خلال السنوات الأخيرة شهدت مصر تحولات لذوي توجهات عديدة نحو تنظيمات إرهابية، ما تسبب في خسائر بشرية وأضرار مادية، ودفع النظام الحاكم إلى اتخاذ إجراءات مشددة، أحدثها إطلاق عملية عسكرية في أنحاء البلاد.
هذه التحولات، التي برزت قبل ثورة يناير/ كانون ثان 2011، وتصاعدت منذ عام 2013، يعزوها مختصون، في أحاديث منفصلة للأناضول، إلى خمسة أسباب محلية وإقليمية، تتمثل في: إغلاق المجال العام، وتنامي الفكر المتطرف داخل السجون، وتراجع نفوذ التيار الإسلامي، والشعور بالتهميش، واضطراب الأوضاع الإقليمية.
ولا يوجد إحصاء بعدد من دفعتهم تلك الأسباب إلى التطرف، غير أن بيانات رسمية تفيد بضبط وقتل مئات من "الإرهابين"، خلال السنوات الماضية، وهو ما يعتبره حقوقيون "تصفية جسدية".
** تيارات عديدة
قبل أيام أُثير جدل حول "الانتماء الداعشي"، إثر ظهور عمر الديب، وهو نجل قيادي إسلامي بزي عسكري، في مقطع مسجل، يوم 11 فبراير/ شباط الجاري، مبايعًا أمير التنظيم الإرهابي، أبو بكر البغدادي، وذلك بعد أشهر من إعلان الأمن مقتل الديب وآخرين في تبادل إطلاق نار غرب القاهرة.
وفي المقطع ظهر عمر، نجل إبراهيم الديب، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ينتقد سلمية الجماعة، معتبرًا أن "خط داعش الفكري والحركي هو الصحيح".
عبر بيان، اعتبر الديب أن ابنه "ضحية ونموذج لجيل كامل سرق منهم حلمهم في ثورة يناير (كانون ثان) 2011 (..) ونظام أطاح بالتجربة الديمقراطية".
وحين كان السيسي وزيرا للدفاع، أُطيح، في 3 يوليو/ تموز 2013، بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، وذلك بعد عام من فوزه بأول انتخابات رئاسية، عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الاسبق، محمد حسني مبارك (1981-2011).
واقعة نسب الديب إلى "داعش" ليست الأولى في مصر، إذ سبقتها وقائع مشابهة لمنتمين إلى تيارات مغايرة للإسلاميين، إضافة إلى أفراد سابقين في الجيش والشرطة.
وهذه الوقائع تخص قرابة 400 شخص، بحسب تصريحات متلفزة مؤخرا للناشطة الحقوقية، المقربة من النظام الحاكم، داليا زيادة، اعتبرتهم "منتمين للإخوان".
وردت جماعة الإخوان، في بيان الأحد الماضي، قائلة إن "من لا يلتزم بمنهج الجماعة السلمي لا يمت لها بصلة، وإن ادعى غير ذلك".
وقال القيادي في الجماعة، أحمد رامي، للأناضول، إن "التطرف لا يتفق مع نهج الإخوان، فللجماعة مدارس عدة في مواجهته، وقصْر التطرف على شباب الإسلاميين هو افتئات على الحقيقة".
اتهام الدعشنة نال أيضا، في أواخر 2015، شاب يدعى عمرو محمود عبد الفتاح، كان معارضًا للإخوان، ومؤيدًا لأفكار محمد البرادعي (ليبرالي)، النائب السابق للرئيس المصري، إبان ثورة 2011.
آنذاك ظهر عمرو بكنية "وضاح المهاجر" كمنفذ مع آخر لتفجير استهدف فندق يقيم فيه قضاة بشبه جزيرة سيناء المصرية (شمال شرق)، ما أسفر عن مقتل ثلاثة شرطيين وقاضيين.
كما اُتهم شرطيون وعسكريون سابقون بتبني الفكر الإرهابي، لكن لم يبرز منهم سوى اسما هشام عشماوي، وعماد عبد الحميد.
وهشام وعماد هما ضابطان سابقان بالجيش فصلا منه، بدعوى "تشددهما الديني"، قبل ثورة 2011، وتورطا في عمليات عنف، لاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة، وفق روايات صحفية متطابقة.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة، ظهرت حركات مسلحة يقودها شباب، أبرزها حركتا "حسم" و"لواء الثورة"، والتي وضعتهما الولايات المتحدة الأمريكية، الشهر الماضي، على قائمتها لما تعتبرها تنظيمات إرهابية.
** دعوات للتجنيد
منتصف الشهر الجاري، دعا زعيم تنظيم القاعدة، المصري أيمن الظواهري، في تسجيل صوتي، الإسلاميين إلى التخلص مما قال إنها أخطاء الماضي، والانضمام إليه.
وجاءت هذه الدعوة بعد خمسة أيام من دعوة مماثلة موجهة من ولاية سيناء (التابعة لداعش).
واعتبر مراقبون أن هاتين الدعوتين تعكسان تراجعا في وتيرة التجنيد في الجماعات الإرهابية، في ظل تحذيرات من وقوع شباب في شباكها.
وتزامنت دعوتا "القاعدة" و"داعش" مع حملة عسكرية ينفذها الجيش المصري في أنحاء عديدة، بينها سيناء، منذ 9 فبراير/ شباط الجاري.
** الدوافع الخمسة
ووفق مختصين فإن ثمة خمسة دوافع تقود مصريين إلى التطرف: وهي:
1- المجال العام
تختلف أسباب "الدعشنة" من شخص إلى آخر، وفق الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، أحمد مولانا.
مولانا قال للأناضول إن "انسداد آفاق العمل السلمي والسياسي في دول الربيع العربي جعل تنظيم داعش وغيره يمثل متنفسا للتغيير".
ويُقصد بالربيع العربي ثورات شعبية، بدأت أواخر عام 2010، وأطاحت بالأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.
واتفق مع هذا الطرح الناشط الحقوقي، عزت غنيم، بقوله للأناضول إن "ضيق الأفق السياسي وإغلاق منافذ العمل المدني يصنع التطرف".
لكن أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، قلل، في حديث للأناضول، من أهمية هذا الدافع، قائلا إن "أغلب المصريين غير راضين عن الوضع السياسي في البلاد، لكنهم لم يتطرفوا".
ومقابل انتقادات داخلية وخارجية تقول السلطات المصرية إنها تتحرك في ظرف استثنائي، حيث تواجه إرهابًا، وتشدد على تمسكها بفتح المجال العام أمام الجميع، وفقًا للقانون والدستور.
2- السجون
يقول مراقبون إن "انتهاكات" يمارسها القائمون على السجون بحق سجناء معارضين ساهمت في تبني البعض "التكفير واستحلال الدماء"، وهو ما ترد عليه السلطات عادة بالنفي، وتعتبره "تشويهًا ممنهجًا".
ما يعزز مخاوف هذا الطرح أن تقاريرا صحفية أفادت بأن سجناء سابقين نفذوا عمليات إرهابية، خلال العامين الماضيين، بعد خروجهم من السجن.
وحذر الحقوقي عزت غنيم "مما يحدث من تحولات لشباب داخل السجون باتجاه تبني أراء العنف"، ودعا إلى "تعامل قائم على احترام الحقوق المدنية".
وخلال السنوات الأخيرة، استجلبت السجون وعاظًا لحث السجناء على نبذ التطرف، بحسب تقارير محلية وبيانات لوزارة الداخلية.
3- تراجع الإسلاميين
"تعد إشكالية تراجع الإسلاميين عن تقديم نماذج عملية لمناهج التغيير التي تتبناها، في ظل استهدافهم، أحد أسباب التطرف، لاسيما بعد الإطاحة بمرسي (المنتمي لجماعة الإخوان)"، وفق الباحث مولانا.
وتقول جماعة الإخوان وحقوقيون إن السجون تمتلأ بآلاف السياسيين، أغلبهم إسلاميون، بينما تقول السلطات إنهم سجناء جنائيين.
وفرضت مصر إجراءات قضائية وأمنية ضد الإسلاميين، منها اعتبار الإخوان تنظيما إرهابيا في 2013، ما أسهم في غلق منافذ العمل السلمي لكتلة كبيرة في المجتمع، وفق مراقبين.
4- البحث عن دور
بحسب الأكاديمي سعيد صادق فإن "حب المغامرة والتهميش يدفعان إلى التطرف أحيانا".
ومضى قائلا إن "ظهور تنظيم داعش قويا، عبر ما تسمي دول الخلافة، جذب متطرفين يبحثون عن أحلام ووضع خاص، بعد أن كانوا أعضاء في جماعات أقل انتشارًا من التنظيم الإرهابي".
واضاف صادق أن "أعمار غالبية الدواعش تتراوح بين 14 و28 سنة، أي بين المراهقة والنضوج، وهي مرحلة البحث عن دور".
5- الأوضاع الإقليمية
صادق اعتبر أيضا أن "الأوضاع الإقليمية المضطربة ساهمت في ظهور دواعش، لاسيما في سوريا والعراق، قبل أن نرى منهم في مصر".
ووافقه في هذا الطرح الباحث مولانا بقوله إن "تبني التنظيم للمواجهة، في ظل حملات القمع والإبادة الحالية التي تشنها أنظمة ودول كبرى، كالولايات المتحدة وروسيا ودول إقليمية مثل إيران، دفع كثيرين إلى الارتماء في أحضان داعش".
وأعرب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في بيان الأسبوع الماضي، عن قلق بلاده من محاولات إرهابيي "داعش" الهرب من سوريا والعراق إلى (الجارة الغربية) ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي.
** مواجهة "الدعشنة"
ويعرب مراقبون عن قلقهم من احتمال تزايد عمليات تجنيد مصريين في "داعش" مستقبلا.
لكن صادق قلل من هذه الاحتمال، لـ"أسباب مرتبطة بالحملات العسكرية والأمنية التي تنفذها مصر على أوكار الإرهاب، وبنيته التحتية".
غير أنه استدرك قائلا: "لكن ما يحدث هو تحجيم لن ينهي الإرهاب تماما، وستبقى عناصر إرهابية مقلقة".
وختم صادق حديثه بدعوة الحكومة المصرية إلى "تدشين استراتيجية شاملة لمواجهة الفكر المتطرف".