رافقته في السفر والحضر...في تركيا و خارجها... في الغرب والشرق...في أفريقيا وبلاد العرب... في بلاد آسيا الوسطى حيث كان يستقبل استقبال الرؤساء وهو ما زال في المعارضة..ورافقته يوم كان رئيسا للوزراء، بيده وبيد حزبه مقاليد الأمور... عشت معه في بيته الصيفي...أسرتي مع أسرته ويدي بيده...وكم من الليالي قضيناها نتحدث ونتحدث ونتحدث على ذلك البساط العشبي أمام ساحل بحر مرمرة الذي كان يلجأ إليه كلما احتاج أن يخلو بنفسه...طالبني أن أكون الأمين العام للتجمعات الإسلامية التي تحضر إلى تركيا وتشارك في يوم فتح إسطانبول...لقد نظمت الأمر تحت نظره...وكان راضيا...وقال لي يوما: معنى ذلك أننا أحسننا الاختيار.
لا أستطيع أن أنسى ذلك اللقاء..
وكيف أنسى قائدا آتاه الله بسطة في الجسم والعقل، طلق اللسان، بين الحجة، سهل العبارة، عميق النظرة، وجهه وحركاته تنبئ عن صدقه، فكل كلمة على لسانه تنبعث من قلبه وتنعكس على وجهه..
وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على لقائنا الأول هذا...وجدته رطبا على لسانه...حاضرا في ذاكرته...ذكرني به مؤخرا في إحدى زياراتي له في بيته في أنقرة.
وسارت سفينة التعاون بين نجم الدين أربكان وبين زملاء له في العالم وكنت في أكثر الأحيان المعبر عن آرائه المترجم لأحاديثه، يطمئن لي، ولا يريد أن يكون في موقف خاص إلا وأنا معه...كان يطلبني فأسافر إليه... وأجد متعة في هذه الثقة التي لم تزدها الأيام إلا عمقا وامتدادا، ولقد كتبت كتابي الأول (الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا) وقصدي أن أكتب عنه...عن فكره وسيرته...عن أسلوبه في العمل...عن تفاؤله المستمر الذي لا يعرف اليأس إليه طريقا...
الحركة الإسلامية العالمية المتمثلة بالإخوان المسلمين في البلاد العربية،والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، والحركات الأخرى الموازية في جنوب شرق آسيا، والحرطة الطلابية في العالم، لم تستفد بالقدر اللازم من معطيات أربكان الفكرية والعلمية...حالت عوامل اللغة، البعد، إعجاب كل ذي رأي برأيه دون تواصل هذه القمم.
المصدر: تركيا التي عرفت من السلطان إلى نجم الدين أربكان ص.275