يرى محللون سياسيون فلسطينيون، أن إسرائيل سعت إلى إفشال جهود المصالحة الفلسطينية وتوتير أجوائها، من خلال قصفها لنفق قرب حدود غزة، الاثنين الماضي، الأمر الذي أدى إلى مقتل 7 أشخاص وجرح 12 آخرين.
وتوقع هؤلاء المحللون في أحاديث منفصلة مع وكالة "الأناضول"، إحجام الفصائل الفلسطينية على الرد على الاستهداف الإسرائيلي، في هذا التوقيت.
ومساء الاثنين، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة عن مقتل 7 فلسطينيين، وإصابة 11 آخرين، جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدف النفق.
وقال أشرف القدرة، الناطق باسم الوزارة، في تصريح صحفي مقتضب، وصل وكالة الأناضول نسخة منه، إن طواقم الإنقاذ انتشلت جثامين 7 شبان من النفق، الواقع شرق مدينة دير البلح (وسط القطاع).
وفي 12 أكتوبر/تشرين أول الجاري وقعت حركتا فتح وحماس، اتفاق مصالحة في القاهرة، برعاية مصرية.
ونص الاتفاق على تنفيذ إجراءات لتمكين حكومة التوافق من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة، في إدارة شؤون قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، بحد أقصاه مطلع ديسمبر/ كانون أول القادم، مع العمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن الانقسام.
وقال الدكتور وليد المدلل، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، إن "إسرائيل تحاول أن تغير قواعد الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية، بحيث تصبح هي صاحبة القرار في وقت تنفيذ هجوم على القطاع وإيقاع أكبر عدد من الضحايا، دون أن يكون رد فعل فوري من المقاومة".
واستدرك مضيفًا لوكالة "الأناضول":" إسرائيل تستغل أجواء المصالحة الفلسطينية، خاصة أن الجميع معني بإتمامها، وبالتالي فالمقاومة ربما لن تستطيع الرد مباشرة على القصف".
ولفت المدلل إلى أن توقيت استهداف إسرائيل للنفق، كان "حساسا وماكرا".
ويتوقع ألا ترد الفصائل على أحداث استهداف النفق، في الوقت الحالي، وأنها سوف "تمتص الضربة"، وترسل ردًا نوعيًا في وقت لاحق؛ "فهي تسعى للهدوء وتمرير المصالحة لأنها أصبحت أولوية للشعب الفلسطيني".
وأردف:" لا أحد يريد أن يفسد هذه اللحظات التاريخية التي تنتظر الفلسطينيين بإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس".
ويتوقع المدلل أن إسرائيل ليست معنية كذلك، بالتصعيد أو خوض حرب جديدة ضد غزة.
وأكمل:" قصف النفق هو اختبار حقيقي بأن قرار السلم والحرب ليس بيد فصيل فلسطيني واحد، والجهاد ليست طرفًا في المصالحة، وهذا سيثبت إن كانت حماس قادرة على دفعها لعدم الرد".
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، قد قال مطلع الشهر الماضي، إن حركته مستعدة لوضع استراتيجية مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية، "لإدارة سلاح وقرار المقاومة".
وبين عامي 2008-2014، شنت إسرائيل ثلاثة حروب على قطاع غزة، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، وأصيب آلاف آخرين، فضلا عن تدمير كبير جدًا في الممتلكات والبنى التحتية.
ومن جانبه قال عدنان أبو عامر إن إسرائيل اختارت "وقت الهجوم باحتراف، وتعمدت وجود عناصر من المقاومة الفلسطينية في النفق، لدفع المقاومة للرد، وتعكير أجواء المصالحة".
وأكمل في حديث مع وكالة الأناضول:" اسرائيل تسعى لتخريب المصالحة الفلسطينية، وهذا الاستهداف أحد وسائلها لذلك، وأتوقع أنه مازال لديها المزيد من الخطط لإفشال جهود المصالحة".
وأردف:" الحكومة الإسرائيلية تجري مفاضلة سياسية بين عدم معارضة رغبة مصر بالحصول على دور إقليمي عبر المصالحة الفلسطينية، وبين توجهها بإبقاء حالة الانقسام سائدة، مما سيجعلها تواصل خططها لتعكير صفو المصالحة".
وأضاف:" وضع قطاع غزة أصعب من كل مرة، فالمقاومة إن قامت بالرد سيترتب على ذلك تبعات كبيرة، على الواقع السياسي والإنساني في غزة الذي لا يحتمل أي حرب جديدة على غزة، وإن لم تفعل ذلك ستفتح الباب أمام إسرائيل لشن ضربات أخرى".
وما زالت آثار الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة، ماثلة إلى اليوم في القطاع، وهناك آلاف الفلسطينيين الذين لم تتم إعادة إعمار منازلهم المدمرة.
من جانبه، قال ناجي البطة، المحلل السياسي، ومدرس الشؤون الإسرائيلية في "أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية" بغزة (حكومية)، إن إسرائيل تحاول "خلط الأوراق في هذا التوقيت بالذات، تزامنًا مع بدء تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية".
وتابع لوكالة "الأناضول":" السلطات الإسرائيلية كما تقول بأنها على علم بمكان النفق، والأعمال التي تجري فيه، ولكن استهدافه الآن هو ضربة معدٌ لها مسبقًا تحمل عدة رسائل".
وأردف:" الحكومة الإسرائيلية تريد أن تقول إنه لا يوجد مصالحة فلسطينية تضر بمصالح إسرائيل ولن تكون على حسابها".
ولا يتوقع البطة أن تكون ردة الفعل الفلسطينية سريعة، "لأن الأوضاع السياسية والمعيشية في غزة، لا تساعد على تصعيد الأوضاع العسكرية".
واستدرك:" نعيش الآن فترة عض الأصابع، والأوضاع مفتوحة على كل الخيارات".
ويرى البطة أن "القصف هو اختراق أمني متعدد ومعقد، وحرب مفتوحة بين المقاومة وإسرائيل".
بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي، حسام الدجني، أن الاستهداف الإسرائيلي "يحمل عدة رسائل على عدة مستويات".
وقال لوكالة الأناضول:" دوليا تريد إسرائيل إرسال رسالة تذكير وضغط للولايات المتحدة بضرورة مراعاة مصالح اسرائيل الأمنية كشرط لقبول نتائج المصالحة الوطنية، ورسالة إقليمية على وجه الخصوص للقاهرة التي رفضت اطلاع اسرائيل على مجريات المصالحة وتفاصيلها".
وأضاف:" لسان حال تل أبيب يقول إننا فاعلون مؤثرون بملف المصالحة، نمتلك قلب الطاولة على رؤوس الجميع ما لم تراعِ كافة الأطراف مصالح اسرائيل".
واستدرك:" أما على مستوى المجتمع الإسرائيلي، فتريد أن تحرف الأنظار عن قضايا الفساد المتهم بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو".
وفيما يخص الجانب الفلسطيني، فإن إسرائيل تعمل على خلط الأوراق وتغيير قواعد اللعبة من خلال إرسال رسائل تهديد للقيادة الفلسطينية واستفزاز للشعب الفلسطيني، وفق الدجني.
وتابع:" المطلوب تهدئة الميدان واتخاذ قرارات بصفة جماعية وبمشاركة الجميع وتفويت الفرصة على أهداف نتنياهو، والاسراع بتطبيق المصالحة على قاعدة المصالح الفلسطينية والثوابت الوطنية".
ويرى الدجني أن رد الفصائل الفلسطينية على القصف، يحكمه ذلك ثلاثة محددات، وهي البيئة الاقليمية والدولية، والحاضنة الشعبية، ورؤية المقاومة العسكرية حول القدرة والتجهيز".
أما المحاضر في "أكاديمية الإدارة والسياسة" (خاصة)، ابراهيم حبيب، فلا يتفق مع سابقيه، بأن القصف الإسرائيلي له علاقة بالمصالحة الفلسطينية.
ويقول:" ما حدث هو كمين للمقاومة الفلسطينية في نفق استراتيجي يمتد داخل إسرائيل، حيث انتظرت وصول قادة وعدد من فصائل المقاومة ثم قتلتهم".
وأضاف:" لا أعتقد بأن القصف مرتبط بالمصالحة، فإسرائيل لديها حساباتها الأمنية".
ويرى حبيب أن "قرار الحرب على غزة ليس وارد الآن في حسابات الطرفين".
واستدرك:" على المقاومة التروي وقراءة المشهد جيدًا، فإسرائيل ربما تبدو أكثر استعدادًا للتصعيد، رغم أنها لا تريد ذلك الآن، خاصة في جو اقليمي معقد قد يساعدها على ارتكاب العديد من الجرائم".