بصندوق خشبي متضمنا عدة أرفف، يرتكن على جانب شارع رئيسي وسط القاهرة، تتراص كتب ومجلات وروايات تحت لافتة مدون عليها "خذ كتابا وضع كتابا".
تلك اللافتة هي شعار مبادرة ثقافية أطلقها ويمولها رجل أعمال، واستطاعت في غضون أسابيع أن تفسح لنفسها مكانا وسط زحام العاصمة التي لا تنام.
دون رسوم مالية وبشرط المبادلة، تعتمد تلك المبادرة الوليدة على وضع مكتبة مجانية مصغرة أمام المارة على مدار الليل والنهار، لتعظيم الاستفادة المعلوماتية والثقافية، وسط القاهرة، تلك المنطقة التي تشهد زخما مروريا إثر تكدس المقاهي والمحال التجارية.
وتعود فكرة مبادرة "خذ كتابا وضع كتابا" لرجل الأعمال المصري المهتم بالقراءة والأنشطة الثقافية، نادر رياض، رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني (غير حكومي)، وتقوم على الحصول على كتاب من المكتبة مقابل وضع كتاب آخر (المبادلة)، من أجل تدوير الكتب وتعميم الفائدة.
وبإمكان رواد شوارع وسط القاهرة، أن يقتنوا الكتب والروايات ويقرأون ما تيسر منها أثناء جلوسهم على مقاعد مجاورة ثم يضعونها مجددا في مكانها على الأرفف قبل الرحيل، وذلك في حال عدم وجود كتب للمبادلة.
وبحسب مراسل الأناضول، فإن الصندوق الخشبي الأشبه بـ"الدولاب" يثير فضول الكثير من شوارع وسط القاهرة، الذين يبدون إعجابهم بالفكرة التي تم تعميمها على أكثر من شارع.
وفي أغسطس/آب الماضي، أعلن محافظ القاهرة، عاطف عبد الحميد، عن رعايته لمبادرة "خذ كتابا وضع كتابا" (دخلت حيذ التنفيذ قبل أسابيع)، متعهدا بتعميم تلك المبادرة في بعض أحياء العاصمة.
وتحت عنوان "الاستعلام والشكاوى"، تم لصق ورقة بأرقام هاتفية على جميع المكتبات الوليدة، للرد على استفسارات روادها، لدعم وتعزيز التواصل بين مؤسسي المبادرة والمتفاعلين معها، لتجنب أي مشكلات مستقبلية، وأيضا لتقديم اقتراحات تخدم المبادرة.
لبيب سمير، أحد المسؤولين عن المبادرة، يقول للأناضول، إن فكرة مكتبات الأرصفة تم تطبيقها منذ أيام في شارعي الألفي وعماد الدين، وسط القاهرة، بواقع 3 مكتبات تحمل صنوفا متنوعة من الكتب والروايات والمجلات معظمها في مجالات الثقافة والإبداع والأدب.
ويوضح سمير أنه من المقرر إنشاء 8 مكتبات أخرى خلال الأشهر المقبلة، إذا لاقت المبادرة رواجا وترحيبا وتشجيعا من المواطنين، ليتم تعميمها على أحياء أخرى بالقاهرة.
ويضيف: "المكتبات تناسب مختلف الأعمار والتوجهات الفكرية وتناقش مختلف المجالات، إضافة إلى الحرص على مخاطبة جمهور الأطفال أيضًا عبر طرح مجلات خاصة بأعمارهم، ويتم تحديث المكتبات أسبوعيا".
وبحسب دراسة أصدرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، في عام 2013، بعنوان "ماذا يقرأ المصريون؟"، فإن عدد الأسر المصرية التي يقوم أحد أفرادها بممارسة القراءة على الأقل تقدر بنحو 2.2 مليون أسرة (عدد السكان حاليا نحو 100 مليون نسمة).
وأوضحت الدراسة أن 65% من الشباب الذين يواظبون على القراءة يهتمون بقراءة الكتب الدينية تليها العلمية والتاريخية بنسبة 36% و34% على التوالي.
وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، شهدت مصر مشروعا ثقافيا ضخما باسم "القراءة للجميع"، نال دعم وتشجيع جميع مؤسسات الدولة آنذاك كونه طرح بمبادرة من قرينة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (1981-2011)، ما ساهم في نجاح المشروع.
وكان هذا المشروع يطرح كتبا بأسعار زهيدة طوال 20 عاما، لتشجيع جميع قطاعات الشعب المصري على القراءة.
**ليسوا على قدم المساواة
ورغم إشراقية الصورة التي بدت عليها المبادرة الوليد لمكتبات الأرصفة، فإن السلطات المصرية أغلقت خلال نحو عام، عدة مكتبات غير ربحية تهدف إلى الاطلاع وتعزيز الاهتمام بالقراءة، أسستها شخصيات معارضة.
ففي سبتمبر/أيلول الماضي تم إغلاق مكتبة "البلد" بالقاهرة لصاحبها فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي (معارض)"، بدعوى عدم امتلاكها تراخيص من هيئة المصنفات الفنية (مختصة بالفصل في جرائم التعدي على حقوق الملكية الفكرية) التابعة لوزارة الثقافة.
وفي أغسطس/آب الماضي، أصدرت السلطات قرارًا بالتحفظ على أموال شركة مالكة لمكتبات بالقاهرة والإسكندرية (شمال) تدعى "ألف"، بدعوى ارتباطها بجماعة الإخوان المحظورة رسميا، وهو ما نفته إدارة المكتبة.
وقبل نحو عام، أغلقت السلطات سلسلة مكتبات "الكرامة" (تضم أكثر من 30 ألف كتاب ويستفيد منها 260 ألف طفل) في 6 أحياء شعبية بالقاهرة، والتي تم إنشاؤها ضمن مشروع تنموي تحت رعاية الحقوقي المصري المعارض جمال عيد.
وأجاب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي في مؤتمر للشباب كان يبث على الهواء مباشرة على سؤال بخصوص غلق مكتبات "الكرامة" بالتأكيد على أنه "إجراء قانوني".
فيما قال جمال عيد في اتصال هاتفي مع "الأناضول"، إن غلق المكتبة قرار أمني وليس إداريا أو قضائيا.
الكاتبة والروائية المصرية بسمة عبد العزيز، التي اختارتها مجلة فورين بوليسي واحدة من 100 شخصية من قادة الفكر في العالم لعام 2016، تقول إن "مصر شهدت غلق مكتبات بسبب توجهات أصحابها ودورهم الحقوقي، مثل مكتبات الكرامة، ومكتبة البلد".
وفي حديثها للأناضول، أشارت عبد العزيز في الوقت نفسه إلى أن "وجود المبادرات الثقافية واستمرارها شيء جيد"، مؤكدة أن "المبادرات عندما تأتي من أشخاص ليس لهم توجه سياسي تستمر".