يقترب عمر الشيخ صيّاح الطوري، من عمر تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، ومع ذلك، فتتهمه إسرائيل بالاستيلاء على الأرض المقامة عليها قريته العراقيب في النقب، جنوبي إسرائيل.
واليوم الثلاثاء، بدأ الشيخ الطوري، 69 عاما، حكما بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة "الاستيلاء على (أراضي دولة)، والبناء غير المرخص في العراقيب".
مرتديا ثوب "القمباز"، الفلسطيني التقليدي، ومعتمرا كوفية بيضاء، ويتوسط وجهه شارب سميك بلون أبيض، بدا الشيخ الطوري، رمزا، في عيون العشرات من الفلسطينيين الذين حضروا صباح اليوم لوداعه في خيمته، قبل زجه من قبل السلطات الإسرائيلية في غيابة السجن.
ولا تعترف الحكومة الإسرائيلية بقرية العراقيب، ولكن سكانها -وعددهم بالعشرات- يصرّون على البقاء على أرضهم، رغم الهدم المتكرر لها.
وفي تقرير سابق، قالت منظمة "ذاكرات" التي تضم ناشطين إسرائيليين (يهودا وعربا) وتؤرخ للنكبة الفلسطينية عام 1948، إن العراقيب أقيمت للمرة الأولى في فترة الحكم العثماني لفلسطين (ما قبل عام 2017) على أراضٍ اشتراها السكان.
وذكرت المنظمة أن السلطات تعمل على طرد سكان القرية منذ عام 1951 بهدف السيطرة على أراضيهم.
وأشارت "ذاكرات" إلى أن السلطات الإسرائيلية، لا تعترف بعشرات القرى الأخرى في منطقة النقب، وترفض تقديم أي خدمات لها.
ورافق العشرات من المواطنين والنواب والمسؤولين العرب، صباح اليوم، الشيخ الطوري من بلدة العراقيب وحتى سجن الرملة، حيث سيمضي فترة محكوميته.
ويؤكد الشيخ الطوري أن "لا شيء سيثنيه عن البقاء فوق ثرى أرضه وأرض آبائه وأجداده"، مضيفا:" إما فوقها عزيزًا كريمًا، أو تحتها عزيزًا كريمًا".
وأضاف الطوري، للمواطنين الذين تجمعوا لوداعه اليوم:" أنا مستعد أن أبقى في السجن ليس سنة وإنما عشرات السنين"، في إشارة لاستعداده للتضحية من أجل "قرية العراقيب".
وقبيل توجهه الى السجن، صباح اليوم، قال الشيخ الطوري لابنه عزيز، رئيس اللجنة الشعبية في العراقيب، إنه "على ثقة من أن أهل العراقيب لن يرحلوا عن أرضهم".
بدوره، قال نجله "عزيز الطوري"، لوكالة الأناضول:" قال لي أبي: توكلوا على الله، فأنتم رجال، و(قرية) العراقيب ستبقى".
وأضاف:" اعتقال الشيخ صيّاح هو اعتقال تعسفي، واعتقال ظالم، وهو عدوان، يأتي في إطار سياسة كسر نضال أهالي العراقيب في الدفاع عن أرضهم".
وكانت السلطات الاسرائيلية قد هدمت قرية العراقيب 137 مرة على التوالي، كان آخرها يوم الخميس الماضي، وفي كل مرة كان الأهالي يعيدون بناءها، بحسب عزيز الطوري.
وعلى مدى سنوات طويلة، كان الشيخ صيّاح رمزا للقرية العربية غير المعترف بها من قبل إسرائيل، رغم هدمها المتتالي من قبل السلطات الاسرائيلية.
وعكَس وداع الشيخ صيّاح اليوم، مكانته في أوساط المواطنين العرب في إسرائيل إذ كان بينهم محمد بركة، رئيس اللجنة العليا للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، والشيخ كمال خطيب، رئيس لجنة الحريات في اللجنة، ونواب في الكنيست (البرلمان) بينهم أيمن عودة وطلب ابو عرار ودوف حنين وجمعة زبارقة.
ويقول ابنه عزيز الطوري:" لقد كان الوداع الذي حظي به الشيخ صيّاح، بمثابة رسالة دعم معنوية لنا، ورسالة قوية الى السلطات الاسرائيلية بأن كل الشعب هو الشيخ صيّاح".
وكان بين الحضور، النائب أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، الذي قال للحضور:" الشيخ صيّاح الطوري، هو رمز فلسطيني كبير، وهو يصنع مأثرة فلسطينية بصموده".
وأضاف عودة:" آمل أنه عند خروج الشيخ صيّاح من سجنه، أن يدخله مباشرة الفاسد (بنيامين) نتنياهو"، في إشارة الى رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي تحقق معه الشرطة الاسرائيلية بشبه الفساد.
أما النائب جمعة زبارقة، فقال أثناء وداعه:" أبو عزيز (كنية الطوري) رمز الصمود والثبات والتشبث بأرض الآباء والأجداد، هنا في النقب، يدخل السجن بتهمة الدفاع عن الأرض وحماية الوجود وهذا شرف كبير، فهو يدخل بكرامة مرفوع الهامة، وبشموخ وطني نقباوي (نسبة لصحراء النقب) أصيل، وسيخرج كذلك بإذن الله، أبو عزيز حر رغم المعتقل".
ولفت عزيز الطوري إلى أن أهالي العراقيب، سيواصلون الدفاع عن أرضهم رغم اعتقال الشيخ صيّاح.
وقال:" أهالي العراقيب مستمرون في الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم على الرغم من الاجراءات الاسرائيلية الظالمة ".
وأضاف:" اعتقدت السلطات الاسرائيلية أنها باعتقال الشيخ صيّاح ستوقف مسيرة النضال، ولكننا مستمرون في النضال السلمي المشروع في الدفاع عن أرضنا".
وتابع الطوري:" سيبقى الشيخ صيّاح شامخ الرأس خلف الجدران، ونحن على العهد نسير وسيخرج من سجنه والعراقيب قائمة".