تترقب تونس، الأربعاء المقبل، زيارة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تستمر يومين وُينتظر أن تتوّج بمنتدى اقتصادي مشترك تأمل تونس ان يسفر عن مزيد من الدعم الاقتصادي الفرنسي لها.
وطالما كانت فرنسا الشريك الاقتصادي الأول لتونس عبر التاريخ، فهي تعتبر تونس "امتدادا طبيعيا" لنفوذ استعماري قديم، حيث احتلت تونس بين عامي 1881-1956، إلاّ أن الثّورة الشعبية التونسية، عام 2011، أصابت هذه العلاقات بفتور؛ بسبب موالاة باريس التامة للرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987-2011)، الذي أطاحت به الثورة.
العلاقات التونسية- الفرنسية عرفت تحولات خلال حكم الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند (2012-2017)، الذي اعترف بأن فرنسا لم تكن مع تونس في ثورتها، متعهدا بالوقوف إلى جانبها حتى إنجاح الثورة.
ماكرون أيضا اعتبر في مناسبات عديدة أنّ "العلاقة مع تونس استثنائية وذات أولوية"، وأن باريس "ترغب في أن تبقى شريكا مهما لتونس"، مبديا إعجابه بـ"النموذج الانتقالي (بعد الثورة)، وبالإصلاحات التي ما زالت جارية في تونس".
** الشراكة الأوروبية
رئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية في تونس (مستقل)، أحمد إدريس، يرى أن "تونس تنتظر من زيارة ماكرون مزيدا من دعمها في فترة الانتقال الديمقراطي التي تمر به".
كما أن تونس، وفق إدريس في حديث للأناضول، "تنتظر أن تعزز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق باتفاق التبادل (التجاري) الحر، حتى يقبل (الاتحاد) سلعا تونسية أكثر، خاصة الفلاحيّة منها."
فيما يرى المدير السّابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حكومي)، طارق الكحلاوي، أنه "يجب أن تكون لتونس رؤية واضحة، خاصة في ملف اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي".
ويشدد الكحلاوي، في حديث للأناضول، على أنه "من واجب الحكومة التونسية الدفاع عن المصالح العليا للبلاد، خاصّة فيما يتعلق بالمفاوضات حول هذه الاتفاقية، بما يتماشى مع الوضع التونسي الجديد، حتى لا يعاد استنساخ الشراكة التي تعود إلى سنة 1995."
ويدعو الخبير التونسي حكومة بلاده إلى "القيام بعملية تدقيق وتقييم لهذه الشراكة".
** دور فرنسا
وفق إدريس فإن "ماكرون يريد أن يدعم العلاقات التونسية- الفرنسية بشكل حقيقي وإبراز دور فرنسا، الذي تراجع في المنطقة، خلال السنوات الماضية، وعلى الجانب التونسي الاستفادة من هذه الديناميكية الجديدة للسياسة الفرنسيّة".
ويذهب الدبلوماسي التونسي السّابق، عبد الله العبيدي، إلى أنه "يجب تحيين العلاقات على ضوء الأحداث التي تعيشها تونس، بما يستجيب لاستحقاقات الوضع السياسي والاقتصادي الجديد، في ظلّ التحولات الديمقراطيّة التي عرفتها تونس بعد صياغة دستور جديد وتركيز (تأسيس) هيئات جديدة."
ويشدد العبيدي، في تصريح للأناضول، على أنه "يجب أن يعزز الفرنسيون علاقاتهم مع تونس أكثر في ظل التحولات التي عرفتها البلاد.. والبحث في المجالات التي يمكن أن تدعم فيها تونس."
** تنويع العلاقات
بموازاة العلاقات الوثيقة بين البلدين يرى الخبراء أنه على تونس أن تنويع علاقاتها الخارجية مع دول صاعدة، وهو ما قد لا يروق لفرنسا.
ويقول إدريس: "صحيح أن فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول لتونس، لكن عليها أن تقبل بأن يكون لبلادنا شركاء آخرون، فكثيرا ما عارضت السلطات الفرنسية السّابقة ذلك عبر التاريخ".
ويلفت إلى أن "فرنسا كانت دائما تعتبر تونس امتدادا طبيعيا لنفوذها في المنطقة ومدخلها إلى إفريقيا، ثم تفاجأت بأن هناك أطرافا سياسيّة في تونس لا تتفق مع ذلك، وأنه عليها (فرنسا) أن تعيد النظر في علاقاتها بتونس."
ولا ينفي إدريس "تطور العلاقات بين البلدين في السنوات الثلاث الأخيرة، فالدّعم الفرنسي أصبح أكبر، حتى أن السلطات التونسية اقترحت في مناسبات عدة تحويل جزء من ديونها إلى استثمارات."
وهو ما يؤيده الكحلاوي بقوله إنه "من المهم أن تنوع تونس علاقاتها الخارجية حتى تكون منفتحة على دول وقوى صاعدة آسيوية وإفريقية وأمريكية لاتينية، وهو أمر طبيعي يتم على أساس التوازنات التي تخدم مصالحنا ."
ويضيف أنه "على الطرف الفرنسي أن يعي بأن الوضع لا يمكن أن يبقى كما هو، فكلما ترسخت ديمقراطية تونس ستدافع عن مصالح شعبها أكثر."
بينما يصف الدبلوماسي العبيدي الدعم الفرنسي لتونس بـ"المحتشم (المتواضع)"، ويرجعه إلى أن "فرنسا تعرف أيضا صعوبات اقتصاديّة، كما أن تونس لم تعد الحديقة الخلفية الوحيدة لها، فهي (تونس) نوعت علاقاتها بعد الثّورة".
ويتابع: "أصبحت تونس مثلا شريكا مع ألمانيا، ولدينا شركات هامة في تونس في مختلف المجالات، ولدينا شباب يدروسون في أمريكا وألمانيا وغيرها من الدول الغربية، وبالتّالي فإن العلاقات لم تعد مقتصرة على فرنسا فحسب."
**تعاون أمني
على المستوى الأمني يرى إدريس أن "فرنسا دعمت تونس أمنيا إلى جانب دول أخرى، لا سيما بالمعلومات وبتقوية القدرات الأمنية والمعدات وبتطبيق اتفاقيات الأمن والدّفاع.. وهو تعاون مثمر حتى الآن".
ويعود إلى طبيعة العلاقات قبل الثورة بقوله: "عانت (العلاقات الثنائية) منذ بداية الثورة بسبب دعم الحكومات الفرنسية السابقة لنظام زين العابدين بن علي، حتى أن الفاعلين السياسيين الجدد في تونس اعتبروا أن فرنسا هي الداعم الأول للدكتاتورية."
ويشدد الخبير التونسي على أنه "في البداية كان الدعم الفرنسي للثورة محتشما، لأن باريس لم تر في الإسلاميين طرفا من الممكن الاعتماد عليه في الانتقال الديمقراطي ."
** اتهامات السبسي
يعتبر الكحلاوي أن "اتهامات الرئيس (التونسي) الباجي قائد السبسي للإعلام الأجنبي وبشكل ضمني للإعلام الفرنسي لدى تغطيته للحراك الاجتماعي الأخير (احتجاجات رافضة لغلاء الأسعار) ستؤثر سلبا على صورة تونس لدى الرأي العام الفرنسي."
ويرى أن هذه الاتهامات تمثل "ردة فعل لا تليق برجل دولة، وهي تشبه كثيرا ردة فعل النظام السابق، الذّي حمّل مسؤولية ما يحدث حينها (احتجاجات الثورة) للتعاطي الإعلامي الأجنبي مع هذه الأحداث، بدلا من إرجاعها إلى الوضع الدّاخلي ."
ويوضح أن هناك "أمورا في تونس لا تطمئن الأطراف الدولية، منها تعطل الإصلاحات الدستورية وإصلاح النظام السياسي، والتشكيك في الدستور من جانب السلطات الحاليّة، وخاصة في الباب السابع، الذّي ينظم الحكم المحلّي، إضافة إلى بطء إرساء الهيئات الدّستوريّة".
وبعد تأجيلها مرتين، تشهد تونس، في 6 مايو/ أيار المقبل، أول انتخابات بلدية منذ ثورة 2011، ويرى فيها التونسيون خطوة مهمة على طريق اللامركزية، عبر منح البلديات صلاحيات عديدة.
ويختم الكحلاوي حديثه بالتشديد على أنه "لا بدّ من إيجاد أرضية مشتركة مع الطرف الفرنسي، بما يعزّز مصالح السوق التونسية ومصالح الفلاحين والمستثمرين التونسيين، والمهم أن يكون هناك وعياً بأن استقرار تونس من مصلحة أوروبا عموما".