شهد عام 2017 خطوات عملية لوقف إطلاق النار في مناطق سورية عديدة، تمخضت عن اجتماعات "أستانة 4"، في 4 مايو/أيار الماضي، حيث اتفقت الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) على إقامة "مناطق خفض التوتر"، يتم بموجبها نشر وحدات من قواتها لحفظ الأمن في تلك المناطق.
بعد يومين بدأ سريان الاتفاق، وشمل أربع مناطق هي: محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب وأجزاء من ريف اللاذقية (شمال غرب) وحماة (وسط)، والثانية في ريف حمص الشمالي (وسط)، والثالثة في ريف دمشق، والمنطقة الرابعة في الجنوب (درعا)، على الحدود مع الأردن.
لعب الأردن دوراً واضحاً في رسم الخطوات الأولى، التي مهدت الطريق لتطبيق "مناطق خفض التوتر"، بعد الاتفاق الذي أعلنه مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، في يوليو/تموز الماضي، والقاضي بوقف إطلاق النار بين قوات النظام وقوات المعارضة جنوب غربي سوريا.
الاتفاق، الذي دخل حيّز التنفيذ في التاسع من الشهر نفسه، أعقبه إعلان تفعيل مركز عمان لمراقبة تنفيذ اتفاق خفض التوتر في المنطقة ذاتها.
وفي الثلث الأول من نوفمبر/تشرين ثانٍ الماضي، أعلنت عمان عن اتفاق ثلاثي أردني أمريكي روسي على تأسيس منطقة لخفض التوتر جنوبي سوريا.
عبر دوره في تطورات الجنوب السوري أثبت الأردن أن مناطق "خفض التوتر" هي مشروع قابل للتطبيق، ويمكن الارتكاز عليه مستقبلاً في شكل إدارة المناطق، لا سيما وأنه من أكثر الدول تأثراً بتداعيات الظروف التي تعيشها جارته الشمالية.
- نزع فتيل الأزمة ومواجهة الإرهابيين
محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، المتحدث باسم الحكومة الأردنية، اعتبر في تصريح للأناضول، أن "مناطق خفض التوتر هي خطوة على الطريق لنزع فتيل الأزمة السورية (المستمرة منذ عام 2011)، والتمهيد للوصول إلى حل سياسي عبر مسار جنيف".
وأوضح المومني أن "الأردن يرتبط مع سوريا بحدود جغرافية طويلة، وتأثر بالصراع الدائر فيها، فكان لا بد له من الإسهام في تحقيق تقدم على الأرض يحفظ وحدة الأراضي وسلامة الشعب".
وشدد على أن "إنشاء مناطق خفض التوتر هي وسيلة مهمة لتركيز القتال داخل سوريا في مواجهة التنظيمات المتطرفة، مثل داعش وغيرها".
- مؤشرات إيجابية للأزمة السورية
رائد الخزاعلة، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان)، رأى أن "الأمور في المنطقة دون ثوابت.. توجد اضطرابات وعدم استقرار، لكن عام 2017 عامة حمل مؤشرات إيجابية بالنسبة للأزمة السورية".
ومضى الخزاعلة قائلا، في حديثه للأناضول، إن "مناطق خفض التوتر هي مصلحة مشتركة للأمة بأكملها، وفيما يتعلق بالأردن فالجنوب السوري يدخل في عمقنا، ولا يمكن كدولة أن نترك الأمور بمنأى عن اتخاذ إجراءات مناسبة".
واعتبر أنه "إذا استمرت الأمور دون عبث جديد في المنطقة، فسيكون هناك مناطق خفض توتر إضافية في سوريا".
ودعا النائب الأردني كافة الأطراف ذات المصلحة إلى "التمسك بأن الأزمة لن تحل إلا سياسيا"، محذرا من أنه "غير ذلك ستكون هناك خسائر إضافية".
- مصالح وتحديات
ووفق عريب الرنتاوي، رئيس مركز القدس للدراسات السياسية (غير حكومي)، فإن "مناطق خفض التصعيد التي نتجت عن مسار أستانة تعد من أبرز التطورات في سجل الأزمة السورية الممتدة منذ سبع سنوات، فهذه الاتفاقيات فتحت الأفق لحل سياسي للأزمة، ووفرت أرضية للمساعدة في إطلاق مسار جنيف للحل السياسي".
وأوضح الرنتاويي، في حديث للأناضول، أن "منطقة الجنوب الغربي السوري تعد بالنسبة للأردن منطقة حدودية، وله دور مهم فيها، ويؤثر على مجريات الأحداث".
وتابع "لذلك لعب الأردن دورا بارزا في التقريب بين وجهات النظر الروسية الأمريكية، وفي تسهيل عملية الحوار والتوافق، لتذليل العقبات أمام إطلاق هذه المنطقة (خفض التوتر جنوبي سوريا)".
وأردف "غرفة العمليات الثلاثية في عمان، المكونة من روسيا والولايات المتحدة والأردن، تتابع الموضوع عن كثب في ظل وجود مسؤولين من هذه الدول".
وعن مصالح بلاده في هذه المناطق، أرجع الرنتاوي الأمر إلى أربعة أسباب، هي "تدمير المنظمات الإرهابية في هذه المناطق، وإبقاء المليشيات الطائفية بعيدة عن خط الحدود لمسافة آمنة، وتمكين لاجئين (سوريين في الأردن) من العودة إلى ديارهم، خاصة وأن جزءا كبيرا منهم ينحدر من تلك المناطق، إضافة إلى إعادة فتح المعبر الحدودي بين الأردن وسوريا، لاستئناف حركة الأفراد والبضائع وعبر سوريا إلى تركيا ولبنان".
ويرتبط الأردن مع سوريا بحدود طولها 375 كلم، ما جعل المملكة من الدول الأكثر استقبالاً للاجئين السوريين، بعدد بلغ 1.3 مليون، نصفهم يحملون صفة "لاجئ"، بحسب تقارير رسمية.
وكشف الرنتاوي عن أن منطقة خفض التوتر في الجنوب السوري تواجه تحديين، وهما "إسرائيل تعتبر أن بقاء جبهة النصرة (جنوبي سوريا) قد يمثل حاجزا أمام تمدد (جماعة) حزب الله (اللبنانية) والمليشيات الإيرانية على مقربة من القنيطرة والجولان المحتل، وهي لا تخفِ علاقاتها معهم (جبهة النصرة)، وأحياناً تقدم لهم دعماً لوجستيا أو غطاء مدفعيا وجويا وغير ذلك".
واستطرد "إسرائيل حتى الآن غير متحمسة لمناطق خفض التصعيد، والمصلحة الإسرائيلية العليا تتمثل في إطالة أمد الأزمة، باعتبار أن كل الأطراف المنخرطة فيها هي معادية لها".
أما التحدي الثاني، بحسب الرنتاوي، فهو "ناجم عن فشل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين المعارضة والنظام السوري، التي حصلت في فتح معبر جابر نصيب (بين البلدين)، وهذا يعطل العملية".
ورغم ذلك، تابع الرنتاوي "أمام استمرار الجهود والتنسيق ورغبة بعض الأطراف الأساسية في إغلاق هذا الملف، لا زال الرهان الأردني منعقد على إمكانية إنجاز منطقة خفض التوتر والتصعيد، وتعزيز حالة الهدوء في هذه المنطقة، وحل الاشكاليات التي تعترض طريق الحفاظ على المصالح الأردنية".
- خروقات النظام
وعن الوضع الراهن في المنطقة الجنوبية، قال المقدم نجم أبو المجد، القيادي المعارض في الجبهة الجنوبية، للأناضول، إن "الفترة التي سبقت الاتفاق كانت مرحلة اختبار لخفض التصعيد، وبعد نجاحها تمت المصادقة على الاتفاق والعمل به".
ومضى أبو المجد قائلا "اتفاق خفض التوتر دخل حيز التنفيذ في مناطق جنوب غربي سوريا.. النظام يخرق الاتفاق يوميا، وهو ما يتم توثيقه وإرساله إلى مكتب المراقبة في عمان".
وعن جغرافية المنطقة المشمولة بالاتفاق، ختم القيادي في المعارضة بقوله إنها "تشمل المناطق المحررة، والواقعة تحت سيطرة الجبهة الجنوبية في كل من درعا والقنيطرة (جنوب غرب)".