ربما لا يعرف الكثيرون أن للإسمنت، أو ما يطلق عليه البعض في مصر "التراب الأسود"، استخدامات أخرى، سوى الدخول في عملية البناء فقط، فالموهبة الفنية للمصريين محمد العسال وعماد البوشي، خلقت نوعًا خاصًا من الإبداع من تلك المادة البسيطة.
فبأناملهما التواقة للفن، يستطيع العسال والبوشي، تحويل الحيطان الصماء المطلة على الشارع أو بداخل المنازل، إلى لوحات فنية لنباتات وحيوانات مختلفة تسر الناظرين، عبر وضع كمية من الأسمنت المخلوط بالماء، أو المخلوط بالماء والرمل على الحائط ثم نحت الشكل المطلوب بدقة وسرعة.
وخلال تنفيذه إحدى هذه المنحوتات، على حائط بمحافظة الشرقية (دلتا النيل/ شمال)، يقول محمد مصطفى العسال (28 عامًا)، للأناضول، إن تميزه في الرسم العادي، مهد له طريق التميز في النحت الإسمنتي، لكن بأدوات مختلفة كليًا عن الفرشاة والألوان.
يعتمد العسال في فنه على أدوات معدنية تشبه ملاعق وسكاكين الطعام، صغيرة الحجم وحادة الحواف، من أجل إخراج المنتج بدقة وسرعة أعلى.
وتختلف نوعيات الإسمنت المستخدم في النحت، وينقسم إلى نوعين، الأول عادي، يتم خلطه بالرمل والماء، ويستخدم للنحت على الحيطان التي لم يتم طلاؤها بعد، والآخر عبارة عن "معجون الإسمنت"، والذي يُخلط بالماء ثم يُستخدم في أشكال بارزة لتلك التي انتهى طلاؤها، بحسب العسال.
ويشير إلى أن سُمك المادة الإسمنتية المستخدمة يختلف من منحوتة لأخرى، لكنها في الغالب تبلغ 5 سنتيمترات، وكلما كان الُسمك أكبر كان الحائط أكثر إبرازًا لتفاصيل المنحوتات، وكذلك بالنسبة للإضاءة التي يتم تركيبها لاحقًا.
ورغم صعود وهبوط جسده خلال العمل، تماشيًا مع تفاصيل المنحوتة التي ينفذها، يقول العسال بصوت ثابت إن تكلفة مواد النحت الإسمنتي، لا تختلف بشكل كبير عنها في الجبس (مادة بيضاء تستخدم في أعمال الديكور).
وما يميز النحت الإسمنتي، عن هذه المادة، بحسب العسال، التنوع الكبير في المجسمات والأشكال التي يتم نحتها.
ويُرجع العسال ذلك إلى كون المنحوتة، عبارة عن رسمة، بينما الجبس الأبيض تُصنع خلاله أشكال منسقة عبر قوالب مٌعدة مسبقا ومحددة الأشكال، تُصب فيها المادة البيضاء بعد خلطها بالماء لتتحول إلى الشكل المطلوب.
وعقب انتهائه من تصميم المنحوتة تأتي مرحلة الطلاء، التي تستخدم خلالها ذات مواد الدهان العادية.
وحول سعر المتر الواحد من المنحوتة الإسمنتية، يوضح العسال أنه يتراوح بين 200 و 600 جنيه (11و 33 دولارًا أمريكيًا تقريبًا)، ويختلف حسب نوع المجسم المستهدف نحته.
ويلتقط طرف الحديث شريك العسال في العمل عماد البوشي (47 عامًا)، والذي يعمل بالنحت الإسمنتي منذ 15 عامًا، واتجه لهذا النوع من النحت كونه فكرة جديدة يعتمد فيها على خامات مختلفة عن خامات الديكور التقليدية.
فكرة النحت الإسمنتي، بدأت في الانتشار بعدة محافظات مصرية، كما يروي البوشي، لمراسل "الأناضول".
ويشير إلى أنه انتقل من النحت على الطين الصلصال "مادة ملونة لينة يسهل تشكيلها" في صغره إلى النحت الإسمنتي، ثم تعرف على شريكه في العمل محمد العسال، من خلال موقع "فيسبوك"، ليقررا التعاون سويًا.
واقفًا على سلم خشبي، وممسكًا بأدوات النحت الصغيرة، يقول البوشي: "رغم كون الإسمنت بعد تجهيزه مادة صلبة وقاسية، إلا أنني أتعامل معها كصديق له لا يفارق يدي طوال النهار، لذلك أستطيع بسهولة تطويعه كما أريد والحصول منه على نتائج ممتازة".
تنتهي مرحلة النحت الإسمنتي بالنسبة للبوشي، لتبدأ مرحلة التشريح "إبراز وتحديد زوايا المجسم".
وفي فترة لم تتجاوز 4 ساعات تحول حائط مسطح، إلى لوحة فنية بداخلها أسد يغري شموخه المارة، بتفاصيل تجعله كما يبدو حقيقيًا.
الأكثر قدرة على الإبداع من يحقق النجاح حينما يفشل من حوله، بهذه النظرية يواصل البوشي تصميم منحوتاته، والتي تستغرق أوقاتًا مختلفة من منحوتة لأخرى.
وينهي البوشي حديثه قائلا: "نبحث عن التميز والاختلاف عن المعروض في السوق المصري، ونتجه لإحياء تراث مصر عبر حوائط منحوتة من الإسمنت، تتناول الحكايات الشعبية وجلسات المقاهي".
وطلبا للرزق، فإن العسال والبوشي في تنقل دائم بين محافظات مصر المختلفة، يستقبلون عروض العمل من خلال وقع "فيسبوك"، إلى جانب انتشار صيت التصميمات التي ينفذونها لدى المواطنين، وفق قولهما.
وعلى طريق سيارات يمر أمام مكان عمل "العسال والبوشي" وقف محمد إسماعيل، أحد المارة (30 عامًا)، يشاهد المنحوتات، معبرًا في حديثه لـ "الأناضول" عن إعجابه الشديد بها.
وبملامح تدل على الدهشة، يتابع محمد، أنه لم ير من قبل منحوتات إسمنتية على الحوائط، فالديكورات من الشائع أن يستخدم لها مادة الجبس الأبيض، لكن هذه التجربة مختلفة وجديدة.
"الإقبال شديد على هذا النوع من النحت"، بتلك الجملة بدأت آيات طاهر، مهندسة ديكور، التعبير عن إعجابها بعمل الشابين، في رسم حوائط تستطيع أن تخطف أنظار من يمر من أمامها.
وتضيف لـ"الأناضول" أن "النحت الإسمنتي يتعلق بشكل أكبر بالمشاهد الخارجية للمنازل والمنتجعات السياحية، ورغم أنه لا يستخدم بكثرة داخل المنازل، غير أن بعض المواطنين بدأوا في طلب تصميمات داخلية".