توقع خبير مغربي في قضية إقليم الصحراء، أن تستأنف الرباط وجبهة "البوليساريو" المفاوضات المباشرة حول هذه القضية قبل أبريل/نيسان المقبل، إذا ما اعتمد المبعوث الأممي الجديد إلى الصحراء على "مسارات سرية" بعيدة عن التوترات والتأويلات.
جاء ذلك في مقابلة للأناضول مع عبد المجيد بلغزال، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (حكومي)، بمناسبة قيام هورست كوهلر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بأول زيارة له للمنطقة.
وقال بلغزال إنه "في حالة اعتماد الوسيط الأممي كوهلر على المسارات المغلقة السرية سيستطيع دفع الأطراف إلى العودة للمفاوضات المباشرة"، موضحا أن ذلك رهين بأن "يضمن لعمله الصمت والسرية، بعيدا عن التوترات والتأويلات".
وشدّد على أن "كوهلر في هذه الحالة سيتمكن من دفع المغرب والبوليساريو للعودة إلى طاولة المفاوضات قبل أبريل المقبل موعد تقديم تقريره لمجلس الأمن".
وحول السياق والجديد الذي تحمله أول زيارة للمبعوث الأممي للمنطقة، منذ تعيينه في أغسطس/آب الماضي، قال الخبير المغربي: "لا يمكن أن نجعل من زيارة أولية لوسيط أممي رهانا وتحديا نهائيا لزحزحة كل شيء".
واعتبر أن "كل من يراهن على أن هذه الزيارة الأولية البروتوكولية ستزحزح وتحلحل الإشكالات المعقدة على مدى عقود، فهم يراهنون على نرد خاطئ وعبثي"، مستدلاً في هذا السياق بتصريح سابق لكوهلر قال فيه إنه "ليس ساحرا".
وأشار بلغزال، إلى أن "هذه الزيارة هي الأولى لوسيط أممي مؤطرة بقرار مجلس الأمن الذي طلب من الأمين العام (للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش) إحاطته بتطورات الوضع في الصحراء خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبتقرير في أبريل من كل عام، ما يعني أن الزيارة تأتي في سياق الإحاطة التي سيقدمها المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري".
وأضاف "كوهلر مطالب في هذا الإطار بجولة ذات طبيعة برتوكولية استكشافية إلى المنطقة لمعرفة بعض المداخل وللبدء في بناء مسار للثقة على أنقاض الخلافات السابقة".
واعتبر بلغزال، أن المبعوث الأممي "يبدو حذرا" خلال هذه الزيارة، من خلال "حرصه على وضع قطيعة مع التوتر القديم الذي كان يجمع المغرب مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي إلى الصحراء السابقيين، بان كي مون، وكريستوفر روس".
وأشار في هذا الإطار إلى عدم زيارة كوهلر، مدينة العيون، عاصمة إقليم الصحراء، موضحا أنه "لو أصر على زيارة العيون لبدأ التوتر مع المغرب، لذلك فإن المبعوث الأممي هدفه هو لقاء الفاعلين الأساسيين".
وأضاف أن "كوهلر كان حريصا على أن لا تتزامن زيارته مع أي مناسبة أو احتفال رسمي سواء في المغرب أو البوليساريو على خلاف المبعوث السابق الذي كانت زيارته متزامنة مع ما يسمى بـ"عيد الوحدة" عند جبهة البوليساريو.
وقال بلغزال، إن "كوهلر تحلّى بالأعراف في تدبير النزاعات، وراهن على أن يتم عمله بعيدا عن الضغط الإعلامي وعن التوترات والتأويلات"ز
وأبرز أن "العادة جرت في كل نزاعات العالم أن المسارات التي أنتجت نوعا من التطور هي تلك التي تميزت بالهدوء والسرية والابتعاد عن التوترات والمفرقعات الإعلامية التي غالبا ما يكون لها مفعول عكسي".
وأكد الخبير المغربي، أن "كوهلر لن يحمل جديدا في هذه الزيارة نظرا لطبيعتها وكذلك لأنه يشتغل وفق لوائح مجلس الأمن، وليس من حقه أن يتجاوزها".
ولفت إلى أن "ملف الصحراء يناقش في مجلس الأمن تحت البند السادس في ميثاق الأمم المتحدة المرتبطة بالسلم والأمن الدوليين".
وأفاد بلغزال، أن "الجديد في الوضع الحالي لدى المبعوث الأممي والأمين العام للأمم المتحدة، هو أن الأخير رجل ينحدر من بلد أورومتوسطي هو البرتغال، ويدرك التحديات السياسية الحقيقية بالمنطقة التي تهدد السلم والأمن، ويعرف كل الإشكالات الموروثة عن الاستعمار والنزاعات الحدودية ، كما يعرف الفاعلين الأساسيين فيها، لذلك فإن إمكاناته على فهم واستيعاب ومساعدة الأطراف على التقدم واردة جدا".
وتابع: "الوسيط الأممي كوهلر، رغم أنه كان رئيسا لألمانيا غير أنه في الأصل خبير اقتصادي، شغل مناصب مهمة في البنك الدولي، وأشرف على مشاريع تنموية في إفريقيا، حول مسارات التنمية والديمقراطية وتجاوز الإشكالات المرتبطة بالفقر والهجرة والتنمية، وبذلك فهو يدرك الكلفة الاقتصادية والتنموية المرتبطة بتحديات النزاعات السياسية".
وخلص بلغزال، إلى أن "كل من غوتيريش وكوهلر يدركان الكلفة السياسية للنزاع وأثره على السلم والأمن الدوليين وكذلك الكلفة الاقتصادية والتنموية والديمقراطية وعلاقتها بالتحديات المرتبطة بالنزاعات، وهذا ما يجعلهما في مواقع جيدة لتلمس الإمكانات والمبادرات التي من شأنها أن تعيد إطلاق الحوار في قضية الصحراء"، وفق تعبيره.
وعن سؤاله إن كان السياق الدولي يساعد على التقدم في مسارات البحث عن حل لهذا النزاع الذي عمّر أكثر من 40 عاما، اعتبر بلغزال أن السياق الدولي "ملتبس"، وأنه "يعطي مؤشرا بأن ملف الصحراء ثانوي أمام الاصطفافات الجديدة والمعارك التي يشهدها العالم في فترة إعادة تشكيل توازنات دولية جديدة".
وأوضح أن "الفاعلين الدوليين الذين لديهم مصالح في المنطقة يظهر أنهم غير متسرعين في إحداث اختراق في هذا الملف، لأن الوضع الحالي جيد بالنسبة لهم".
وقال بلغزال: "في النهاية الفاعلين الكبار غير مستعجلين في البحث عن حل، بل حتى الأطراف المباشرة في هذا النزاع يبدو أنهم أيضا لا يستعجلون الحل".
وبخصوص الفاعلين الإقليميين في الملف، ذكر أن "الجزائر فاعل أساسي في هذا النزاع"، مشيرا أن "الأمين العام للأمم المتحدة والوسيط الأممي يدركان جيدا الخلفيات الجيوستراتيجية للنزاع".
واعتبر بلغزال، أن "من الإنجازات المهمة التي يمكن يصل إليها الوسيط الأممي اعتمادا على ما سمّاه المسارات السرية، هو أن يقود المغرب والجزائر إلى نقاش مباشر سري غير معلن".
وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب و"البوليساريو" إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأعلنت "البوليساريو" قيام "الجمهورية العربية الصحراوية" في 27 فبراير 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوا بالأمم المتحدة.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادته، بينما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي النازحين الفارين من الإقليم بعد استعادة المغرب له إثر انتهاء الاحتلال الإسباني.
وتشرف الأمم المتحدة، على مفاوضات بين المغرب و"البوليساريو"، بحثًا عن حل نهائي للنزاع حول الإقليم، منذ توقيع الطرفين الاتفاق.