بينما تتواصل احتجاجات "السترات الصفراء" في باريس، بالتزامن مع حوار رئاسي يجرى بشأن مطالبها، يسعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون لمناقشة 4 ملفات خلال زيارته الأولى المرتقبة لمصر، الأحد المقبل.
خبراء تحدثت إليهم الأناضول، يرون أن فرنسا تسعى بجدية للتواجد في إفريقيا مع ترأس القاهرة لرئاسة الاتحاد الإفريقي هذا العام، والاستفادة الاقتصادية في ظل الاضطرابات التي تشهدها، وبحث مستقبل تواجد بشار الأسد في سوريا، وكذلك تداعيات الانسحاب الأمريكي من الأراضي السورية، وملء هذا الفراغ، واستقطاب مصر نحو رؤيتها للأزمة الليبية على حساب روما.
وفي 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، وصل وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير، لترتيب زيارة ماكرون نهاية الشهر الجاري، وعقد لقاءات مع مسؤولين مصريين بينهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتأكيد رغبة فرنسا في تدعيم وتنويع التعاون الاقتصادي.
فيما تحدثت تقارير مصرية عن أن قمة السيسي وماكرون ستناقش قضايا الشرق الأوسط وسبل مواجهة الإرهاب والهجرة غير الشرعية بجانب الملفات الثنائية المشتركة بين البلدين خاصة الاقتصادية.
ورأى خبراء، أنه في الملف الليبي يوجد توافق وتطابق بين القاهرة وباريس، وبالتالي سيتم التركيز عليه من جانب فرنسا، لمزاحمة التواجد الإيطالي هناك، في ظل علاقات القاهرة المتشعبة في ليبيا، لافتين إلى أن قضايا ثنائية ستبحثها هذه القمة المرتقبة التي تعد الأولى منذ وصول ماكرون للسلطة في 2017.
ورغم تأكيد السفارة الفرنسية بالقاهرة قبل أيام، أن بلادها تطرح قضايا حقوق الإنسان بشكل واضح وصريح مع القاهرة، شكك أحد الخبراء في أن يشغل الملف الحقوقي حيزًا لافتًا في جدول القمة.
ونقلت تقارير محلية، الثلاثاء 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، اتهامات من نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماثيو ساليفنى، لفرنسا، بأنها "ليس لها مصلحة في استقرار ليبيا".
** أمر حيوي
الأكاديمي المصري البارز، طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية، قال إن الملفات الإقليمية تستبق القضايا الثنائية خلال اللقاء المرتقب بين الرئيسين المصري والفرنسي.
وأضاف فهمي، للأناضول، أن القضايا الثنائية مستقرة وثابتة ولا توجد بها أية أزمات مؤخرًا؛ نظرًا للتقارب المصري الفرنسي وحرص الطرفين على التعاون الاقتصادي والسياسي والاقتصادي.
وأوضح، أن القضية الليبية ستكون على رأس الملفات الإقليمية، حيث هناك توافق وتطابق في وجهات النظر، خاصة مع دور مصري قوي في الأزمة من خلال استضافة أطرافها في اجتماعات متعددة.
وأشار إلى أن الأزمة السورية ستكون ثاني الملفات المطروحة بين الجانبين وخاصة ملء الفراغ بعد قرار الانسحاب الأمريكي، فباريس تحتاج إلى التنسيق مع الدول العربية المركزية المطروح أن يكون لها دور في الفترة المقبلة، مثل: مصر والإمارات والأردن.
وسيكون الملف الثالث، وفق فهمي، التنسيق بين الطرفين كون مصر رئيسًا للاتحاد الأفريقي في 2019 وهو أمر في غاية الأهمية اقتصاديًا لباريس، فضلًا عن ضرورة بحث توافقات في هذا الإطار.
وحول القضية الفلسطينية، قال الأكاديمي المصري، إن فرنسا مشتبكة في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، حيث طرحت مبادرة "باريس 1" وكانت ترتب لـ"باريس 2"، إلا أن الأزمة الداخلية والتظاهرات الأخيرة في فرنسا عطلت الأمور بعض الوقت.
** ملف الأسد
سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، (حكومي)، قال إن العلاقات المصرية الفرنسية في تنامٍ منذ تولي السيسي الحكم في 2014، تعكسه الزيارات المتتالية بين الطرفين منذ عهد الرئيس السابق فرانسوا أولاند، وكذلك ماكرون.
وحول القضايا الإقليمية، أوضح اللاوندي في حديث للأناضول، أن القضية السورية ستكون أهم القضايا على طاولة الملفات؛ خاصة أمر بقاء رأس النظام بشار الأسد في السلطة من عدمه في المستقبل، وضمانات ذلك من إجراء دستور وانتخابات نزيهة، ثم تليها الأزمة الليبية.
وأشار إلى أن ترأس مصر للاتحاد الأفريقي دفع باريس نحو القاهرة لتوطيد العلاقات والاستفادة الاقتصادية في ظل الاضطرابات التي تشهدها؛ جراء الأوضاع الاقتصادية.
وبدأت احتجاجات "السترات الصفراء" في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بسبب زيادة أسعار الوقود وتدني الظروف الاقتصادية، لتتحول إلى أكثر الاحتجاجات عنفًا في فرنسا خلال الأعوام الأخيرة.
ورغم إلغاء الحكومة للزيادات المقررة في أسعار الوقود، إلا أن وتيرة الاحتجاجات لم تهدأ، واستمرت -وإن كان بشكل أقل كثافة- بسقف مطالب بلغ حدَّ المناداة برحيل ماكرون.
** ملء الفراغ الأمريكي
"التعاون الاقتصادي، والعسكري، والأمن في الشرق الأوسط والأزمتين السورية والليبية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية"، رأى الأكاديمي المصري بالجامعة الأمريكية، سعيد صادق، أنها أهم الملفات على طاولة السيسي وماكرون.
وقال صادق، في حديث للأناضول، إن مصر طرف فاعل في الأزمة السورية، كما أن البلدين عضوان في المجموعة المصغرة حول سوريا التي تضم أيضًا ألمانيا والأردن والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة.
وأضاف: لن يخلو اللقاء من محاولة تنسيق بين الطرفين في التأثير على مجريات الأحداث في سوريا، خاصة في ظل الفراغ المتوقع حدوثه بانسحاب القوات الأمريكية.
وأشار إلى أن هناك دعمًا عربيًا لبشار الأسد عبر ضمانات سواء أمنية أو دستورية، سيُطلع السيسي ماكرون عليها، وكان أحدثها زيارة علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري إلى القاهرة، ولقاؤه مع رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل
وحول الأزمة الليبية، رأى أن هناك تنافسًا ما بين روما وباريس على الملف المجاور لمصر، الذي تتدخل القاهرة فيه بشكل فعال، وتربطها علاقات قوية مع قوات المشير خليفة حفتر التي تسيطر عسكريًا على الشرق الليبي.
وقال صادق، إن العلاقات بين القاهرة وروما حاليًا مضطربة بسبب أزمة مقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، فتسعى فرنسا؛ لاستقطاب دول الجوار الليبي إلى رؤيتها لحل الأزمة.
وكانت العلاقات بين القاهرة وروما، توترت بشكل حاد، عقب مقتل ريجيني، في فبراير/شباط 2016، وبعد الواقعة بشهرين، استدعت روما سفيرها لدى القاهرة، ثم أرسلت سفيرا جديدا، بعد 17 شهرا من سحب سفيرها السابق. -
وتتعارض الرؤية الفرنسية لحل الأزمة الليبية مع الرؤية الإيطالية التي تركز على أن الاستقرار له الأولوية للبدء بخطوات متقدمة أخرى، منها الانتخابات دون سقف زمني مقيد يلزم الأطراف الليبية بتواريخ أو شروط.
في حين تمخض مؤتمر باريس (مايو /أيار2018) عن جدول زمني للاستفتاء على مسودة دستور، ومن ثم إجراء انتخابات كانت مقررة في 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنها لن تجرى إلا في غضون ربيع 2019، بحسب البيان الختامي لمؤتمر باليرمو (نوفمبر/تشرين الأول 2018).
** تراجع الملف الحقوقي
ولفت صادق إلى أن ملف حقوق الإنسان لن يكون ذا أولوية للجانب الفرنسي، لكن السيسي ربما يطالب بتخفيف حدة وطأة انتقادات الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.
وأشار الأكاديمي المصري إلى أن الوفد المرافق لماكرون من رؤساء شركات وبعض وزراء المجموعة الاقتصادية، يؤكد أهمية البعد الاقتصادي للزيارة سواء استثمارات أو اتفاقات عسكرية بين الجانبين.
وزار السيسي باريس مرتين أحدهما في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والأخرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
ومثلت صفقات التسليح العسكري "رأس الحربة" في العلاقات المصرية -الفرنسية، عقب أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، حيث باتت فرنسا أحد أهم مصادر التسليح المصري، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تحتل فرنسا المركز السادس في قائمة المستثمرين الأجانب في مصر، حيث تعمل نحو 150 شركة فرنسية في مختلف المجالات وتستوعب ما يقرب من 33 ألف شخص، وفق أحدث تقديرات السفارة الفرنسية بالقاهرة.