لماذا اتجه الروس إلى الحسم العسكري في الغوطة؟

لماذا اتجه الروس إلى الحسم العسكري في الغوطة؟
28.2.2018 11:21

eposta yazdır zoom+ zoom-
من خلال تدخلهم العسكري المباشر، سعى الروس إلى الإمساك بخيوط العملية السياسية في سوريا، بل والاستحواذ عليها والتفرد بها بشكل كامل.
 
محاولات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لفرض رؤيته للحل في سوريا بدأت من جنيف، وتحديداً عند صياغة مسودة "بيان جنيف1"، حيث حاول الروس صياغة مخرجاته على مقاسهم، لكن لم يجدوا فرصة لذلك.
 
ثم جاءت محاولتهم الثانية عند صياغة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهناك فشلوا أيضا.
 
بعد الفشل في هاتين المحاولتين، تحولت الدبلوماسية الروسية نحو عقد مؤتمر دولي في أستانة، عاصمة كازاخستان، هدفه الظاهر هو الحد من العمليات العسكرية، تحت غطاء تخفيف التوتر، وليس وقف إطلاق النار.
 
لكن الهدف الحقيقي من مؤتمر أستانة كان سياسياً صرفا، وهو سحب البساط من تحت العملية السياسية في جنيف، التي تجري برعاية الأمم المتحدة.
 
في البداية، عارض الطرف الأمريكي الحضور، ثم حضر في أستانة بتمثيل منخفض.
 
وشاركت الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بصفة مراقب، ولم تلعب دورا رئيسيا في المؤتمر.
 
أي أن الأمم المتحدة منحت عملية أستانة غطاء دوليا مشروطاً، لإفراغه من محتواه، وهو ما تجلى في قرار مجلس الأمن رقم 2336، الذي ربط أستانة بجنيف، وجعل من مخرجات أستانة أمورا فنية إجرائية لا أكثر.
 
في خطوة أخرى راهن الروس على التدخل في تركيبة الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة السورية، والمنبثقة عن مؤتمر الرياض، وبالفعل تم ضم منصتي موسكو والقاهرة، اللتين تراهما موسكو قريبتين منها إلى هيئة التفاوض.
 
لكن المواقف الصلبة والصريحة، التي اتخذتها هيئة التفاوض، وخصوصا رفضها المشاركة في مؤتمر سوتشي بروسيا، كان صادما للروس ومخيبا لآمالهم، إذ كانوا يعتقدون أنهم نجحوا في تشكيل المعارضة على مقاسهم.
 
صدمة الروس من موقف مؤتمر الرياض وهيئة التفاوض عبر عنها وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بقوله: "يجب هز المعارضة السورية لإسقاط الراديكاليين منها".
 
المحاولة الأخيرة للروس كانت في الإعلان عن مؤتمر سوتشي كآلية مختلفة ومنفصلة تماما عن مسار العملية السياسية في جنيف.
 
وفضلا عن كونها غير واضحة في البداية، فإن عملية سوتشي كانت تسير بالتوازي مع العملية السياسية في بقية المسارات، آخذة بعين الاعتبار التعاطي الدولي مع تلك المسارات، وتأثر المعارضة السورية وأدائها على الأرض عسكريا وسياسيا.
 
مؤتمر سوتشي بدأ بفكرة عقد اجتماع يضم عددا من السوريين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية (في سوريا)، من أجل الحوار والخروج بحل للأزمة.
 
ثم تطور الأمر إلى فكرة جمع عدد أكبر في ما يشبه التظاهرة بمدينة سوتشي، وفعلا تم الاجتماع وسط ضجيج وفوضى ولغط كبير.
 
عملية سوتشي أيضا انتهت على غير ما يشتهي الروس وما كانوا يخططون، إذ كانت حصيلتها السياسية مختلفة تماما عما أرادوه.
 
فقد تم اعتماد مبادئ دي ميستورا الاثني عشر، التي طرحها في مؤتمر "جنيف 8 "، والتي كان النظام السوري قد رفضها.
 
وفي المحصلة، تم قبول مخرجات مؤتمر سوتشي على شكل توصيات غير ملزمة للأمم المتحدة.
 
الدور الأمريكي في سوريا في حكم شبه الغائب، قياساً على ما يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية من دور قيادي، بما تملكه من إمكانيات وقدرة على التأثير في الساحة الدولية وخبرة في حسم النزعات العالمية، لكن واشنطن تتقاعس وليس لديها استراتيجية حيال الأزمة السورية.
 
كل هذا صحيح، لكن في الكفة الأخرى لا بد من الإقرار بأن الطرف الأمريكي هو الذي أفشل جميع محاولات الروس للاستفراد بالقضية السورية، وفرض صيغة الحل التي يريدون مع شريكهم الإيراني طبعا، حيث كانوا وما زالوا يهدفون إلى إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، رغم كل ما حدث.
 
حيال الإخفاقات المتتالية على الصعيد السياسي، لم يبق أمام الروس سوى التوجه عسكريا نحو الغوطة الشرقية بريف دمشق وإدلب.
 
وهي فرصة كانت تنتظرها إيران، التي ترفض الحل السياسي من أساسه، كي تنقض على الغوطة، التي توليها أهمية استراتيجية إضافية (آخر معقل للمعارضة قرب العاصمة دمشق).
 
لكن الجيش السوري الحر سجل في الغوطة صمودا أسطوريا، فضلا عن إصرار أهلها على المقاومة حتى آخر رمق، خاصة بعد أن رأوا ما حل بالمناطق المحاصرة، التي اضطرت إلى المصالحة مع النظام، حيث نكث الروس والإيرانيون والنظام بالعهود والمواثيق.
 
ثم نجحت هبة السوريين ومعهم المنظمات الإنسانية والأحرار في العالم، عبر حملات إنسانية، في عزل الروس وشيطنتهم، حيث بدوا الطرف المعتدي المتوحش، الذي يعرقل الحل السياسي، ويمنع الهدنة والسلام.
 
لم يبق أمام الروس سوى الحسم العسكري من خلال اقتحام الغوطة، وهو ما يحتاج وقتا ليس بالقصير.
 
لذلك استمات الروس في عرقلة مناقشة مشروع القرار، التي تقدمت به كل من الكويت والسويد، في مجلس الأمن الدولي، مؤخرا، والقاضي بفرض وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية.
 
فقد بذلت الدبلوماسية الروسية كل جهودها لتأخير صدور القرار، بل وتفريغه من مضمونه.
 
لكن في النهاية صدر قرار مجلس الأمن رقم 2401 (السبت الماضي)، والذي يقضي بوقف القتال في الغوطة فورا، وتنبع أهميته من:
 
تحويل روسيا من ضامن إلى متهم يعرقل وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين. وقد حملت مداخلات الدول، أثناء مناقشة مشرع القرار، موسكو المسؤولية كاملة.
2- وضع روسيا وجها لوجه أمام بقية دول العالم، وحتى الصين تخلت عنها.
 
3- جميع جهود روسيا في السيطرة على زمام الأمور، من خلال عملية خفض التوتر، ذهبت سدى.
 
4- انتهى مفهوم خفض التوتر العائم، ليحل مكانه وقف إطلاق النار الواضح، وبإشراف الأمم المتحدة.
 
5- خسر الروس قرار التحكم الميداني في سوريا، فقد كانت جميع القرارات الميدانية خاضعة لموافقتهم.
 
6- إعادة زمام الأمور إلى مجلس الأمن الدولي، بعد أن تفرد به مسار أستانة.
 
7- ربط وقف إطلاق النار بإيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وهو ما لم يكن موجودا في أستانة.
 
لكن: هل ستلتزم روسيا وإيران ونظام الأسد بالقرار الأممي 2401؟
 
الجواب معروف مسبقاً.. نحن أمام امتحان كبير وعسير يواجه المنظومة الدولية.
 
-------------------------------
 
* محمود عثمان كاتب ومحلل سياسي.

 

 

أخبالا المحلي

برامج الجوال

iPhone iPad Android Windows Phone
Milli Gazete ©  لا يمكن النقل أو النسخ من دون ذكر المصدرو جميع الحقوق محفوظة +90 212 697 1000 :رقم و فاكس