء مركز "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" للأبحاث أن تصريح ترامب "سيترك روسيا ومصر والجزائر يعملون على إعداد تسوية في ليبيا".
وطبقا للصحيفة فإن توالدو أضاف "انت في وضع تتراجع فيه واشنطن عن دعم العملية السياسية (ليبيا)، والأمم المتحدة ضعيفة، فيما الفرنسيين والبريطانيين مشغولين بالانتخابات، وتم إزاحة الإيطاليين جانباً".
ويستطرد الخبير الأوروبي "فمن الذي بقي؟ مصر وروسيا والجزائر"، والذين لفت إلى أنهم "جميعاً يدعمون حفتر"، بحسب تقديره.
وتلفت الغارديان إلى أن مصادر دبلوماسية إيطالية قد اعربت عن قلقها من أن "التواجد الروسي في ليبيا سوف يقوى تأثير (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين على المنطقة".