منذ عام 2008، والقانون رقم 21 الخاص باللامركزية الإدارية يراوح مكانه في العراق، حيث تحول عراقيل قانونية وخلافات سياسية دون نقل بعض صلاحيات الحكومة الاتحادية في العاصمة بغداد إلى مجالس المحافظات، التي تشكو من سوء الخدمات وبطء عملية الإعمار.
مطلع يناير/ كانون ثان الماضي عقد مسؤولو ثماني محافظات جنوبي العراق اجتماعا في محافظة بابل(وسط)، لبحث العراقيل التي تواجه نقل الصلاحيات من الحكومة الاتحادية في بغداد إلى مجالس المحافظات، وكالعادة انتقد المجتمعون حكومة حيدر العبادي، محملين إياها المسؤولية.
و"هذا الاجتماع لم يكن الأول، بل سبقته اجتماعات ومؤتمرات عقدتها مجالس المحافظات طيلة العام الماضي"، وفق مسؤول الشؤون المالية في محافظة واسط (جنوب)، "مهدي وادي".
وتابع "وادي"، في تصريحات للأناضول، قائلا: "بصراحة هناك صراع قوي يمنع نقل الصلاحيات إلى المحافظات، لوجود مستفيدين من بقاء السلطة قوية ومركزية في بغداد، بينما تترك المحافظات في الفقر ونقص الخدمات، لكننا مصممون على أخذ صلاحياتنا بأي ثمن".
وأضاف أنه "في مارس (آذار) 2008 أقر مجلس النواب (البرلمان) قانونا يقضي بنقل صلاحيات ثماني وزارات (المالية والصحة والعمل والإسكان والتربية والنقل والبيئة والشباب والرياضة) إلى مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم، لكن الحكومة آنذاك رفضت تطبيق القانون".
ومتتبعا رحلة هذا القانون، أوضح "وادي" أنه "في 2013 أجرى البرلمان تعديلا على القانون يعطي المحافظات مزيدا من الصلاحيات، بعدما شهدت فترة حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي (2006-2014)، تفردا في السلطة، واتهامات صريحة له بالدكتاتورية من قبل مجالس المحافظات".
وبقي هذا القانون على الرفوف حتى تسلم حيدر العبادي رئاسة السلطة التنفيذية في 2014، وقرر نقل الصلاحيات إلى المحافظات في موعد أقصاه عام واحد، انتهى 15 أغسطس/ آب 2015، دون تطبيق القانون بشكل كامل.
في المقابل، وفي أكثر من مناسبة، أعلن العبادي أن نقل صلاحيات بعض الوزارات إلى المحافظات "لا تراجع عنه"، مشددا على "ضرورة منح المحافظات صلاحيات كافية لإدارة شؤونها".
** تعارض القوانين
أولى العقبات أمام انتقال العراق إلى الإدارة اللامركزية هي "تعارض القوانين"، حسب الخبير القانوني، طارق حرب.
حرب قال، في حديث مع الأناضول، إن "المشرّعين في البرلمان فاتهم أن العراق بلد حكمته سلطة شمولية طيلة أربعة عقود عبر مئات القوانين المركزية المشددة السارية المفعول حتى الآن، ومن ثم لن يتمكن قانون واحد من إلغائها جميعا، وهو ما يتطلب وقتا، والأهم إرادة سياسية حقيقية من الجميع لنصرة المحافظات".
واعتبر أن "المشكلة لا تتمثل في القوانين فحسب، وإنما في قرارات مركزية كان يصدرها مجلس قيادة الثورة في عهد الرئيس الراحل صدام حسين (1979- 2003)، وهي بالمئات ولها قوة القانون، والمفارقة أن تلك القرارات ما تزال سارية المفعول، ويعمل البرلمان منذ عشر سنوات على إلغائها بطريقة بطيئة".
** إلغاء مجالس المحافظات
ووفق منتقدين في المحافظات، فإن المشرعين بدلا من العمل على توفير بيئة مناسبة لتطبيق اللامركزية، فإنهم يعملون على عكس ذلك تماما، إذ أقر البرلمان تعديلا على قانون صلاحيات المحافظات، يقضي بتقليص عدد أعضاء مجالس المحافظات مستقبلا من 25 عضوا إلى 11، بينما تتطلب إدارة صلاحيات واسعة المزيد من الأعضاء لتوزيع المهام بشكل أفضل، على حد تقدير هؤلاء المنتقدين.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض الكتل السياسية، وفق رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات في البرلمان، النائب سوران إسماعيل، "تسعى إلى إلغاء المجالس المحلية المنتشرة في كل منطقة، في مسعى واضح الى الإبقاء على النظام المركزي، فهذه المجالس المناطقية هي عنصر التواصل الوحيد بين السكان ومجلس المحافظة".
وتابع إسماعيل بقوله، في تصريحات للأناضول، أن "إلغاء هذه المجالس يعني تصعيب مهمة تطبيق اللامركزية.. سنعمل بقوة على عدم إلغاء هذه المجالس؛ فالمرحلة المقبلة ستشهد انتقال الصلاحيات من الحكومة الاتحادية إلى المحافظات، والأخيرة بحاجة إلى كوادر إدارية تتمتع بالخبرة".
واعتبر أن "المشكلة ليست قانونية فقط، وإنما سياسية أيضا، فالصراعات التي تعصف بين الأحزاب داخل مجالس المحافظات انعكست سلبا على تطبيق اللامركزية ضمن معادلة معقدة".
ومضى موضحا أن "الأحزاب التي تمتلك وزارات في الحكومة الاتحادية يسعى أعضاؤها داخل مجالس المحافظات إلى عرقلة نقل صلاحيات هذه الوزارات إلى المحافظات؛ لأنها ستخسر نفوذا واسعا في وزارة تعتبرها ملكا لها".
** القانون 21
وعن الصلاحيات التي يمنحها القانون 21 لمجالس المحافظات، قال القاضي في مجلس القضاء الأعلى (أعلى سلطة قضائية بالعراق)، حمزة عمران، إن هذا "القانون يمنح الحكومات المحلية صلاحية اختيار مسؤولي الجهاز القضائي والقيادات الأمنية والتصرف في انتشار الجيش داخل المدن وخارجها".
وأردف قائلا، في تصريحات للأناضول، أن القانون أيضا "يلزم العاصمة بالتشاور مع المحافظ في تحريك القوات العسكرية التابعة للحكومة الاتحادية داخل المحافظة، فضلا عن زيادة تصل إلى خمسة أضعاف في مبالغ البترودولار الممنوحة للمحافظات المنتجة للنفط".
وأضاف أن "المادة 44 من القانون توضح أن الموارد المالية لكل محافظة تتكون من مخصصات الحكومة الاتحادية، وواردات الضرائب والرسوم والغرامات وبدلات بيع وإيجار، إضافة إلى خمسة دولارات عن كل برميل نفط خام يُنتج في أي محافظة وخمس دولارات عن كل برميل نفط خام مكرر في مصافي المحافظة، وخمسة دولارات عن كل 150 مترا مكعبا مُنتجا من الغاز الطبيعي في المحافظة".
وعلى مستوى الصلاحيات الأمنية، قال عمران إن "المادة 14 تنص على أن للمحافظ سلطة مباشرة على جميع الأجهزة المكلّفة بواجبات الحماية وحفظ الأمن والنظام العاملة في المحافظة".
أما على مستوى التشريع والرقابة، فإن "المادة الثانية من القانون تنص على أن مجلس المحافظة هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة، وله حق إصدار التشريعات المحلية، بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وتتمتع المجالس بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي"، وفق عمران.
** بطء الإعمار
ومنتقدا عدم تطبيق اللامركزية الإدارية حتى الآن، قال محافظ ديالى (شرق)، مثنى التميمي، إن "مدن المحافظة تحتاج إلى سرعة في إنجاز المشاريع، لكن النظام المركزي يمنع ذلك، ولهذا فإن مجلس المحافظة سيبدأ في استخدام صلاحياته القانونية، بعيدا عن سطوة الوزارات والدوائر الاتحادية".
واضاف التميمي، في تصريحات للأناضول، أن "ديالى ليست الوحيدة التي تعاني من بطء عملية الإعمار، فجميع المدن التي تحررت مؤخرا من تنظيم داعش تعاني من المشكلة نفسها".
وشدد على أن "الحكومة الاتحادية إذا أرادت عودة الاستقرار إلى المحافظات وتحقيق التنمية وحل الأزمات السياسية وتقليل الضغط المفروض عليها، فيجب أن تنقل الصلاحيات إلى المحافظات، وهو حل لا يحتاج إلى تعديلات دستورية ولا إصدار قوانين جديدة".