"وراء كل أغنية قصة تكمّل لوحة الذكريات التي ترسمها"؛ من هنا انطلق الكاتب المصري مصطفى حمدي، ليبحث في سير الأغنيات المصرية في الثمانينيات والتسعينيات، والتي اعتبرها مسار تحول في شكل الموسيقى.
وخلص الكاتب الصحفي والسيناريست المصري في بحثه إلى كتاب حمل عنوان "شريط كوكتيل"، الذي يقع في 125 صفحة من القطع المتوسط، وأصدرته حديثا دار "دلتا" للنشر (خاصة).
ويبرر حمدي اختياره لاسم الكتاب في المقدمة بقوله إن "شريط الكوكتيل في حد ذاته يمثل رمزا لهذه المرحلة (الثمانينيات والتسعينيات)".
ورأى أن المستمع كان فيها يميل إلى اختيار قائمة أغنيات مختلفة من ألبومات متعددة لمطربي الجيل، ويضم في هذه القائمة الأغاني المفضلة ضمن شريط كاسيت (تسجيل) مجمع كان يطلق عليه كوكتيل.
ويحكي الكاتب كواليس صناعة 18 أغنية تمثل أشهر ما قدم في مرحلة التسعينيات بمصر، من غناء لمطربين بارزين مثل: عمرو دياب وإيهاب توفيق ومصطفى قمر وحكيم وحميد الشاعري ومحمد منير وغيرهم.
وهذه أسماء يرى الكاتب أنها ساهمت في صناعة بريق الأغنية المصرية خلال هذه الفترة.
لكن القاسم المشترك في أغلب القصص كان الفنان حميد الشاعري (56 عاما)، الذي اعتبره الكتاب رائدا لموسيقى المرحلة، ومفجرا لثورة موسيقية حدثت بمنتصف الثمانينيات بعد سنوات من رحيل جيل العمالقة.
ويتناول حمدي في فصل خاص عن الشاعري حمل عنوان "عودة"، قصة حقيقة دارت بينهما منذ ما يقرب من 16 عاما، تتعلق بأغنية "عودة" التي اعتبرها واحدة من أهم أغنياته.
كاتب الأغنية الشاعر المصري سامح العجمي: "كنا في الاستوديو نتابع تحضيرات ألبوم الفنان الشهير مصطفى قمر الذي حمل اسم لياليك (1992)، وكالعادة كان حميد مشرفا موسيقيا على الألبوم وموزعا لأغنياته".
ويضيف: "سمع حميد الكلمات فأعجبته جدا، وبعد قليل دخل قمر وقال له إنه لحنها وسيضمها لألبومه، لكن الشاعري تمسك بالأغنية وفاز بها بعد رهان على مباراة في لعبة الكوتشينة (الورق)".
ويتنقل الكاتب بين مراحل مختلفة للأغنية المصرية في هذه الحقبة؛ ففي الوقت الذي يرى فيه حميد أيقونة المرحلة يعود ليؤكد أن هذا التطور الحقيقي لم يكن ليظهر لولا أسماء أخرى مثل يحيى خليل (72 عاما) وفرقته التي قدمت تجربة مهمة مع محمد منير في ألبوم "شبابيك" (1981).
ويضيف: "كانت شبابيك نقلة في مشوار منير (63 عاما حاليا)، ثالث ألبوماته وأكثرها وضوحا في مشروع فني ولد على يدي الشاعرين المصريين الراحلين عبد الرحيم منصور ومجدي نجيب، والملحن الراحل أحمد منيب".
ويستدرك الكاتب: "لكنها لمسة يحيى خليل السحرية، الموسيقيّ العائد من أمريكا بثقافة الجاز.. موسيقى طازجة تتفجر في تجاعيد حفرت ملامحها على وجه الأغنية المصرية طوال حقبة السبعينيات".
ويتناول الكاتب الظاهرة الاستثنائية لثمانينيات القرن الماضي في الأغنية المصرية، والتي جاءت تحت عنوان "لولاكي (لولا أنت)" التي صدرت عام 1988.
وفي ذلك يقول حمدي: "صباح 14 مايو (أيار) 1988 صدرت الطبعة الأولى من ألبوم لولاكي، وهو الأول للمطرب البدوي الشاب علي حميدة (52 عامًا) القادم من مطروح (غرب)".
ويضيف في وصف حميدة: "ملامح سمراء وشعر أشعث طويل، حالة تشبه إلى حد كبير تمرد محمد منير على شكل المطربين في الحقبة السابقة، لكنها مختلفة مضمونا".
ويزيد القول: "في تمام التاسعة من مساء اليوم ذاته، طلب موزعو الأغاني طبعة ثانية من المنتج الراحل هاشم يوسف صاحب شركة الشرق للإنتاج".
وحسب الكتاب، فإنه مع نهاية شهر يوليو/تموز كانت الشركة قد أصدرت ما يقرب من 11 طبعة في مصر فقط، بخلاف الطبعات الموجهة للدول العربية، ولم ينته العام إلا وباع حميدة 6 ملايين نسخة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الأغنية العربية.
هي بلا شك مفاجأة لم يتوقعها المنتج الراحل عندما تحمس لحميدة الذي زاره في مقر شركته قبلها بصحبة الملحن المصري سامي الحفناوي، بعد أن طرق أبواب الشركات بحثا عن منتج يسمع صوته، لكن الإحباط تملك الشاب البدوي عندما ذهب ليقابل منتج أغنيات عمرو دياب.
يقول الكاتب: "لم ينس حميدة كيف عامله عم فراج عامل البوفيه (الخدمات) بطريقة غير لائقة عندما طلب منه كوب شاي، فاستجمع ما بقي من كرامته وغادر الشركة فورا".
"لم يجد أمامه سوى الملحن الحفناوي الذي كان معجبا بصوته، فقدمه للمنتج هاشم يوسف الذي كان بدوره متحمسا لتقديم الأصوات الجديدة، فكانت المفاجأة التي اهتز لها عالم الغناء والموسيقي بمصر"، يضيف حمدي.
وبنفس المنطق، ينثر الكاتب غبار الزمن عن تجارب عديدة وأسماء ظهرت واختفت في هذا العالم، مثل الفنانة أميرة (45 عاما) التي قررت الهجرة إلى كندا وهي في عز نجاحها.
وكذلك حنان (53 عاما) التي ابتعدت عن الساحة بعد زيجات وطلاقات متعددة وحياة متخبطة، وحسام حسني (51 عاما) أيقونة فكرة الأغنية المونولجستية، ثم اكتفى بالتوزيع الموسيقي قبل أن يتوارى.