"إجا سيدو.. إجا سيدو" (جاء جدي).. رددها أحفاد حسين عطا الله (57 عاما)، الذين كانوا ينتظرونه، على باب المنزل، بعد 21 عاما على الغياب وراء السجون الإسرائيلية.
لكن عطا الله وصل جثة هامدة، بعد أن توفي داخل السجون الإسرائيلية، بعد معاناة مع مرض السرطان.
"عطا الله"، وهو من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، قضى السبت الماضي 20 يناير/ كانون ثاني الجاري، بعد أن أمضى 21 عاماً في السجون الإسرائيلية، من أصل حكم بلغ 32 عاماً، بحسب بيان لهيئة شئون الأسرى (تابعة لمنظمة التحرير).
وشيّع جثمان "عطا الله" في مدينة نابلس، أمس الثلاثاء، بجنازة عسكرية، بعد أن سلمت السلطات الإسرائيلية جثمانه لعائلته مساء الاثنين.
وأصيب عطا الله بمرض السرطان قبل أربعة أشهر، وعلى الرغم من انتشار المرض ونهشه لجسد "عطا الله"، إلا أنه لم يحظَ بأبسط حقوقه بالعلاج المناسب لوضعه الصحي، كما أكدت عائلته لوكالة الأناضول.
ولعطا الله، خمسة من الأبناء الذكور وبنت واحدة، كما أنه جد لعدد من الأحفاد، لم يعرفوه سوى من خلال الصور.
"والدي لم يأخذ أي جرعة من العلاج الكيماوي للسرطان طيلة فترة مرضه، كان يعيش على المسكنات فقط"، هكذا ردّ شادي عطا الله نجل حسين، على سؤال وكالة الأناضول حول طبيعة العلاج الذي قدم لوالده خلال فترة مرضه.
وأضاف:" الطبيب الشرعي في مستشفى رفيديا الحكومي بنابلس، أكد لنا أن والدي لم يأخذ العلاج الكيماوي أبدا، على الرغم من خطورة وضعه، وأنه كان فقط يأخذ المسكنات".
وتابع:" الاحتلال مارس إهمالاً طبياً كبيراً لحالة والدي، ما أدى لمعاناته بشكل كبير ووفاته بعد عدة أشهر".
وعن بداية المرض قال:" كان والدي محتجزا في زنزانة انفرادية في سجن إيشل، كان ينادي على الحراس ويقول لهم إنه يتألم، لكنه لم يلق أي اهتمام، حتى دخلوا عليه في الزنزانة في أحد الأيام وكان مغمى عليه".
ونُقل "عطا الله" بعد ذلك للمستشفيات الإسرائيلية، حتى استقر به الأمر في مستشفى "آساف هروفيه".
وتمكنت عائلة عطا الله من زيارته بعد فترة طويلة من المنع، وذلك قبل وفاته بيومين.
وعن تلك الزيارة يقول نجله شادي:" بعد مطالبات وإجراءات طويلة، تمكنا من الحصول على موافقة لزيارة والدي في المستشفى من خلال الصليب الأحمر.
"هناك كانت الصدمة"، يقول الابن، ويتابع:" رأينا والدي بحالة يرثى لها، تم تقييد يديه وقدميه بالسرير، رغم أنه كان في حالة احتضار".
وبألم وحسرة على فراقه، يقول:" لم يسمح لنا الاقتراب منه ولا تقبيله أو السلام عليه، بل النظر إليه من بعيد، كان ثلاثة من الحراس حوله، يمنعونا من الاقتراب منه".
ولم يتمكن الأب من الحديث مع أبنائه شادي وحسني ووالدتهما، الذين ذهبوا لزيارته، نتيجة صعوبة وضعه الصحي، حيث كان يفتح عينيه للحظات ينظر إليهم، ويعود لغيبوبته مجددا.
"حسني" نجل "عطا الله"، الذي اعتقل والده وكان حينها طفلا لا يتجاوز التسع سنوات، يقول:" خبر استشهاد والدي كان بالنسبة لنا كالصاعقة، على الرغم من أنه كان أمرا متوقعاً، فقد زرته قبل أيام، وكان بحالة نزاع".
وأشار في حديثه لوكالة الأناضول، إلى أن العائلة قدمت طلباً للإفراج المبكر عن والده أربع مرات، لكن السلطات الإسرائيلية كانت ترفض ذلك.
وقال:" قبل وفاته بيوم واحد، كان من المقرر أن يكون هناك محكمة خامسة، للنظر بطلب الإفراج المبكر عنه، لكن تم رفض الطلب بحجة أن والدي يشكل خطرا على أمن إسرائيل".
وحمّلت هيئة شئون الأسرى (تابعة لمنظمة التحرير) ونادي الأسير (غير حكومي)، السلطات الإسرائيلية، وإدارة مصلحة السجون، "المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الصّحي للمعتقل عطا الله واستشهاده"، بحسب بيان مشترك لهما.
وأشار البيان إلى أن السلطات الإسرائيلية رفضت الإفراج عنه لتلقي العلاج في المستشفيات الفلسطينية وقضاء أيامه الأخيرة بين أفراد عائلته، رغم قضائه ثلثي مدة محكوميته.
وبحسب معلومات حصلت عليها وكالة الأناضول من نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي)، أشارت إلى أن عدد المرضى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وصل لـ700 معتقل، وهم مصابون بأمراض مزمنة.
ومن بين هؤلاء المرضى 200 بحاجة لمتابعة طبية دائمة.
كما أشارت المعلومات المتوفرة، إلى أن 16 معتقلاً فلسطينياً يقيمون بشكل دائم في مستشفى الرملة.
كما وصل عدد المرضى المصابين بالسرطان لـ28 معتقلاً.
ولم يصدر أي تعقيب رسمي من إسرائيل على وفاة المعتقل الفلسطيني.
ويزيد عدد الضحايا من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية جراء "الإهمال الطبي" عن الـ200، بعضهم توفي بعد الإفراج عنهم، بحسب بيانات سابقة لنادي الأسير.
وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 6500 فلسطيني، بينهم 51 امرأة، وفق إحصائيات فلسطينية رسمية.