على متن قوارب خشبية قديمة عائمة فوق المياه، ومن مكانها في قلب إسطنبول النابض بالحياة، تأخذ وجبة السمك (الساندويتش) مكانها ضمن أجمل لوحة فنية تشرف على بحار إسطنبول، يقبل عليها الآلاف يوميا من الزائرين.
في منطقة أمينونو التاريخية، على ملتقى مضيق البوسفور وخليج القرن الذهبي، ترتصف القوارب ملتصقة ببعضها، حيث تشوى الأسماك، وتوضع داخل الخبز التركي مع الخضار، ليتلقفها زوار المكان من الأتراك والعرب.
ومن أجل الجلوس وتناول وجبة السمك في المكان التاريخي المزدحم، ربما تحتاج للانتظار ريثما تجد مكانا فارغا من الطاولات الممتدة على مقربة من القوارب، ولربما يحالفك الحظ فتجد مكانا جميلا، لتستمتع بوجبتك مع المنظر الجميل، وتمازج الثقافات في المكان.
القوارب المصممة على شكل تراثي، والتي تضم عدة قباب بطرازها العثماني، تحمل على متنها عددا من العاملين الذين ينشغلون بشوي الأسماك وتحضير السندويتشات حسب الطلب، ليتم نقلها إلى طاولات الزبائن، بشكل متواتر ومنتظم على مدار الساعة.
أما الأسماك نفسها، ففي غالبها مستوردة من النرويج، بعد أن عجزت مياه الخليج والبوسفور في تركيا، عن تلبية الطلب الكبير على هذا النوع من الأسماك.
العم "بايرام صاري سوز"، رجل مسن، والذي يعمل في مجال شوي الأسماك وإعداد الساندويتشات منذ العام 1972، تحدث لمراسل الأناضول، عن مهنته التي يمارسها من عشرات السنين.
يقول صاري سوز، إن سمك الإسقمري (الماكريل) المستورد من النرويج، يدخل في عدة مراحل قبل وصوله إلى أيادي الزبائن، رواد القوارب العائمة.
ويشرح المسن، أن الأسماك تدخل عملية التنظيف فور وصولها من الاستيراد في مكان مخصص لذلك، ثم يتم تجميدها وإرسالها إلى القوارب لاحقاً، حيث يتم شواؤها وتقديمها طازجة للزبائن.
وفي حديثه عن انطباعات الزبائن، لفت إلى أن "المواطنين يستمتعون بتلك الوجبة، حيث إنها مادة غذائية نظيفة، ووجبة مضمونة، ومفيدة للصحة وللأطفال".
وبهذا الخصوص ذكر صاري سوز، أن الوجبة تحقق معايير الرضا لدى الزبائن، مبيناً أن سعر الوجبة مناسب، وهو 10 ليرات تركية (نحو ثلاثة دولارات)، وأنها تكفي لشخص واحد.
أما عن شغفه بعمله، أفاد "عملنا هو مهنة الأجداد، وهي مهنة تقليدية قديمة فيها حنين لأسلافنا، والمكان الذي نعمل فيه شهير، ويوجد له إعلانات في مختلف دول العالم".
وأضاف "في سيدني بأستراليا، هناك إعلانات للمكان، كما أن جميع الأوساط تنصح زائري تركيا بزيارة المكان، والسائحون يأتون ويعبرون عن سعادتهم هنا، فهو مناسب من ناحية السعر والصحة، وكما ترون الجميع هنا مسرور وأنا كذلك".
وأثناء جولة في المكان، رصدت الأناضول ازدحام المحلات (القوارب) بالزبائن، حتى أن جميع الطاولات كانت مشغولة، والطلبات تستمر على قدم وساق، وبائعو المشروبات يجوبون الطاولات، لبيع منتجاتهم مع الوجبات.
الزبون عبد المحسن مليحان، وهو سعودي من المدينة المنورة، قال إنه يزور المكان منذ خمس سنوات، مبيناً أنه يحرص في كل زيارة لإسطنبول، على زيارة "أمينونو" لتناول الأسمال المشوية.
واعتبر "مليحان" في حديثه للأناضول، أن وجبة السمك "من أشهى وألذ المكاولات في تركيا، وأنصح كل من يأتي أن يجرب وجبة السمك هذه".
وحول انطباعه عن المكان، أردف "الأجواء هنا شاعرية، والجلسة مع السمك تضيف لها متعة ثانية".
أما التركي، بكير صاغلام، فأوضح من ناحيته "آتي هنا خصيصا من أجل تناول السمك، فلا أكاد أعثر على نفس الطعم في مكان آخر حتى لو تم تحضيره في المنزل".
وعن أسباب ذلك أضاف "هنا له طعم خاص، ومجيئنا لهذا لمكان فيه مواصفات تمتاز بها، وهي الطعم، والوجبة مميزة، والمكان له قيمة تاريخية، وفيه متعة مختلفة (..) وإلا لكنّا ذهبنا إلى المطاعم، وتناولنا السمك هناك".
ويرى البعض أن وجبة السمك هذه لا يكتمل طعمها إلى عبر المخللات ونقيعها (شلغم)، حيث تنتشر مجموعة من العربات التي تبيع هذا المنتج، إذ يربط الأتراك طعام السمك مع أكل المخلل وشرب نقيعه.
مصطفى، هو أحد باعة المخللات منذ سنوات طويلة في نفس المكان، قال "أنا هنا منذ 22 عاما، وهناك ارتباط وثيق بين السمك وأكل المخللات وشرب نقيعه".
ولفت إلى أن "كثيرا من القادمين لا يمكنهم أكل السمك بغياب هذه المخللات، وهناك أنواع عديدة منها، الحارة، والعادية، من مخلل الخيار والملفوف والشمندر والفلفل، وهناك إقبال من الزبائن المحليين أكثر، بينما السواح يترددون بتجربته".
وتعتبر منطقة أمينونو من أهم المناطق الحيوية في إسطنبول، حيث موقعها الجغرافي الهام عند تلاقي مضيق البوسفور بخليج القرن الذهبي، وأماكن أثرية قديمة مثل برج غلاطة، والجامع الجديد، والسوق المصري، وأحياء تاريخية قريبة من منطقتي "السلطان أحمد"، و"الفاتح".