هي منطقة فريدة من نوعها، تقع على أطراف "جدة"، غربي السعودية؛ يطلق عليها "مدينة جدة التاريخية"؛ تحتضن بين أبنيتها وفي شوارعها تراثاً يحكي سير من عاشوا فيها وسكنوها.
مدينة تعتبر متحفًا بحد ذاتها، لكن ليس كبقية المتاحف التي تستقبل زائريها ضمن أوقات محددة، بل تفتح "مدينة جدة التاريخية" أحضانها وأبوابها للجميع وفي أي وقت.
ما أن تدخل أسوار المدينة حتى يعود بك الزمن إلى الأيام العريقة التي كانت تتميّز بأمور كثير نفتقدها اليوم في عالمنا الحديث.
في هذا الشارع يجلس كبار السن يتحدثون فيما بينهم عن واقعهم وماضيهم، وفي ذاك الزقاق ترى مجموعة أخرى من السكان تحكي تجاعيد وجوههم تاريخاً طويلاً من عمر هذه المدينة، التي تبلغ مساحتها 1.5 كيلومتر مربع.
الباحث في التراث السعودي، أشرف سالم، قال للأناضول إن "مدينة جدة التاريخية هي أهم معلم تاريخي في جدة، يطلق عليها أهلها اسم جدة البلد، ويعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام".
ولفت سالم إلى أن "الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه استخدمها عام 26 هجري (647 ميلاد)، كميناء خاصة تابع لمكة المكرمة، وهذا ما كان له الفضل في بروزها بعد أن كانت مجرد قرية صغيرة على البحر الأحمر".
وأوضح أن "المدينة تم إدراجها على لائحة التراث العالمي الخاصة بمنظمة اليونسكو عام 2014".
وتقول المصادر التاريخية أن موقع "جدة القديمة" كان يحمل أهمية كبيرة؛ إذ كان محل مرور قافلات البيع والتجارة.
المدينة التي تحتوي على 606 مبني تاريخي، ورغم صغرها مساحتها؛ إلا أن لها إدارة خاصة بها؛ ورئيس بلدية، وعمدة في كل حارة من حاراتها".
كما تضم المدينة مساجد تاريخية ذات طراز معماري فريد، تنتشر في حاراتها المختلفة، التي تحمل أسماء متنوعة منها : حارة المظلوم وحارة الشام وحارة اليمن وحارة البحر، وحارة المليون طفل التي سميت بهذا الاسم لكثرة وجود الأطفال في أزقتها.
يتوسط المدينة، بيت يزيد عمره عن 200 عام، سكنه والي جدة العثماني، في زمن الدولة العثمانية"، وعلى مقربة من المنزل يتربع مسجد الشافعي الذي يزيد عمره عن 8 قرون.
وعلى أطراف المدينة الصغيرة، تستقبلك أقدم مدرسة نظامية سعودية في تاريخ المملكة؛ هي مدرسة الفلاح، التي شيدت عام 1912 في عهد الدولة العثمانية.
وتتميز المدرسة بعمارتها التراثية وقبابها الخضراء، وبابها القديم الذي ما زال صامداً يقاوم الزمن.
ومما يضفي طابعاً خاصاً على "مدينة جدة التاريخية"، نوافذ منازلها المغطاه بما يطلق عليه أهلها بـ"الروشان"، المعروف عند بعض البلاد العربية "المشربية".
و"الروشان" قطع خشبية مزينة بالنقوش الإسلامية والألوان الترابية الهادئة، يتميز بأنه يحجب الرؤية من الخارج ويؤمنا من الداخل فقط، وبالتالي يعتبر حافظاً لخصوصيات المنازل.
كما يتميز "الروشان" بقدرته على عزل المباني حرارياً، إذ يمنع وصول أشعة الشمس الحارقة للداخل.
والمتجول في المدينة يلحظ أيضاً ما يُعرف بـ"الأربطة" وهي أوقاف سكنية للفقراء والمحتاجين ما زالت تحتفظ بأسمائها، منها رباط الصومال والهنود ونصيف والنوري؛ مر على وجودها أكثر من 400 عام.
واليوم تحظى "مدينة جدة التاريخية" باهتمام من السلطات السعودية لناحية ترميمها والتعريف بها وإبرازها كمعلم تراثي هام في المملكة، يحفظ أصالة الماضي في ظل اجتياح التكنولوجيا لعالمنا.