هوت التغريدة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العام الجديد والتي تبعها تعليق المساعدات العسكرية لباكستان، بالعلاقات المتقلبة بين الحليفين إلى أدنى مستوى.
لكن ورغم امتلاك كلا الطرفين أوراق ضغط تتفاوت في قوتها في معركة "تكسير عظام" أطلقها ترامب، إلا أن طلاقا بائنا بين واشنطن وإسلام آباد لا يلوح في الأفق في ظل الحاجة المتبادلة لكل طرف منهما للآخر وهو ما يؤكده خبراء للأناضول.
والأربعاء، كشفت وسائل إعلام باكستانية نقلا عن وزير الدفاع خورام داستجير خان أن إسلام آباد علقت تعاونها العسكري والاستخباراتي مع الولايات المتحدة، معتبرا أن واشنطن تحاول استخدام باكستان ككبش فداء لتبرير فشلها العسكري في أفغانستان.
الخطوة الباكستانية جاءت بعد أقل من أسبوع على اتخاذ واشنطن إجراءات "عقابية" ضد إسلام آباد، تمثلت في إعلان الخارجية الأمريكية، تعليق المساعدات الأمنية للجيش الباكستاني (تقدر بأكثر من 900 مليون دولار سنويا)، وذلك بعد يومين من حجب واشنطن مساعدات أمنية أخرى بقيمة 255 مليون دولار عن باكستان، على خلفية اتهامات ترامب.
وقالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إن إدارة ترامب ستستمر في تعليق المساعدات، إلى أن يقوم جيش باكستان، بـ"تحرك حازم" ضد حركة طالبان وشبكة حقاني الأفغانيتين اللتين تستهدفان جنودًا أمريكيين، في أفغانستان المجاورة.
وقتها نفت باكستان بغضب هذا التحرك الأمريكي، الذي أطلقت تغريدة ترامب شرارته الأولى، وقالت إنها تحتاج إلى الاعتراف بتضحياتها في الحرب ضد الإرهاب.
وقال وزير الخارجية الباكستاني خواجة آصف في مقابلة صحفية إن إسلام أباد لم تعد تعتبر واشنطن حليفا "بعد تلك الإجراءات الأمريكية المنفردة".
ترامب الذي عادة ما يستخدم موقع التغريدات القصيرة "تويتر" بشكل كبير في الهجوم على خصومه ووسائل الإعلام، كان قد استهل العام الجديد بتغريدة قال فيها :" الولايات المتحدة منحت باكستان أكثر من 33 مليار دولار على هيئة مساعدات على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، وفي المقابل لم تقدم باكستان سوى الأكاذيب والخدع، معتقدين أن القادة الأمريكيين أغبياء".
أصعب الأوقات
ويقول الفريق المتقاعد، طلعت مسعود، وهو محلل سياسي وأمني حاليا في إسلام آباد للأناضول: "هذا هو أصعب وقت تواجهه العلاقات بين البلدين، لا ينبغي الاستهانة بالأمر خاصة من جانب باكستان، لأن ذلك ينذر بتقويض جهود السلام الإقليمية لاسيما محاولات المصالحة في أفغانستان".
وشهدت العلاقات بين الحليفين في الحرب على الإرهاب، مزيدا من التوتر منذ أن تولى ترامب الرئاسة في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، خاصة بسبب تضارب المصالح في أفغانستان.
وتتهم واشنطن إسلام أباد بتوفير ملاذات آمنة لـ "شبكة حقاني" التي تحملها مسؤولية العديد من الهجمات العنيفة على القوات الأجنبية في أفغانستان بما فيها العاصمة كابل في الأعوام القلائل الماضية.
وتنفي باكستان هذا الاتهام الأمريكي وتقول إنها قامت بتطهير 95 في المائة من حزامها القبلي الشمالي الغربي على طول الحدود مع أفغانستان من المسلحين عقب سلسلة من العمليات العسكرية منذ عام 2014.
مع ذلك، يرى الفريق مسعود أن "على باكستان إعادة تقييم سياساتها تجاه الجماعات المسلحة بشكل جدي. وهذا ليس فقط في مصلحة الولايات المتحدة ولكن أيضا لصالح باكستان".
ويضيف "لكن إذا ما أصرت باكستان على أنها قامت بالفعل بتفكيك معسكرات المتشددين، فإنها يجب أن تكون أكثر شفافية".
حرب معقدة
يقول عبد الخالق علي، وهو محلل سياسي في كراتشي جنوب شرقي باكستان وأكبر مدنها، إن على واشنطن أن تفهم أن الحرب في أفغانستان قضية مركّبة ومعقدة للغاية.
ويوضح في حديث للأناضول "هناك العديد من القضايا مثل تجارة الأفيون والقتال الداخلي بين أمراء الحرب الأفغان والفساد والمنافسة الشديدة بين الرئيس الأفغاني أشرف غني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، يجب معالجتها في آن واحد".
وبصرف النظر عن كل هذه التداخلات، فإن التأثير المتزايد للهند، المنافس اللدود لباكستان في السياسة والأمن بأفغانستان، هو أيضا مصدر قلق حقيقي لباكستان يحتاج إلى معالجة من جانب الولايات المتحدة، بحسب "عبد الخالق علي".
الخاسر الأكبر
لكن ثمة سؤال يتبادر إلى الذهن حال استمر التصعيد الجاري بين واشنطن وإسلام آباد، يتعلق بمن يكون الخاسر الأكبر، سؤال تحدد إجابته قطعا أوراق الضغط التي يملكها كلا الطرفين.
يقول مسعود إن كلا الجانبين، وخاصة باكستان، لديهما الكثير مما يمكن أن يخسرانه بشكل أكثر من المكاسب في ظل السيناريو الحالي.
ويتابع "إسلام أباد ستتحول إلى الخاسر الأكبر إذا ما استمر الوضع الحالي أو ذهب لما هو أبعد، لأنها أكثر ضعفا وتعتمد اقتصاديا على المساعدات الخارجية".
أوراق ضغط
وبحسب مسعود "واشنطن قد تعلق جميع أنواع المساعدات لإسلام أباد باستخدام نفوذها على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحتى الاتحاد الأوروبي"، مضيفا أنه "إذا حدث ذلك فإن أفغانستان والهند ستصبحان أكثر عدائية ضد باكستان".
فيما يعتقد المحلل السياسي عبد الخالق علي، أن باكستان لديها أيضا بعض الأوراق التي تستطيع توظيفها.
ويشرح قائلا "الولايات المتحدة تستخدم المسارات الجوية والطرق البرية الباكستانية لتزويد قواتها في أفغانستان بالإمدادات. وإذا منعتها باكستان عن ذلك، فإن واشنطن ستضطر إلى استخدام الطريق الشمالي الذي سيكلفها أكثر من ذلك بكثير".
ويلفت إلى أن الموقع الاستراتيجى لباكستان وما يسمى بالنفوذ على حركة طالبان الأفغانية لن يسمح لواشنطن بقطع علاقاتها مع إسلام آباد تماما.
يذكر أنه في عام 2013، في أعقاب هجوم شنه الناتو وأسفر عن مقتل 24 جنديا باكستانيا، قطعت باكستان طريق إمدادات الناتو إلى أفغانستان.
وباكستان هي طريق لنحو نصف إمدادات الناتو التي يتم شحنها إلى القوات الأجنبية في أفغانستان.
لكن مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية الباكستانية طالب عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، نفى في حديث للأناضول أن يكون لدى إسلام آباد خططا فورية لعرقلة طريق إمدادات الناتو ردا على تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية.
في المقابل، كشف المسؤول الباكستاني أن إسلام آباد تدرس رفع الضرائب على البضائع التي يتم توريدها للقوات الأجنبية عبر الحدود باعتبار ذلك "تعويض" عن خسارة المساعدات، وهو ما رفض محمد فيصل، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، التعليق عليه لمراسل الأناضول.
ورقة ضغط أخرى تملكها باكستان التي تعتبر حليفا وثيقا لكل من الصين وتركيا، وتقترب كذلك من روسيا، وهي تعزيز علاقاتها مع إيران. سيناريو بالطبع يقلق واشنطن حال حدوثه، كما يقول المحلل "عبد الخالق علي"، الذي أكد أن الولايات المتحدة "لن تريد أبدا تشكيل تحالف إقليمي ضدها".
"دبلوماسية الباب الخلفي"
وبالرغم من تصاعد التوترات الدبلوماسية، إلا أن البلدين ما يزالان يشتركان في محادثات حول الحرب ضد الإرهاب من خلال قنوات خلفية مستترة، وفقا لما ذكره مسؤولون في البلدين ووسائل إعلام محلية.
المسؤول بالخارجية الباكستانية أكد ذلك للأناضول قائلا "لا يزال ممثلون من أعلى القيادات في الجيشين على اتصال حول كيفية كسب هذه الحرب".
والأسبوع الماضي قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس لوسائل إعلام أمريكية إن وزارته ما تزال على اتصال بالجيش الباكستاني فيما يتعلق بحربها ضد الإرهاب.