على بعد 30 كم من العاصمة الأردنية عمان، وعلى سفوح مرتفعات البلقاء، تقع مدينة السلط، رابع أكبر مدن المملكة سكاناً.. تلك المدينة، سميت قديماً بـ "سالتوس"، نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبني فيها معبداً للإله "زيوس" في منطقة "زي" التي نسبت اليه.
ويقع في مدينة السلط، صرح الشهداء الأتراك، الذي يرقد فيه رفات 300 جندي عثماني، قضوا في الحرب العالمية الأولى (1918– 1914)، دفاعاً عن بلادهم في مواجهة الإنجليز.
استطاعت الجيوش العثمانية، وعلى مرّ التاريخ، أن تزرع في جنودها مفاهيم التضحية بالنفس والإقدام والشجاعة والحماس، وغرست فيهم السير إلى الأمام دون العودة للخلف.
بسالة أولئك الجنود، من كتائب المشاة 143 ،145، و191 من فيلق الجيش الرابع عن مدينة السلط، لم تجد من ينقلها سوى رفاتهم، التي تم العثور عليها في أحد الكهوف، نتيجة عمليات التطهير والقتل الجماعي التي كانت تقوم بها القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى.
وكان الجنود يتولون الدفاع عن المدينة، ويؤمنون الحماية لممر وادي شعيب الاستراتيجي القريب، لكونه الممر الرئيسي للمسافرين والقوافل بين الأردن وفلسطين.
فبعد أن جرى العثور على رفات الجنود الأتراك وتوثيق صور لها العام 1973، تم البدء بأعمال بناء الصرح لأول مرة في الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام 1989.
وتم تشييد الصرح في عهد ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال ورئيس الجمهورية التركية الأسبق سليمان ديميريل العام 1994.
وفي 28 يونيو/ حزيران العام 2004، تم تجديد بناء الصرح من جانب العقيد الركن إبراهيم يلماز، وجرى افتتاحه مجدداً في 14 أغسطس / أب من العام نفسه.
ويضمّ الصرح متحفاً للصور، التي توثّق بطولات الجيش العثماني وعملياته في المنطقة، كما يحتوي على نموذج للبزّات العسكرية التي كان يرتديها الضباط والجنود في ذلك الوقت.
واستطاع الصرح أن يحفظ للشهداء تاريخهم المشرف، من خلال الإبقاء على رفاتهم في ضريح جماعي داخل الكهف الذي استشهدوا فيه.
وبات الصرح مزاراً للسياح العرب والأتراك، الذين يقصدونه على مدار العام، إذ يجدون فور دخولهم إليه جدارية كُتبت عليها أسماء الشهداء، لتبقى صور تضحياتهم المشرفة حاضرة على مرّ العصور.
ويتبع الصرح لوزارة الدفاع التركية، حيث تملّكت الأرض المقام عليها، فيما تشرف الملحقية العسكرية بالسفارة التركية في الأردن عليه.
ويقول عاطف أبوحصي، أحد زوار الصرح، للأناضول،: "رغم أنني من الأردن، إلا أنني هنا للمرة الأولى، الصرح جميل ومرتب، ويليق بمكانة الشهداء".
ويضيف "أشجع الجميع على زيارة الصرح، فعلى الأقل يجب أن يعرفوا أن فيه 300 شهيد قضوا دفاعاً عن البلاد".
من جهته، أعرب خالد خشمان، رئيس بلدية السلط الكبرى، عن اعتزاز المدينة باستشهاد مجموعة من الجيش العثماني على أرضها، أثناء دفاعهم عن المدينة، وهي الأرض المباركة التي تُحيط بأركان بيت المقدس.
ومضى خشمان قائلاً، للأناضول، "إن بلدية السلط تولي أهمية كبرى لصرح الشهداء الأتراك، والذي أصبح من أهم المعالم الرئيسية في المدينة".
كما أشار إلى أن البلدية "بدأت بوضع الصرح على المسار السياحي، بحيث أن زوار المدينة يقصدونه كأحد المواقع الأساسية التي تشهد للدولة العثمانية إدارة المدينة".
ويضيف: "نسعى دائماً لتطوير المنطقة المحيطة بالصرح، وسنقوم خلال الفترة القادمة بإصدار دراسة تاريخية عن مدينة السلط، بما فيها صرح الشهداء الأتراك والدور العثماني في المدينة".
أما السفير التركي في عمان مراد قرة غوز ، فقال للأناضول، إن ثمة علاقات تاريخية متجذرة الأصول بين الأردن وتُركيا، ومدينة السلط، التي اختيرت كأحد المواقع السياحية المميزة في المملكة تحمل بصمات الدولة العثمانية، خاصة مع وجود صرح الشهداء الأتراك الذين قضوا دفاعاً عن دولتهم في جبهة فلسطين – سيناء.
وأوضح أن الصرح يمثل رابطاً قوياً للعلاقات الأردنية التركية، ونستذكر شهداءنا الكرام الذين قضوا في الدفاع عن تركيا ونترحم عليهم وندعو أن الله أن يسكنهم فسيح جنانه.