متحملاً عناء السفر لمسافات طويلة، في سبيل الصلاة داخل الحرم القدسي، يواظب الشاب مسلم مرعي (30 عاماً) من قرية " كُفُر بَرَا" في منطقة المثلث (شمال)، على الصلاة في المسجد الأقصى، من خلال مشاركته في مشروع "قوافل الأقصى" منذ خمسة أعوام.
ويشير مرعي للأناضول، أن وجوده في "الأقصى" "إعمارٌ له، خاصة في ظل ما يمر به من محاولات تهويد".
ويعتبر مرعي هذه الرحلة بمثابة "عُمرة" أسبوعية، حيث يعيش من خلالها وسط أجواء إيمانية وروحانية بفضل بركة الزمان والمكان، حسب قوله.
وعلى مدار أيام الأسبوع، ولمسافة تتعدى خمسين كيلو متراً، تنطلق حافلات تقل المصلين من بلدات فلسطينية (أراضي 48)، باتجاه المسجد الأقصى "لعمارته" والصلاة فيه، حاملة شعار "قوافل الأقصى".
وتنظم جمعية "الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية"، قوافل الحافلات للمسجد المبارك، في رحلات تهدف إلى "تعزيز صمود أهالي القدس"، بحسب القائمين عليها.
وتنطلق "قوافل الأقصى" حاملة مئات المصلين من عدة قرى عربية داخل الخط الأخصر (48)، مثل قرية كفر قاسم، كفر برا، كفر كنا، رهط، الناصرة، سخنين، جلجولية والطيرة.
من ناحيته، أشار مدير الجمعية غازي أبو صالح، إلى أن مشروع "قوافل الأقصى" بدأ عام 2000م، عندما أغلقت إسرائيل المناطق الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة) وفصلتها عن القدس، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في عدد من يتمكنون من الوصول إليه.
وأضاف في حديثه للأناضول:" خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت وتيرة اقتحامات الأقصى من قبل اليهود المتشددين، الذين يطالبون بهدم المسجد، ومن هنا جاء دورنا للحفاظ عليه وعمارته طيلة أيام الأسبوع".
وعن فكرة "قوافل الأقصى" قال:" اقتصر المشروع في البداية على صلاة الظهر يومي السبت والأحد، لكن شعرنا أن علينا سد ثغرات الأقصى وألا نذره فارغا من المصلين، وقمنا بتشجيع الناس على شد الرحال إليه يوميا".
واستحدث القائمون على هذه القوافل، مشروع "قافلة صلاة الفجر"، والتي تتم مساء كل خميس، حيث تنطلق عشر حافلات تُقِل خمسمائة مصلٍ، يستيقظون قبيل ساعات الفجر ويحضرون أنفسهم لرحلة ليلية طويلة لأداء صلاة الفجر في الأقصى.
ويشير "أبو صالح" إلى أن فكرة صلاة الفجر، كانت صعبة على كبار السن، واقتصرت على النخبة من الشباب القادرين، ولكن بعد فترة قصيرة، تشجع الجميع شبابا ومسنين، نساء وأطفالا، ليصل عدد البلدات العربية المشاركة 10.
ويصل عدد الحافلات المشاركة بقوافل الأقصى شهريا، مائة، تقل آلاف الفلسطينيين مجاناً إلى المسجد المقدس، في رحلات تتوزع على المناطق حسب الأيام، بما يوفر زيارات يومية في أوقات الصلاة المختلفة من الفجر حتى العشاء.
وأشار مدير الجمعية، إلى أن مشروع "قوافل الأقصى" ليس ممولاً من أحد، إنما يقوم على دعم "أهل الخير" (المتبرعين)، الذين يكفلون حافلات بشكل دوري.
كما تغطي الجمعية قسماً من المصروفات، وتنشر إعلانات تشجع على التبرع لدعم نقل المصلين إلى الأقصى، بحسب "أبو صالح".
عدنان ذياب (45 عام)، أحد المنسقين في "قوافل الأقصى، يشير إلى أنه أحب المسجد الأقصى وزيارته منذ حداثة عمره.
وقال للأناضول:" كنت أبلغ عشرة أعوام فقط عندما كنت آتي إلى هنا، حتى جُبلت على حب الأقصى، وأصبح عقيدة بالنسبة لي".
ومضي قائلا:" على الرغم مما نتعرض له من اعتداءات أو منع من الدخول أو حتى استدعاءات للتحقيق من قبل شرطة الاحتلال الإسرائيلي وبفترات متتالية، إلا أن ذلك لا يثنينا عن زيارة الأقصى والصلاة فيه، وإذا منعنا نصلي خارج أسواره على الإسفلت".
ويتعرض المصلون في أوقات كثيرة للمنع من الدخول للمسجد، أو تأخير للباصات في الطريق، بحجة التفتيش، وأحيانا يتم اعتقال القائمين على المشروع، بتهم عديدة منها "نقل مصلين إلى المسجد الأقصى".
ولا يقتصر عمل الجمعية على قوافل الصلاة في المسجد الأقصى فحسب، وإنما تشرف أيضا على عدة مشاريع أخرى من أجل إعمار الأقصى.
وتقول مدلين عيسى، المشرفة في مشروع القوافل:" قمنا بمشروع تثقيفي عن ضرورة الرباط في المسجد الأقصى، وقدمنا محاضرات وجلسات حول المعلومات الأساسية حول الصلاة والمسجد الأقصى والأجر على الرباط فيه".
وأشارت في حديثها لوكالة الأناضول، إلى أن جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية، تنظم برامج ومشاريع مختلفة، منها مشروع "عيون البراق" ومشروع " معسكر القدس" ومشروع " سقيا المعتكف" و" إفطار صائم" وغيرها، وتهدف بمجملها لتوعية وتثقيف المصلين وتعزيز صمود الأقصى.
وخلال شهر رمضان، تشير عيسى إلى ازدياد أعداد المصلين والمشاركين في مشروع القوافل، حيث يتم تشغيل حافلات في أكثر من 20 بلدة وقرية عربية في إسرائيل.
وتضيف:" على مدار العام تسير 120 حافلة شهريًّا، أي ما يقارب 5500 مصل شهريًّا، لكن في شهر رمضان يرتفع العدد ارتفاعًا ملحوظًا إلى 1000 حافلة".
ويتعرض المسجد الأقصى لاقتحامات أسبوعية من قبل مستوطنين يهود، تحت حراسة وحماية من الشرطة والجيش الإسرائيلي.