"رخاء محمد أبو العسل"، طبيب أردني متقاعد من أصول بدوية يمتلك ذاكرة بعمق التاريخ، كونه من أوائل الأطباء الأردنيين الذي تلقوا تعليمهم الجامعي في تركيا، خلال ستينيات القرن الماضي.
بساطة العيش وجمال الطبيعة في مسقط رأسه بمنطقة "العشة" في محافظة إربد شمالي الأردن دفعت "أبو العسل" (75 عاماً) إلى تذكر أدق تفاصيل عيشه في تركيا.
عن هذه الفترة يقول "أبو العسل"، في مقابلة مع الأناضول: "كنت من أوائل من تعلموا الطب في تركيا.. أصلنا من بدو النعيم، عشيرة الطحان، ووالدي هو أول بدوي أكمل (دراسة المرحلة) الثانوية، وأصبح مدرساً".
ويتابع: "أكملت دراستي الثانوية في الأردن من كلية الحسين في عمان، أواخر سنة 1959، ثم ذهبت إلى تركيا سنة 1960، عندما حدث الانقلاب (من قبل الجيش) على عدنان مندريس (رئيس وزراء تركيا بين 1950-1960)".
** اللغة التركية
بسبب اللغة لم يكن الأمر سهلاً على "أبو العسل": "واجهت صعوبة في البداية، كوني لم أكن أعرف اللغة التركية، ثم أكملت M D من كلية طب جامعة أنقرة بتقدير جيد جداً".
والـ"Md" هو اختصار "Medical Doctor"، ويعني دكتور في الطب (طبيب عام)، وهي درجة معتمدة في تركيا.
ويمضى قائلاً: "عام 1975 حصلت على الـM B في أمراض النساء والولادة من جامعة أنقرة أيضاً".
والـ"Medical Board" هو عبارة عن شهادة يحصل عليها الطبيب بعد خضوعه لفحص من لجنة طبية، بها ممثلون عن أكثر من جهة وشخص أو اثنين من الجامعة، ويصبح من يحصل عليها مخولا بمزاولة الطب وإدارة مستشفى في مجال تخصصه.
بعدها، يضيف الطبيب: "رجعت إلى الأردن، بعد أن أنهيت دراستي، سنة 1969، وعملت بوزارة الصحة"، ثم استقلت، وفتحت عيادة خاصة".
ويتابع: "بعدها ذهبت للعمل في قطر، حيث عملت خمس سنوات، ثم رجعت إلى وزارة الصحة، وعملت فيها حتى عام 2003، حتى بلغت عمر الستين، وهو سن التقاعد".
** معاملة جيدة
وعن حياته في تركيا، يقول الطبيب الأردني: "لم ألقَ أي معاملة سيئة من الأتراك، وهذا ترك أثراً في نفسي لا يمكن أن يُمحى، فقد عاملوني معاملة جيدة".
ويستطرد: "تعلمنا على حسابهم، كنا نكلفهم مبالغ كبيرة، فطالب الطب وقتها كان يكلفهم 180 ألف ليرة تركية، وكنا من جنسيات مختلفة".
ويزيد: "في السنة التي كنت أدرس فيها كنا حوالي 4500 طالب أردني، ودرسنا على حساب تركيا.. صحيح لم نكن نحصل على رواتب، لكن الدراسة كانت مجانية على حساب الحكومة التركية".
ويوضح: "والدي هو من اختار لي أن أدرس في تركيا، وكل الرجالات العظام في العالم العربي تخرجوا في تركيا".
ويتابع "أبو العسل": "أشجع الأردنيين على الدراسة في تركيا، درسنا عندهم كالأتراك وحتى أفضل.. لم يعلمونا التملق، فقد كنا نناقش المدرسين بحدة، وكانوا يعاملونا كأبناء".
ومستذكراً يضيف: "عينوا لكل عشر طلاب أباً معنوياً، وكان أبي المعنوي برفيسور، وقال لي حينها: إنك عوضتني عن دراسة ابني وابنتي، فأنا أشعر بأنك ابني".
ويوجه "أبو العسل"، عبر الاناضول، رسالة إلى تركيا بقوله: "ربنا يحفظكم من الفتن والقلاقل، كما أدعو للأردن.. وأقول لهم (الأتراك) شكراً لكم، لأنني تعلمت عندكم، وصرت رجلً مؤهلاً، بفضل دراستي في تركيا، وعلى حسابها".