الخيامية.. تراث مصري يصارع للبقاء ويتنفس في رمضان

الخيامية.. تراث مصري يصارع للبقاء ويتنفس في رمضان
28.5.2017 12:09

eposta yazdır zoom+ zoom-
ميراث قديم يحارب للبقاء، بصمات فنانيه تبدو واضحة على اللوحات المعبرة عن مراحل مختلفة من تاريخ مصر، والمعلقة بمداخل محال وعلى جدران معارض صغيرة، تشبه الأكواخ، بتصميمات معمارية بارعة.
 
تتنوع اللوحات المغزولة على الأقمشة بمنطقة "الخيامية" في القاهرة الفاطمية (تعود لبداية إنشاء القاهرة في العصر الفاطمي بمصر 358 هـ - 969م) ، بين الرسومات الفرعونية والإسلامية والمناظر الطبيعية التي نقلها العاملون في المهنة من صفحات كتب الزخرفة القديمة.
 
المهنة التي تلقى كسادا غير مسبوق حاليا بسبب تراجع السياحة بمصر، يرجع تاريخ ازدهارها للعصر المملوكي (1250- 1517م) وقت أن كانت مصر تصنع كسوة الكعبة المشرفة، لكن الحال تبدل حاليا حتى هجرها فنانوها، بحثا عن لقمة العيش بمهن أخرى.
 
ما أن تدلف من باب زويلة الذي يرجع بناؤه للعصر الفاطمي (485هجرية: 1092ميلادية)، ويتكون من كتلة بنائية ضخمة عرضها نحو 25 مترا وارتفاعها 24مترا، حتى تدخل للشارع الذي أخذ اسمه من مهنة سكانه "الخيامية".
 
الدراسات التاريخية تقول إن الشارع كان من طابقين الأرضي من شارع الخيامية كان "اسطبلا" لخيول التجار المغاربة والشاميين، بينما العلوي استخدموه لمبيتهم، وكانوا يصنعون خيامهم في هذه المنطقة، وفيها طور المصريون صناعة الخيامية حتى برعوا فيها.
 
النقوش المزخرفة، وجاذبية الألوان تخطف عيون الزائرين للشارع العتيق الذي لا يتعدى عرضه 3 أمتار، تتزاحم فيه ورش الخيامية، لكنها تشع نورا وجمالا تتراقص فيه الألوان بجوار بعضها.
 
على أريكة مكسوة بالسجاد اليدوي تتوسط أحد المحال الصغيرة بنهاية الشارع اعتاد أشرف هاشم (60عاماً) على الجلوس وسط لوحاته يمرر عينه عليها، ربما يجد خطأ في واحدة منهن بعدما عجزت يديه عن الإمساك بالإبرة منذ ثلاثة سنوات، وتحول لمتابع للعمل فقط، وعلى يمينه يردد المذياع آيات من القرآن الكريم لا ينقطع طوال تواجده بالورشة.
 
قرابة خمسين عاماً قضاها أشرف هاشم في الرسم على القماش بعد أن ورث المهنة عن والده، كان وقتها يعرض بضاعته في محل صغير جدا مقارنة بمعرضه الحالي الذي يتخذ منه ورشة ومعرضا لعشرات اللوحات.
 
يسترجع الرجل تاريخه مع المهنة قائلا:" الخيامية لا تقبل إلا المفتونين بها، لأنها مهنة قائمة على الذوق الرفيع والحس الفني، كما أن عوائدها ليست مجدية خصوصا في الفترات الأخيرة، لذا لن يتحملها إلا العاشقون لها".
 
تبدأ مراحل صناعة اللوحات المرسومة على قماش الخيامية كما يقول هاشم لـ"الأناضول" باختيار الرسم المطلوب نقله للقماش، ثم يبدأ الفنان برسمه على الورق أولا.
 
ما أن ينتهى الفنان الذي يلقبه أرباب مهنة الخيامية "بالصنايعي" من الرسم على الأوراق حتى يبدأ في نقله للوحة الأصلية.
 
أشرف الذي قضي عمره بين قطع القماش صغيرها وكبيرها، يطلق على مهنته اسما مميزا فيقول إنها عملية "الرسم بالقماش على القماش".
 
بعد أن ينتهي "الصنايعي" من عمل مجسم للوحة على الورق حتى يبدأ عمل ثقوب بالإبرة على القماش المطلوب الرسم به، ثم يشرع في قصه لقطع صغيرة.
 
بعدها يقوم الرسام بتحديد المناطق التي سيضع فيها القماش المقصوص على اللوحة الأصلية مستخدما قلمه الرصاص الذي لا يفارقه بحسب هاشم، ثم يجمع القطع الصغيرة المستخدمة في الرسم على لوحة كبيرة من القماش المصنوع من الكتان.
 
أصغر اللوحات التي لا يتعدى عرضها 30 سنتيمترا وطولها 50، تستغرق يوما على الأقل في تجهيزها بينما بعض اللوحات تستغرق وقت أطول كل على حسب الرسم المنقوش عليها.
 
بلهجة واثقة يقول هاشم إن أكثر اللوحات تعقيدا هي لوحات الفن الإسلامي لكثرة الوحدات الزخرفية فيها، فبعضها يستغرق أكثر من شهر في تنفيذها.
 
ما أن بدأ الحديث عن الخيامية يأخذ منحى الجدية حتى استرجع هاشم ما وقع له قبل 30عاما تقريبا يقول إنه أنجز لوحة منقوشة بالفن الإسلامي الدقيق المليء بالوحدات الزخرفية الصغيرة، استغرقت وقتها أربعة أشهر، وباعها آنذاك بـ 2000 جنيه كانت تعادل أكثر من 20 ألف جنيه حاليا، (1200 دولار أمريكي).
 
لكن صناعة الخيامية حاليا لا تروق لهاشم ورفاقه، بسبب تراجع حجم المبيعات، واختفاء المشترى الذي يقدر الجهد المبذول في اللوحات.
 
يقول هاشم إن غالبية العاملين بالخيامية تركوها وانصرفوا لمهن أخرى تدر دخلا مميزا، بعدما تعطلت مصالحهم بتوقف السياحية خصوصا الأوروبية.
 
ويضيف أن الصناعة كانت قائمة قبل قيام الثورة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني 2011، على السياحة واندثرت نهائيا بعدها وفي نهايات العام الماضي 2016 شهدت المنطقة قدوم الأجانب مرة أخرى إلا أنهم اختفوا فجأة.
 
وعن الرواد المصريين الذين يملؤون الشارع، يقول هاشم إن غالبيتهم متفرجون، وقلما يأتي مشتر مصري يستطيع أن يدفع ثمن هذه المغزولات التي تستخدم كلوحات تعلق في حجرات الجلوس ومداخل البيوت وتزين الجلسات العربية والمطاعم الفاخرة ذات الطراز العربي.
 
 
 
**زينة رمضان تنعش الخيامية
 
في الورشة المجاورة لـ"أشرف هاشم"، كان وائل نانو صاحب الورشة (40 عاما) يحاول إقناع إحدى السيدات بشراء قطعة من القماش مغزولة بالخيوط الزخرفية الإسلامية بـ300جنيه (نحو15 دولارا)، إلا أنها لم تعجبها الألوان ليبدأ حديث عن حركة البيع من هنا.
 
يقول "نانو" وهو اسم اشتهر به في شارع الخيامية، إن حركة البيع متوقفة تماما وهو ما اضطر العاملين في حياكة مفروشات الخيامية لإحضار أقمشة يمكن استخدامها في زينة شهر رمضان كالفوانيس والأطباق الصغيرة، والأباجورات (مصابيح المناضد).
 
ويشير في حديثه لـ" الأناضول" إلى أن الأقمشة المتعلقة برمضان ليست خيامية بالمعنى الحرفي، بل هي مجرد أقمشة عادية مطبوع عليها رسومات الخيامية وليست مغزولة باليد، لكنهم يحضرونها لكثرة الطلب عليها في رمضان.
 
ويؤكد نانو أن ظهور ماكينات الطباعة في سبعينيات القرن الماضي ضربت صناعة الخيامية في مقتل فكان وقتها العاملون في هذه المهنة يقتاتون من غزل خيام السرادقات والأفراح، فتحول الأمر للميكنة ما أفقد المهنة جزءا أصيلا منها.
 
ويوضح أن وراثة مهنة الخيامة كانت عبر تعليم قدامى الصناع، للمتدربين الجدد، كيفية الصناعة سواء بالرسم على القماش، وحياكة المنتج، مضيفا "ما أن يتعلم كل متدرب كيف يشكل قطع القماش الصغيرة ويقصها حتى يبدأ في تنفيذ لوحات الخيامية بمفرده وينفذ ما يتماشي مع حسه الفني".
 
وائل نانو الذي يعمل في صناعة الخيامية منذ أن كان طفلا في السابعة من عمره يأتي مع والده بعد انتهاء يومه الدراسي؛ ليتعلم منه طريقة الرسم على القماش بالإبرة، يقول إن تفضيلات راغبي اقتناء لوحات الخيامية بدأت تميل للفن الإسلامي مؤخرا، بعدما كانوا يفضلون الفرعوني. 
 
وينوه إلى أن العاملين في الخيامية يتقاضون رواتبهم بنظام اليومية، وتتراوح أجورهم ما بين 75 إلى 100جنيه في اليوم، (5 دولارات تقريبا).
 
لم يختلف الأمر كثيرا عند عبد الحميد السيد (56عاما) والذي يعمل موظفا بالقطاع الحكومي حتى الظهيرة، ثم يعود لممارسة صنعته التي ورثها عن أجداده منذ أكثر من 30 عامًا.
 
يقول لـ"الأناضول" إن أقمشة الخيامية يشتريها أصحاب الورش من مصانع الغزل والنسيج بمنطقة المحلة الكبري وسط الدلتا (شمال) وتتكون من طبقتين، واحدة ناعمة مصنوعة من القطن وأخرى خشنة مكونة من الكتان.
 
ويميل عبدالحميد في لوحاته لمحاكاة الطبيعة ورسم أسراب الطيور والأشجار، حيث يرى أنها الأكثر جذبا للناس، ويحضر بعض الرسومات من على شبكة الإنترنت ثم يحولها للوحات مرسومة على القماش.
 
ووسط الشارع وقفت نورة حمدي (35عامًا ربة منزل) تقلب في زينة رمضان المعلقة على أبواب محال الخيامية وورشها.
 
تقول لـ" الأناضول" إنها تأتي كل عام إلى شارع الخيامية لتجهز منزلها لاستقبال شهر رمضان بالزينة والمفروشات والفانوس الخيامية.
 
وتضيف أن لوحات الخيامية المرسومة باليد فائقة الجمالة، لكنها مرتفعة جدا في الأسعار، ولا يستطيع كل المصريين اقتناءها، لذا هي تشترى أقمشة الخيامية المطبوعة بدلا منها.
 
وتراجع إجمالي عدد السياح الوافدين إلى مصر بنسبة 40% خلال الشهور الـ11 الأولى من العام 2016، مقارنة بنفس الفترة من 2015 إلى 4.838 مليون سائح، حسب بيانات رسمية.
 
ووفق مسح أجرته "الأناضول"، استناداً إلى بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر (حكومي)، تراجع عدد السياح الوافدين من 8.064 مليون سائح في الفترة المناظرة من العام 2015.
 
وأرجع الجهاز تراجع عدد السياح إلى مصر خلال الفترة الماضية، إلى انخفاض أعداد السياح الوافدين من روسيا الاتحادية بعد سقوط الطائرة الروسية في نهاية أكتوبر/تشرين أول 2015، بشكل أساسي، إضافة إلى بريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
 
وزار مصر ما يزيد على 14.7 مليون سائح في 2010 وانخفض العدد إلى 9.3 مليوناً في 2015. 

أخبالا المحلي

برامج الجوال

iPhone iPad Android Windows Phone
Milli Gazete ©  لا يمكن النقل أو النسخ من دون ذكر المصدرو جميع الحقوق محفوظة +90 212 697 1000 :رقم و فاكس