خليفة بلقاسم حفتر.. الرجل المثير للجدل، والذي برز لأول مرة من خلال مشاركته في الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد معمر القذافي ضد الحكم الملكي في 1969، قبل أن يتحول إلى أسير في الحرب ضد تشاد في 1988، لكنه فشل في الانقلاب على رفيق دربه السابق في 1993، وبقي في منفاه الاختياري في أمريكا إلى أن جاءت ثورة 2011، التي أطاحت بالقذافي، ولكن الثوار ورغم دعم حفتر لهم رفعوا رتبته العسكرية درجة وأحالوه على التقاعد، وهذا أسوأ ما كان يطمح إليه الرجل.
عاد الجنرال المتقاعد إلى واجهة الأحداث فيما سمي واقعة "الانفلاش"، عندما أعلن في فبراير/ شباط 2014، عن انقلاب جديد في التلفزيون دون أن يكون له أثر على الأرض، وفي الوقت الذي انتشرت النكت في ليبيا حول "انقلاب حفتر" الذي لقب بـ"الانفلاش" (جمع بين كلمتي انقلاب وفلاش، التي تعني ومضة)، رجع الرجل بعد ثلاثة أشهر إلى الواجهة بشكل مختلف بعد أن أعاد ترتيب تحالفاته الداخلية والخارجية وليطلق "عملية الكرامة".
ورغم أنه تعرض لهزيمتين كبيرتين عندما تمكن تحالف "فجر ليبيا" من طرد حلفائه (السابقين) "كتائب الزنتان" من العاصمة طرابلس، واقتحام تحالف "مجلس شورى ثوار بنغازي" لمقاتليه من معسكراتهم في مدينة بنغازي (شرق) في 2014، لكنه وبدعم من حلفائه الخارجيين، وقف مجددا على رجليه واستعاد المبادرة في بنغازي ووصلت قواته إلى غاية الهلال النفطي غربا، ليصبح بعد ثلاث سنوات، أبرز شخصية في معادلة الحرب والسلام في البلاد.
فالعسكري الذي عاد من منفى استمر 20 عاما، كان مطاردا خلالها بسبب معارضته لنظام القذافي الذي شارك قبل 45 عاما في وصوله لحكم البلاد نجح في أن يكون قائدا للقوات المدعومة من مجلس النواب الليبي في طبرق (شرق) بعد ثورة 17 فبراير 2011، التي أطاحت بحكم صديقه القذافي.
- من رفيق الزعيم إلى أسير حرب
ينحدر حفتر، من قبيلة الفرجان، التي تتمركز في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) في الغرب الليبي، مسقط رأس القذافي والمركز السابق لتنظيم "داعش" الإهاربي، إلا أن حفتر من مواليد مدينة "أجدابيا" شرقي ليبيا عام 1943.
وبتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 1964، التحق حفتر بالكلية العسكرية الملكية في بنغازي خلال حكم ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي ليتخرج منها في 1966، وعين بسلاح المدفعية بمدينة المرج، شرقي بنغازي.
بعد ذلك شارك حفتر، الشاب ضمن مجموعة من الضباط الليبيين بقيادة العقيد معمر القذافي، في إسقاط نظام ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي (1951-1969)، في الأول سبتمبر 1969، ما أنهى 18 عاما من الملكية في البلاد وبدء النظام الجماهيري للعقيد القذافي، الذي حكم البلاد أكثر من أربعة عقود متواصلة حتى لقب نفسه بـ"ملك ملوك إفريقيا".
وبعد ذلك برز نجم حفتر، إثر تولي القذافي للحكم، والذي كان مقرباً منه وتلقي العديد من الدورات العسكرية منها: "قيادة الفرق"، في روسيا التي تحصل فيها علي تقدير الامتياز، أهله ذلك ليكون ضمن قيادة القوات الليبية أثناء عبور قناة السويس (حرب أكتوبر 1973)، وحاز وقتها على نوط (نجمة) العبور المصرية.
كما شارك حفتر، ضمن قيادات الحرب الليبية في تشاد، التي بدأت في 1980، والتي تم أسر حفتر خلالها، في معركة وادي الدوم، مع 300 من جنوده، في 22 مارس/آذار 1987، بعد التدخل الفرنسي في الحرب، وتخلي القذافي عن دعم جيشه هناك، قائلا أنه "لا توجد لدية قوات في تشاد".
وتسبب تخلي القذافي عن حفتر في حرب تشاد، إلى انشقاقه وعدد من رفاقه من الضباط والجنود عن نظام القذافي أثناء تواجدهم في السجون التشادية، ليفرج عنهم لاحقا (1987)، ويغادروا إلى الولايات المتحدة عقب وصول إدريس ديبي للسلطة في تشاد في 1990.
بعد ذلك انخرط حفتر، ورفاقه في صفوف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (المعارضة)، وأعلنوا في 21 يونيو/حزيران 1988، عن إنشاء الجيش الوطني الليبي، كجناح عسكري تابع لها تحت قيادة حفتر، الذي لم يستمر طويلا بعدها.
واستقر حفتر، في الولايات المتحدة بشكل دائم، مستمرا في معارضة نظام القذافي 20 عاماً، وقاد في 1993، محاولة فاشلة للإطاحة بنظام العقيد ليحكم عليه نظام القذافي غيابيا بالإعدام.
- ما لا يؤخذ بالسياسة يؤخذ بالقوة!
بعد قيام ثورة شعبية في ليبيا بتاريخ 17 فبراير/ شباط 2011 ضد نظام العقيد معمر القذافي، التحق حفتر بالثورة في مارس 2011، وبعد الإطاحة بنظام القذافي ومقتله في 20 أكتوبر 2011، اختلف العسكريون ذووا الرتب الكبيرة في الجيش الليبي الذي كان يساند الثوار حول حفتر، ففي حين طالب بعضهم بتنصيبه قائد للجيش نظرا لأقدميته فهو يحمل الرقم العسكري 519، وكذلك نظرا لخبرته الكبيرة، طالب آخرون بإبعاده عن المعركة باعتباره دعم القذافي الذي تدور الثورة ضده أثناء وصوله لحكم ليبيا في 1969.
وبعد انتهاء الحرب التي انتصر فيها الثوار الليبيون علي القذافي أفل نجم حفتر مثله مثل العديد من الشخصيات التي عملت في نظام القذافي السابق وانضمت للثورة لكنه عاود للظهور علي الساحة صباح الرابع عشر من فبراير 2014 خلال خطاب متلفز أعلن خلاله إيقاف عمل المؤتمر الوطني (البرلمان آنذاك) استجابتا منه حسب قولة " لمطلب شعبي برفض تمديد عمل المؤتمر الوطني" الذي انتهت ولايته في 7 فبراير مؤكداً أن العاصمة طرابلس تحت سيطرة جنوده ومؤيديه.
وما هي إلا ساعات حتى تبين أن ما قاله حفتر، ما هو إلا مجرد خطاب لا حقيقة فيه ولا وجود لجنوده "المزعومين"، لتصدر عقب ذلك السلطات الليبية آنذاك، التي اعتبرت تحركات حفتر انقلابا على شرعية الدولة، أمرا بالقبض عليه.
وفي 16 مايو/ أيار 2013، عاد حفتر مرة أخرى لواجهة الأحداث، معلناً انطلاق عملية عسكرية سميت بـ"عملية الكرامة " ضد كتائب الثوار الإسلامية وتنظيم أنصار الشريعة الجهادي، بعد اتهامه لهم بـ"التطرف والإرهاب والوقوف وراء تردي الأوضاع الأمنية وسلسلة الاغتيالات بالمدينة"، فيما اعتبرت الحكومة تحركات حفتر، "انقلابا"، كونها عملية عسكرية انطلقت دون إذن من الدولة.
وما هي إلا أيام وبخلاف تحركه السابق حتى أعلن أول مسؤول ليبي، وهو وزير الثقافة الحبيب الأمين، تأييده لحفتر، بعدها أعلنت وزارة الداخلية الليبية تأييدها أيضاً، وانضمت إليه قبائل في الشرق الليبي وكتائب في الجيش ومديريات أمن جميع مدن الشرق لينتهي الأمر بإعلان الحكومة المؤقتة التي يترأسها عبد الله الثني، لتأييدها حفتر، وسط سخط وتنديد عدة أحزاب والمؤتمر الوطني.
وفي يوليو/ تموز 2014، بعد انتخاب مجلس النواب الليبي (البرلمان) المجتمع في مدينة طبرق (أقصى الشرق) أبدى المجلس دعما للعملية العسكرية التي يقودها حفتر، الذي أحيل في وقت سابق للتقاعد من قبل المؤتمر، مما أثار جدلا قانونيا وسياسيا بشأن انعقاد مجلس النواب في طبرق بدلا من العاصمة طرابلس، انتهى بقرار قضائي اعتبره معارضو حفتر، سحبا للشرعية من مجلس النواب ومنحها للمؤتمر الوطني، فيما رفض الطرف الآخر الاعتراف بحكمة المحكمة العليا لأنها خاضعة لسيطرة خصومهم.
ميدانيا، تمكن حفتر من العودة يسيطر الآن على معظم بنغازي باستثناء حيين وسط البلد (الصابري وسوق الحوت) إضافة لسيطرته على كامل شرق البلاد عدا مدينة درنة (1340 كلم شرق طرابلس) التي تحاصرها قواته، كما لديه تحالفات مع كتائب وقبائل في غرب البلاد مثل ورشفانة والزنتان، إلا أن هذه التحالفات هشة بالنظر إلى دخول ورشفانة وزنتان في مصالحات مع كتائب مصراته، غير أن حلفه القوي في الجنوب الليبي هم محمد بن نائل قائد اللواء المجحفل12 الموالي لنظام القذافي، والذي استطاع السيطرة منذ أشهر على قاعد براك الشاطئ الجوية وتقدم نحو قاعدة تمنهنت الجوية في مدينة سبها، إلا أنه فشل للمرة الثانية في اقتحامها بعد وصول تعزيزات للقوة الثالثة التابعة لكتائب مصراته والمسيطرة على القاعدة.
كل ذلك جعل حفتر قبلة لزيارات المسؤولين الأوروبيين، حيث زاره في مكتبة بمدينة المرج، خلال الشهرين الأخيرين العديد من الدبلوماسيين الغربيين بينهم السفير الايطالي والسفير البريطاني والسفيرة الفرنسية ومبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا، لمحاولة إيجاد حل للأزمة الليبية.
إلا أن زيارة حفتر حاملة الطائرات الروسية التي رست قبالة السواحل الليبية، حيث تواصل فيها مع وزير الدفاع الروسي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة كان الحدث الأبرز في خارطة تحالفات الرجل الخارجية، حيث أثار قلقا أمريكيا وأوروبيا.
ناهيك عن الدعم المصري والإمارتي، ويظهر ذلك بعد ذلك الإمارات التي زارها حفتر قبل يومين واستقبل بها استقبالا رسميا.
داخليا يعد الدعم الأكبر لحفتر، هو الدعم القبلي الذي حضي به في شرق ليبيا، والذي تجاوز من خلاله حتى سلطات مجلس النواب الذي يفترض أنه خاضع لرقابته، وتابع لحكومته المؤقتة، لكن العكس هو الحاصل. بدليل أنه سبق وأن رفض مرتين طلب مجلس النواب المثول أمامه، ورد ببساطة "أنا مشغول". في إشارة واضحة أن شرعية البرلمان لا تعني له شيئا لأنه يعتمد على "الشرعية القبلية" في الداخل، و"منطق القوة" في التعامل مع الخارج الذي لا يعترف إلا بالقوي بغض النظر عن شرعيته.
أما ثاني ركائز القوة لدى حفتر داخليا، هي ورقة محاربة الإرهاب، التي لوح بها واستخدمها، الأمر الذي جعلت الكثير من المتضررين من الاغتيالات لا سيما أفراد و ضباط الجيش والشرطة ينظمون له بأعداد كبيرة في شرقي البلاد.