مع شروق شمس الصباح، يشمّر الفلسطيني الستيني، سهيل براغيت عن ساعديه، ويتجه صوب كروم العنب في أرضه ببيت أمر قرب الخليل، جنوبي الضفة الغربية، ليبدأ يوم عمله الطويل في تصنيع نحو 17 منتجاً من العنب، على رأسها "الدبس".
فمنذ عشرات السنوات، يعمل براغيت في تصنيع الدبس (منتج من عصير العنب)، في مهنة ورثها عن أجداده، يعتاش من "دخلها المحدود".
كما أن استمراره في هذا العمل، يحمي أرضه من المصادرة لصالح الاستيطان الإسرائيلي، حسب قوله.
يحمل براغيت صندوقاً مليئاً بثمار العنب التي قطفها للتو من بستانه، ويضعها في مكان مخصص لغسلها، قبل وضعها في عصّارة قديمة تقليدية، لاستخلاص السائل من الثمار، ووضعه في أواني كبيرة نصبت على الحطب، لتطهى نحو 8 ساعات، ليخرج في نهاية المطاف "دبساً" حلو المذاق.
يقلّب حبات العنب بين يديه، ويقول لمراسل الأناضول:" نصنع الدبس من جميع أنواع العنب، ونستخدم في عملنا التقليدي أدوات وآلات تقليدية".
وبعد أن يُطهى على النار، تبدأ زوجة براغيت، بتعبئة الزجاجات مختلفة الأحجام، بالدبس "بني اللون".
ويخلو الدبس الذي يصنعه براغيت وزوجته في معمل بسيط قرب منزلهم، من أي مواد كيماوية أو حافظة، كما يقول.
ويتابع:" منتجنا وطني وطبيعي، لا توضع فيه مواد كيماوية أو سامة، ويمكن أن يبقى صالحاً لمدة عام كامل دون مواد حافظة، في حال تم تعبئته بطريقة علمية".
وللدبس، فوائد جمّة لجسم الإنسان، بحسب براغيت، فهو علاج لليرقان، ومشاكل الكبد، وأمراض أخرى، كما أنه غني جدا بالحديد.
ويشير الستيني إلى أنه يعمل على تصنيع 17 صنفاً من محصول العنب، باستثناء الأصناف المحرمة وفق الشريعة الإسلامية، كالخمر، كما قال.
وعن المردود المادي ، يقول:" الأمر غير مجدٍ كثيرا، لكن هدفنا هو التمسك بمهنة أجدادنا، وبأرضنا حتى لا تكون هدفاً للاحتلال الذي يهدد بمصادرتها لصالح الاستيطان، ونحن بقيامنا بزراعتها وإنتاج الدبس نثبت وجودنا وحقها بهذه الأرض".
وطالب براغيت بضرورة دعم مشروعه من الجهات الفلسطينية ذات العلاقة، وقال:" إذا بقينا دون جهة ترعانا وتدعمنا، سنبقى في دائرة الاكتفاء الذاتي، ودون مردود مادي".
ويزيد الإقبال على شراء "الدبس" بشكل كبير خلال فصل الشتاء، لحاجة الجسم للطاقة والسكريات.
ويسوّق براغيت منتجاته من خلال جمعية نسوية خاصة، تديرها زوجته مع السيدة فاتنة العناني.
وداخل معمل براغيت، التقى فريق الأناضول مع العناني، التي أبدت فخرها بالعمل على تسويق منتجات بلدها الوطنية من خلال شركة "الروزنا" (غير ربحية).
وقالت العناني:" نحن فلاحون، نعمل بالزراعة من سنوات طويلة، لدينا عدة مشاريع كتسويق الدبس، ومنتجات العنب المختلفة، وصناعة الصابون من زيت الزيتون ونسوقها".
تشير بيدها لثمار العنب والأواني المعبأة بالدبس، وتقول:" للعنب فوائد كبيرة، وأرض الخليل مشهورة بزراعته منذ زمن الكنعانيين".
وبلهجة خليلية تمتزج بالفخر، قالت:" عنب الخليل كالجواهر والذهب".
وذكرت أن هذا المنتج يدر دخلاً للاقتصاد الوطني ويجب الحفاظ عليه كمنتج وطني.
وطالبت العناني بـ"دعم المزارعين، ليجدوا فائدة ونتيجة لتعبهم، ويحافظوا على شجرة العنب".
أما السيدة فاتنة براغيت، رئيسة جمعية المرأة للعمل الخيري في بيت أُمّر، والتي تعمل على تسويق منتج الدبس وغيره من المنتجات المحلية، فتشير إلى أن جمعيتها تعمل عل تصنيع جميع منتجات العنب.
وقالت للأناضول:" نصنع منتجات كالدبس، وخلّ العنب، وعصير العنب، والملبن، والعنابية، والزبيب، وسماق العنب، وغيرها من المنتجات، وجميعها خالية من المواد الحافظة والسكر".
وذكرت أن الجمعية التي تتكون من طاقم عمل نسائي، تسوّق منتجاتها عبر صفحات خاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، والعلاقات الشخصية، والمعارض والجمعيات.
وقالت:" صناعة الدبس، ومنتجات العنب كافة، تراث فلسطيني ورثناه عن أجدادنا، وتعلمناه لنحميه ونحافظ عليه".
وتشتهر مدينة الخليل، بزراعة العنب، الذي يعد من أجود أصناف العنب الذي يباع في الأسواق بصوت الباعة في مدن الضفة كلها "خليلي يا عنب".