"بسط السلطة الاتحادية في كل أنحاء العراق" التزام أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي تمسكه به على طريق استعادة هيبة الدولة في أعقاب دخول الجيش العراقي إلى كركوك والمناطق المتنازع عليها في ديالى والموصل وسهل نينوى.
حزم انتظره العراقيون بكل أطيافهم طويلا لا سيما أولئك المتعطشون في إقليم شمال العراق للممارسة الديمقراطية التي غيبها هيمنة طرف يتولى الإدارة في ظل تعطل البرلمان المحلي لفترة طويلة.
في خطابه أمس الثلاثاء (18 سبتمبر الجاري) وضع العبادي النقاط على حروف عقد اجتماعي جديد عنوانه الالتزام بالدستور وسلطة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص ومنع ومنع التسلط الحزبي والقومي في المدن التي تضم تركيبات سكانية متعددة مثل كركوك.
حديث العبادي عن كامل التراب العراقي يؤكد معلومات سربتها جهات عسكرية ومدنية عن نيته وهو القائد العام للقوات المسلحة بالتوسع في الإجراءات التي تعيد هيبة السلطة الاتحادية في مدن إقليم شمال العراق.
وفي هذا الإطار قال العبادي إن الاستفتاء الباطل الذي أجري الشهر الماضي بشأن انفصال الإقليم "انتهى وأصبح من الماضي"، وهو ما يتوافق مع سيطرة بغداد في عملية "الليلة الواحدة" على المناطق المتنازع عليها التي شهد بعضها الاستفتاء.
لاشك أن تقدم القوات العراقية قد عزز خلافات موجودة أصلا على الساحة السياسية في الشمال بين الطرف المتهم بالهيمنة على موارد المنطقة ممثلا برئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود بارزاني وآخرين امتنعوا عن الاشتباك مع قوات الحكومة المركزية.
الخلاف بدا واضحا في خطاب وجهه بارزاني أمس لسكان الإقليم وقال فيه إن "ما حصل في معركة كركوك، كان نتيجة لقرار انفرادي اتخذه بعض الأفراد التابعين لجهة سياسية داخلية في الإقليم (لم يحددها)، وانتهت نتيجة هذا القرار بانسحاب البيشمركة بهذا الشكل والطريقة التي رآها الجميع".
كلام بارزاني سبقه في نفس اليوم حديث في وسائل إعلام محلية عن اتفاق بين العبادي و"الاتحاد الوطني الكردستاني" يقضي بتشكيل ثلاثة أقاليم شمالي العراق، الأول يضم مدينتي أربيل ودهوك إلى جانب إقليمي السليمانية وحلبجة.
لكن العبادي وهو القائد العام للقوات المسلحة العراقية نفى بشكل قاطع وجود مثل هذا الاتفاق لتشكيل إقليم في الشمال بديل عن الحالي مقابل انسحاب البيشمركة من المناطق التي كانت تسيطر عليها منذ 2014.
وأكد استعداده لحوار مع الإقليم تحت سقف الدستور، بعد تحرك عسكري اعتبر إجراء دستوريا ديمقراطيا سيعيد للمنطقة الممارسة الديمقراطية الذي يتهم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة بارزاني بسلبها.
لم يغب عن بال العبادي وهو يؤكد على ضروة إطلاق يد بغداد في كامل البلاد المصالح الحزبية الضيقة التي قدمها البعض على المصلحة العامة وخصوصا في الشمال.
فعلى سبيل المثال سيطرة حزب بارزاني على معبر فيشخابور المنفذ العراقي الوحيد إلى تركيا، ويتحدث الكثير من التجار عن مساومات يتعرضون لها لدخول بضائعهم، وهو المنفذ الوحيد الذي تصل منه البضائع التركية والأوربية على حد سواء إلى الأراضي العراقية.
كما تهيمن أحزاب في الإقليم على شركات للهاتف النقال بمقدار الثلثين من قيمتها الأصلية وتمتنع عن دفع مستحقاتها المالية إلى الجهات ذات العلاقة، فضلا عن أن بعض المسؤولين في مناطق متنازع عليها كانوا يمتنعون عن تنفيذ توجيهات الحكومة المركزية في الوقت الذي يلبون فيه تعليمات أحزابهم.
ورغم أن التحرك الأخير لقوات الحكومة العراقية قد يمثل بارقة أمل لكن يبدو أنه لم يبدد مخاوف مكونات عراقية أخرى عانت من التهميش في المنطقة، وفي مقدمتهم التركمان الذين يقولون إن "حقوقهم ومستحقاتهم الدستورية سلبت من قبل أحزاب كردية وتحت أنظار الحكومات الاتحادية، بسبب مساومات بين الأطراف المتنفذة في تلك الحكومات".
وعليه فإن الحكومة المركزية وبعد حديث العبادي مطالبة بضمان حقوق كافة المكونات، وعدم الرضوخ لمطالب أحزاب تريد الهيمنة على مراكز القوى في المناطق التي تضم مكونات عرقية، وصولا إلى استعادة هيبتها وممارسة سلطتها على كافة أنحاء العراق على أسس العدل والمساواة وتكافؤ الفرص..فهل يتحقق ذلك؟.