تفوح رائحتها من على بعد عشرات الأمتار، وتتميز بمذاقها الخاص الجذاب لدخول التوابل في تحضيرها، فيما يحرص معظم زائري إسطنبول على تناول الأكلة التي تكتمل زيارة المدينة بها وتتولّد الرغبة بالعودة إليها مرة أخرى.
إنها أكلة "الكوكوريج" الشهيرة والمميزة، التي تفوح رائحتها في أحياء إسطنبول السياحية، والتي تقدم عبر عربات أو محال منتشرة في تلك الأحياء.
و"الكوكوريج" أحشاء مستخرجة من المواشي، تعد وتشوى على الفحم بطريقة معينة، بعد أن يضاف لها التوابل، وتقدم مع الخبز لتصبح وجبة لذيذة.
ويعتمد الباعة على أحشاء الخراف الصغيرة بشكل عام كونها لينة، وبعد أن تمر بمراحل من التنظيف والتعقيم، وإضافة المستلزمات التي يصفها الباعة بأنها "سر المهنة"، تلف على أسياخ كبيرة مخصصة للشواء.
وقبيل بدء عملية لف الأحشاء، توضع بعض الدهون، وبعدها تُلف على الأسياخ لتصبح جاهزة للشوي.
بعد وضعها على النار بشكل أفقي، يبدأ سيخ "الكوكوريج" بالدوران، ليبعث رائحة تجذب الزبائن من مسافات بعيدة.
وتقول مصادر تاريخية أن أكلة "الكوكوريج" ظهرت في دول أوروبية، قبل دخولها تركيا عبر مدينة إزمير (غرب) منذ نحو خمسين عاما، وانتقلت لاحقا إلى عموم الولايات لتنتشر وتصبح ضمن الوجبات الأساسية والمميزة.
ومتعة النزهة في إسطنبول، لا تكتمل إلا بخوض تجربة تذوّق أكلة "الكوكوريج" المميزة.
حسن دمير كايا، صاحب محل صغير في منقطة "أمين أونو" المركزية بإسطنبول، يعمل يوميا في بيع الوجبة للزبائن من السياح والمقيمين.
يحمل محل كايا اسم "ملك الكوكوريج" (Kral Kokoreç)، ويقع في منطقة إقبال سياحي، إذ يجلس الزبائن منتظرين الحصول على وجبة من تلك الأسياخ المصفوفة فوق الجمر.
أصبح كايا خبيرا في هذه المهنة، لعمله فيها منذ أكثر من 30 عاما، الأمر الذي جعله بارعا وصاحب سمعة طيبة، حسب قوله للأناضول.
ويضيف في شرح المهنة "الكوكوريج صعبة الإعداد (..) فور إحضار الأحشاء من المسالخ (أماكن ذبح المواشي)، لا بد من العمل عليها فورا، فالانتظار يغير لونها ويجعلها غير صالحة".
ويتابع "تحضيرها وتتبيلها (إضافة التوابل) أمر مهم جدا أيضا".
"وتنتقل الأحشاء عبر خمسة مراحل ينفذها أشخاص مختلفون، قبل أن تصل مرحلة الشواء، وأنا من يشرف عليها، فأنا متأكد من نظافتها ولفها"، يضيف كايا.
وحول عملية تنظيفها يقول "يتم بداية غسلها بالمياه بعد استخراج الأحشاء من الحيوان مباشرة، ثم باستخدام الماء الفاتر، وللتخلص من البكتيريا والقضاء عليها، توضع في أوانٍ مملوءة بالحليب يوما كاملا".
ويتابع كايا الحديث "بعد ذلك توضع في الفرن وتُلف، ثم نبدأ بشويها على الفحم وتقديمها للزبائن".
ويستطرد "أنا أعمل في المهنة منذ سنة 1986 (..) كان معلمي (رب العمل) من ألبانيا، وهناك أمور مميزة تعلمتها منه، وتمنح الأكلة لذة مميزة".
ويرفض بائع "الكوكوريج" الإفصاح عن سر المهنة الذي يكمن في نوع البهارات.
ويؤكد أن "تقديم الأكلة مع إضافة المكونات المميزة أمر مهم، لكي لا تصبح الكوكوريج قاسية يصعب أكلها".
ويشير كايا بحكم خبرته، إلى أن الأحشاء تؤخذ من الخراف حصرا، لأن المأخوذة من العجول تكون قاسية، ولا يمكن تقطيعها بسهولة.
وقبل تناولها، تضاف بهارات معينة منها الزعتر البري اليابس (كيكيك)، والفلفل الأحمر المطحون، وأحيانا البندورة، حسب وصفة كايا.
وبحسب المتحدث، فإنه "في إزمير يضاف الكمون، أما في إسطنبول يكتفي الناس بالزعتر والفلفل".
"هناك طلب وإقبال كبير من الزبائن، لذلك أنا أبيع كل الكمية التي أحضرها في اليوم"، هكذا يضيف.
ووفق كايا، فإن الإقبال يكثر نهاية الأسبوع، وهناك حضور من السياح الأجانب بنسبة 30% وخاصة من الروس والبريطانيين، وغيرهم.
وعن انطباعات الزبائن الأجانب يقول "بداية يستغربون الأكلة وشكلها، لكن بعد تجربتها يطلبون وجبة أخرى".
المواطن التركي "سادات من فان"، أحد زبائن دكان كايا، جاء لزيارة إسطنبول من إحدى مدن شرقي البلاد، وبعد جولة سياحية في المنطقة، فضّل تناول وجبة من "الكوكوريج".
"من فان" قال لمراسل الأناضول "الكوكوريج طعم باق على لساننا منذ كنّا نقيم في إسطنبول قبل سنوات.. كنا نشتريها من الباعة المتجولين".
وأضاف "عندما نأتي إلى هنا (إسطنبول) نشعر بهذا الطعم، ونرغب بأكلها (..) طعمها لذيذ ومميز ومختلف تماما".
أما الحاجة عائشة، فقالت إن المكان يعجبها، مشيرةً أن كايا "يقدّم الأكلة بشكل نظيف ومذاق جيد".
وتضيف للأناضول "منذ 30 عاما أحضر لآكل منها.. يعجبني الطعم اللذيذ المميز خاصة في هذا المكان الذي يجعلني مطمئنة".