بتوقيت مفاجئ ولافت أعلن المتحدث باسم "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش" العقيد ريان ديلور، عزم التحالف إنشاء وحدة عسكرية قوامها ثلاثون ألف جندي، هدفها حماية الحدود السورية التركية، وذلك بالعمل مع ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" الذراع العسكري لـ"ب ي د" الذي يعد الفرع السوري لمنظمة "بي كاكا" الإرهابية.
ومن الطبيعي أن يكون للتحالف قيادة عسكرية مشتركة تقود العمليات العسكرية، لكن من غير الطبيعي ولا المعتاد أن تتخذ هذه القيادة العسكرية قرارات سياسية، وخصوصا بهذا الحجم من الأهمية الاستراتيجية، هذا على فرض أن قيادة التحالف هي من اتخذت هذا القرار، وليس البنتاغون بمفرده.
وواضح أن الإعلان أمريكي أحادي المصدر، يمثل توجهات الإدارة الأمريكية فقط، حتى بقية أعضاء حلف الناتو لم يصدر عنهم أي تعليق حول الموضوع، وهذا ما يدفعنا لطرح أسئلة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، لماذا اختيار هذا التوقيت بالضبط؟.
ولماذا حماية الحدود السورية التركية بالرغم من خلوها من تنظيم داعش؟! .. أليس الأولى التركيز على حماية الحدود السورية العراقية التي ما يزال تنظيم داعش يسيطر على مناطق منها؟.
لماذا لم يتم إخبار تركيا وأخذ رأيها في هذا الموضوع الاستراتيجي؟ أليست تركيا عضوا في "التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش"، وعضوا في حلف الناتو أيضا؟.
في تفسير الخطوة الأمريكية بتأسيس جيش من ميليشيات "ب ي د"، تحت مسمى "قوة أمنية حدودية"، يعزو كثيرون ذلك إلى الرغبة الأمريكية في العودة للساحة السورية بقوة من خلال مشروع يربك جميع الأطراف.
ويعضد هذا الرأي الهجوم الغامض على قاعدة حميميم الروسية مؤخرا، والذي حمل رسالة مفادها أن الروس أضعف من أن يكونوا قوة قادرة على حماية نفسها والتمركز في سوريا لفترة طويلة بحكم ضعف إمكاناتهم التكنولوجية.
وللتذكير فقط، فإن هجوم "الدرونز" على قاعدة حميميم الروسية لم يتبناه أي فصيل سوري حتى اللحظة، حتى أن تنظيم داعش الذي يسارع الى تبني معظم العمليات العسكرية، لم يتبن هذا الهجوم، كما أن الطرف الروسي حمل المسؤولية كاملة للطرف الأمريكي تحديدا.
رد فعل أنقرة لم يتأخر، فقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة ألقاها بمؤتمر فرع حزب "العدالة والتنمية" في ولاية إلازيغ قائلا: "عندما تلبسون إرهابيا زيا عسكريا، وترفعون علم بلادكم على مبنى يتحصن فيه، فهذا لا يغطي الحقيقة، الأسلحة الأميركية أرسلت إلى المنطقة بواسطة آلاف الشاحنات والطائرات، يباع جزء منها في السوق السوداء، والجزء الآخر يستخدم ضدنا".
وأضاف "تظن أمريكا أنها أسست جيشاً ممن يمارسون السلب والنهب، وسترى كيف سنبدد هؤلاء اللصوص في أقل من أسبوع".
وشكلت قضية الميليشيات الكردية في سوريا، على الدوام، أحد أسخن الخلافات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، حيث تقدم الأخيرة دعماً كبيراً بالسلاح والتدريب والتغطية الميدانية للمليشيات الانفصالية الكردية تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تمثل "ي ب ك" عمودها الفقري.
و"ي ب ك" هي الذراع العسكرية لـ" ب ي د" الفرع السوري لـ"بي كاكا" المصنفة كتنظيم إرهابي في أمريكا وأوربا وفي كثير من دول العالم.
بل إن باحثين أمريكيين أثبتوا أن بعض قتلى قياديي "سوريا الديمقراطية" هم من "بي كاكا" الارهابية.
ولم يتوان المسؤولون الأتراك عن إبراز الأدلة والبراهين التي تثبت الارتباط العضوي الوثيق بين هذه التنظيمات المختلفة في الاسم المتحد ايدلوجيا وتنظيميا. فعندما تسيطر هذه الميليشيات على أي منطقة تعمد مباشرة إلى رفع صور عبد الله أوجلان مؤسس وزعيم "بي كا كا" الإرهابية.
كما أن جميع قيادات "قوات سورية الديمقراطية" هم من "بي كاكا" الإرهابية تحديداً، أما العرب والكرد المنضوين ضمن هذه المليشيات الكردية فليسوا سوى "كومبارس" لإكمال المشهد فقط.
ورغم جميع الاعتراضات التركية يصر الأمريكان على دعم هذه الميليشيات الانفصالية، بل يذهبون أبعد من ذلك.
هناك محاولة لتأسيس "كيان سيكون نموذجا جديدا في سوريا"، بحسب ديفيد ساترفيلد، المكلف بإدارة ملف الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي كان يدلي بشهادته أمام الكونغرس مؤخرا.
صدور بعض التصريحات المطمئنة لتركيا من بعض المسؤولين الأمريكيين لا يحجب حقيقة سعيهم الحثيث لتأسيس كيان أقل من دويلة وأكبر من إدارة ذاتية في شمال سوريا.
إيران من طرفها أعربت عن رفضها لمخطط الولايات المتحدة، تشكيل ما يسمى "قوة أمنية حدودية" في سوريا، مؤلفة من عناصر تنظيم "ب ي د/ي ب ك".
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، "بهرام قاسمي" وصف القرار الأمريكي، بأنه "تدخل سافر في شؤون الدول".
وقال قاسمي، إن هذا القرار من شأنه تعقيد القضية السورية أكثر، فضلاً عن مفاقمة حالة عدم الاستقرار في البلاد.
النظام السوري رفض أيضا الخطوة الأمريكية بتشكيل "القوة الأمنية الحدودية"، وهذا طبيعي ومتوقع، لكن بالرجوع إلى علاقته التاريخية الطويلة مع تنظيم "بي كاكا" وتعامله مع "ب ي د" خلال السنوات السبع الأخيرة، والعلاقات التي تربط مستشار بشار الأسد للشؤون الأمنية علي مملوك بالرئيس المشترك السابق لـ"ب ي د"، صالح مسلم وبقية قيادات التنظيم الارهابي، يمكننا القول بأن هذا الخيار يشكل كما يقال "أهون الشرين" بالنسبة للنظام السوري.
وفي تشرين أول / أكتوبر عام 2014، وفي إطار الحرب على تنظيم "داعش"، دعت أنقرة صالح مسلم، وعرضت عليه تقديم الدعم له ضد تنظيم "داعش" لكن بشروط ثلاثة: الأول: أن يتخلى عن فكرة إقامة كيان كردي منفصل، والثاني: أن يفك ارتباطه بالنظام السوري، أما الثالث فأن يعمل من خلال الجيش السوري الحر.
وبعد أن أجرى مباحثاته مع أعلى المستويات في أنقرة، لم يوافق صالح مسلم على الاقتراح التركي، وفضّل إبقاء علاقاته مع نظام الأسد، والعمل تحت قيادة الأمريكيين ليؤكد المخاوف التركية من أطماعه الانفصالية، وبدل أن يقف مع الشعب السوري في ثورته ويبتعد عن نظام بشار الأسد ذهب لجهة عقد صفقات تعاون عسكري وتبادل المواقع في مناطق شمال وشرق سوريا.
حيث قام النظام السوري بتسليم حقل رميلان النفطي بمحافظة الحسكة (شمال شرق)، وهو من أكبر الحقول في سوريا لميليشيات صالح مسلم دون قتال أو أي اشتباكات بين الطرفين.
ولا يزال الغموض سيد الموقف بالنسبة للتحركات الأمريكية في سوريا، لكن مشروع تشكيل "قوة أمنية حدودية" شكل عودة قوية لواشنطن.
وهذه الاستدارة الأمريكية نحو سوريا ترمي لتحقيق أكثر من هدف على المستويين القريب والمتوسط.
وأول الأهداف إنهاء حالة تفرد الروس بالحل في سوريا، بالإضافة إلى إعادة هيكلة "قوات سوريا الديمقراطية"، بحيث تتحول إلى قوة عسكرية موسعة تضم إلى جانب عناصر "ي ب ك" مكونات أخرى بقيادة أمريكية، حيث تشير بعض المصادر العسكرية إلى أن مقر قيادة القوة الأمنية الحدودية سوف يكون داخل إحدى القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا.