قال خبيران اقتصاديان إن عام 2017 سيكون صعبا للغاية على الاقتصاد التونسي؛ بسبب ستة عوامل داخلية وخارجية ستخلف سلسلة من التداعيات، رغم الأمل الذي بعثه مؤتمر الاستثمار "تونس 2020".
تلك العوامل، وفق حديث الخبيرين لوكالة الأناضول، هي: عدم استقرارا الوضع الاجتماعي، والتهديدات الإرهابية، وصورة تونس في الخارج، إضافة إلى بعض إجراءات قانون المالية، والتراجع المتوقع في قيمة الدينار أمام الدولار، فضلا عن وصول الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة في واشنطن.
لكن أحد هذين الخبيرين اعتبر أن هناك نقطتان إيجابيتان تبعثان على التفاؤل في 2017، وهما الاستقرار الحكومي، والتحسن الطفيف على مستوى عودة الاستثمار الخاص، فيما دعا الخبير الآخر الحكومة إلى إتخاذ إجراءات استباقية لحماية الاقتصادي التونسي الهش.
ووفق ميزانية تونس لعام 2017، من المتوقع تسجيل نسبة نمو نحو 2.5%، مقابل 1.5% متوقعة لكامل عام 2016، إضافة إلى نسبة تضخم في 2017 نحو 3.6%، ونسبة تداين 63.8%، وتسجيل عجز في الموازنة قرابة 5.4%.
في تونس شهد عام 2016 العديد من الأحداث الاقتصادية، كانت أهمها تنظيم مؤتمر الاستثمار "تونس 2020"، أواخر نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، والذي أفرز تعهدات مالية بقرابة 15 مليار دولار.
نمو ضعيف في 2016
وزير التجارة التونسي السابق، الخبير الاقتصادي، محسن حسن، قال في تصريح لوكالة الأناضول، إن "سنة 2016 كانت صعبة على الاقتصاد التونسي، حيث كان النمو ضعيفا، ولم ينتج عن محركات النمو التقليدية، وهي الاستثمار، والتصدير، والاستهلاك".
حسن أضاف أن هذا "النمو الضعيف أدّى إلى تواصل ارتفاع نسبة البطالة، واختلال في التوازنات المالية الكبرى، ما يتجلّى في تسجيل صعوبات في تمويل الاقتصاد".
ذلك النمو الضعيف أرجعه وزير التجارة السابق إلى "أسباب عدة، منها أن الوضع الأمني لا يزال يشكل عائقا حقيقيا رغم تحسنه، واستمرار تردي الوضع الاجتماعي (...) جراء المطلبية (الاحتياجات) الملحة، وفقدان ثقافة العمل والإنتاجية، وعدم استقرار الحكومات، وعدم اكتمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية، وتأخير تنظيم الانتخابات البلدية".
وإلى تلك الأسباب يضاف، وفق حسن، "تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية، وصعوبة القبول بالإصلاحات الموجعة المتعلقة بالمالية العمومية ومناخ الأعمال، رغم وجود تقدّم في بعض الإصلاحات، وهو ما من شأنه أن لا يجذب الاستثمار.. لكن 2016، ورغم كل تلك الصعوبات، انتهى بنقطة إيجابية، وهي تنظيم مؤتمر الاستثمار تونس 2020".
صعوبات ونقاط إيجابية
وبالنسبة إلى عام 2017، اعتبر وزير التجارة التونسي السابق أن "هناك عوامل عديدة يمكن أن تؤثر سلبا على الاقتصاد التونسي، منها التهديدات الإرهابية التي لا تزال قائمة، خاصة مع توقعات بعودة إرهابيين تونسيين من بؤر التوتر؛ وهو ما يزيد من مخاوف المتعاملين الاقتصاديين".
حسن اعتبر أن "صورة تونس في الخارج اليوم عائق حقيقي أمام تطوّر الاستثمار والقطاع السياحي (عمليات إرهابية قام بها تونسيون في الخارج)، وأيضا رغم الزيادة في الأجور، إلا أنه ليس هناك استقرارا في الوضع الاجتماعي".
قبل أن يستدرك بقوله: "رغم كل تلك الصعوبات هناك نقاط إيجابية، أهمها الاستقرار على مستوى الحكومة، وهو ما سيساهم في تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية المتعلقة بالتوازنات المالية، ومنها الإصلاح الجبائي (نظام الضرائب)، وإصلاح وضعية المؤسسات العمومية، وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع التنموية المبرمجة، خاصة تلك التي حصلت على تعهدات بالتمويل في مؤتمر تونس 2020".
وبالنسبة إلى مناخ الأعمال، رأى الوزير السابق أن "هناك تحسنا طفيفا على مستوى عودة الاستثمار الخاص، لاسيما بعد الإصلاحات التي تمت على المستوى التشريعي، فضلا عن الزيادة في الأجور التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الطلب الداخلي".
4 فرضيات
بالنسبة للخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، فإن ما يحدّد السياسات الاقتصادية هو "قانون المالية وميزانية 2017، التي قامت على 4 فرضيات، وهي تحقيق نسبة نمو نحو 2.5%، وسعر برميل النفط عند 50 دولارا، وسعر الدولار عند 2.25 دينار (تونسي)، ونسبة تضخم نحو 3.6%".
الشكندالي، وفي حديث للأناضول، أضاف أن "كل المؤشرات تقول إن سعر النفط سيرتفع، خاصّة بعد اجتماع الجزائر (سبتمبر/ أيلول الماضي) وإقرار دول (منظمة) الأوبك (الدول المصدرة للنفط) تخفيض الإنتاج بحوالي مليون برميل يوميا؛ للتأثير على سوق العرض والطلب، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر النفط".
وعن سعر الصرف، قال الشكندالي إن "البنك الدولي راجع توقعاته، وبالتالي ففرضية أن يكون سعر الدولار عند 2.25 دينار تصبح غير ممكنة، وهو ما سيكون له انعكاس على الميزان التجاري".
وموضحا، تابع أنه "في تونس ننتج النفط ونستورد أيضا، وبالتالي فانخفاض قيمة الدينار أمام الدولار سيؤدي إلى خروج العملة الصعبة (من البلد) أكثر من دخولها، كما أن تراجع قيمة الدينار سيكون له تأثير على سداد الديون".
زيادة محتملة في التضخيم
وبحسب الخبير التونسي "تعتمد الصناعات التونسية على البترول، وبالتالي فإن تحقيق نسبة تضخم نحو 3.6 % تصبح غير ممكنة، ومع ارتفاع سعر النفط فإن الشركات ستزيد في الأسعار.. أيضا هذه الشركات تستورد مواد من الخارج، ومع تراجع قيمة الدينار أمام الدولار، فإن كلفة الإنتاج ستزيد"، وفق الخبير التونسي.
يضاف إلى تلك المؤشرات الصعبة، وفق الشكندالي، "الإجراءات التي تضمنها قانون المالية، ومنها الترفيع (الزيادة) في الأداء على القيمة المضافة، والترفيع في أسعار الكهرباء والماء، فذلك يزيد من التضخم، الذي يشهد في آخر السنة الحالية نسقا تصاعديا".
الشهر الجاري، بلغت نسبة التضخم في تونس 4.0%، وهذه النسبة تشهد نسقا تصاعديا منذ يوليو/تموز الماضي، حيث كانت 3.7%.
ومحذرا، تابع الشكندالي أن "الزيادة في الأجور إذا لم تصاحبها زيادة في الإنتاج، سيزيد التضخم، والكل يعرف أن زيادة الإنتاج مرتبطة بالقطاع الخاص والإجراءات التي تضمنها القانون لا تشجع هذا القطاع على الاستثمار، فمن جهة تمّ إقرار (فرض) مساهمة استثنائية للمؤسسات لفائدة الدولة، ومن جهة أخرى تمّ إقرار رفع السرية عن الحسابات البنكية (لمواجهة المتهربين من الضرائب)، وهي كلها عوامل غير مشجعة للاستثمار".
ومن التحذير إلى الترجيح، أضاف أن "التضخم سيرتفع انطلاقا من الإجراءات التي تضمنها قانون المالية، والزيادة في الأجور، وارتفاع سعر النفط، وتراجع قيمة الدينار.. والشيء نفسه بالنسبة إلى تحقيق نسبة نمو نحو 2.5%، فهي غير ممكنة، لاسيما مع عدم وجود إجراءات تحفز على الاستثمار الخاص".
مما سبق، خلص الخبير الاقتصادي التونسي إلى أن "2017 ستكون سنة صعبة جدا، خاصّة أنها ستشهد سداد الديون، علاوة على عوامل خارجية، منها وصول (الجمهوري دونالد) ترامب إلى الحكم (في الولايات المتحدة الأمريكية)، فذلك سيحدث نوعا من المشاكل في الشرق الأوسط، ويزيد من نسق ارتفاع سعر البترول".
وفي دعوة ضمنية إلى السلطات التونسية من أجل الاستعداد لما هو قادم، ختم الشكندالي حديثه بأن "قانون المالية ليس فيه إجراءات استباقية للتخفيض من حدة هذه الإجراءات، التي هي منفتحة وسهلة الاختراق من العوامل الخارجية، وهو ما يزيد من هشاشة الاقتصاد التونسي".