بعد أن سجل حضورا دائما قبل سنوات طويلة في رمضان يكاد في وقتنا الراهن يختفي بالجزائر.. "المسحراتي" أو "بوطبيلة" الذي ينادي ليلا لإيقاظ النائمين إلى السحور.
ويرتبط شهر رمضان في الجزائر بعديد العادات والتقاليد التي لا يتوانى المواطنون عن إحيائها، منها ظاهرة "المسحراتي"، أو كما يعرف بـ"بوطبيلة" و"الطبّال"، نسبة إلى الطبل الذي يضرب عليه بالعصا بالإضافة إلى صوته الشجي المرافق للصوت الذي يصدره الطبل من أجل إيقاظ النيام والإعلان عن بداية وقت السحور.
ويردد المسحراتي على وقع لحن طبله التقليدي وصوته الجميل في خرجته إلى الأحياء السكنية كل ليلة رمضانية قبل الإمساك بوقت قضير عديد العبارات يدعو فيها الناس إلى الاستيقاظ للسحور منها "إصح يا نايم وحّد الدايم" أو"السحور يا مؤمنين السحور"، "قوموا إلى سحوركم رمضان يزوركم"...، بالإضافة إلى جمل وترديدات أخرى قد تختلف من منطقة إلى أخرى.
و"المسحراتي" موروث شعبي لا يكتمل بدونه شهر رمضان ويتصل اتصالا وثيقا بالتقاليد والعادات الشعبية الجزائرية الرمضانية، لكن بدأ في السنوات الأخيرة يشهدا اندثارا وتكاد تختفي آثاره إلا في بعض المحافظات التي ما تزال تحافظ عليه منها محافظاتا و"رقلة" و"وادي سوف" (جنوب البلاد).
وفي ظلّ تطور المجتمع وتقدم التكنولوجيا أصبحت مهنة "المسحراتي" شبه منقرضة بعدما كانت قبل سنوات مشهورة ومتداولة بصورة كبيرة في بلدان شمال إفريقيا والمغرب العربي الكبير بما فيها الجزائر.
عودة محتشمة للمسحراتي
ووسط شبح الاندثار والزوال النهائي تعدّ محاولات إعادة إحياء موروث "المسحراتي" محتشمة وقليلة جدا في المجتمع الجزائري وتعد على رؤوس الاصابع، من خلال بروز بعض "المسحراتيين" بمحافظات الجزائرية.
وحسب ما نقلته جريدة "الشروق" الجزائرية (خاصة) في عددها ليوم الجمعة 9 يونيو/ حزيران الجاري فإنّ "المسحراتي" عاد في شهر رمضان الجاري بمنطقة عين البيضاء بورقلة (جنوب البلاد).
وقالت الجريدة إنّ شابا من المدينة يقوم بإطلاق صوته عند الساعة الثانية والنصف صباحا، مرددا كلمات وعبارات منها "سبحان الله والحمد لله..السحور السحور" .
وأشارت أنّ هذه المبادرة التي عادت بعد سنوات طويلة لقيت تجاوبا واستحسانا كبيرين من طرف سكان المنطقة، خاصة وأنهم افتقدوها منذ سنوات طويلة، كما طالبوا بأن تعمّم على مختلف الأحياء سواء بالبلدية أو مناطق أخرى بالولاية.
وعلى لسان السكان تقول الصحيفة أنّ كثيرا من العادات والتقاليد المعروفة في هذا الشهر الكريم، انقرضت واندثرت نتيجة تطوّر المجتمع والتكنولوجيا والتحوّلات الاجتماعية المختلفة.
وكتبت أسبوعية "العاصمة نيوز" الجزائرية (خاصة) شهر يونيو/ حزيران 2016 مقالا حول المسحراتي في محافظة "وادي سوف" (أقصى جنوب غرب البلاد) جاء فيه أنّ "المسحراتي شاب من أبناء المدينة يعود في كل رمضان حاملا طبلته المعتادة".
واشارت الصحيفة أنّ الشاب يبدأ رحلته عند اقتراب موعد السحور بساعتين أو أقلّ ويشرع في المناداة بصوته المتناغم والمنتظم ليستيقظ النائمين ، حيث أن الطبلة التي يضرب عليها تقطع سكون الليل بشوارع واد سوف المتراصة إلى غاية موعد آذان الفجر.
ويقول "جلول الجيلالي" الباحث الجزائري في التراث الشعبي أنّ "مهنة المسحراتي اختفى أثرها بنسبة 90 بالمائة ولم تعد موجودة منذ زمن طويل، كما اندثرت جملة من التقاليد والعادات الأخرى على غرار "القوال" أو "الراوي" الذي "يبرّح" على الأموات والذي تم تعويضه بالإذاعات".
ويضيف "جلول الجيلالي" لـ"الأناضول" أنّ "الاندثار طال كذلك ثلة من المعالم الأثرية في الجزائر ولا يقتصر فقط على المسحراتي".
وأشار في معرض حديثه أنّه لا أثر لـ"المسحراتي" في "معسكر المدينة التي يقطن بها (غرب البلاد 450 كلم) والأمر نفسه بالنسبة لباقي مناطق الوطن.
ويرجح المتحدث أنّ معالم زوال المسحراتي تدريجيا في رمضان عند الجزائريين "بدأت مع نهاية سنوات الستينيات من القرن الماضي، أي بعمر يقدر الآن حوالي 60 سنة أو أكثر".
وأكد في السياق "أنّ دورها كان فعالا في ظل غياب وسائل التكنولوجيا الحديثة وأجهزة التلفزيون والمنبهات بإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور".
وأرجع السبب الرئيس في ذلك إلى تطور المجتمع بعد الاستقلال 1962 وعامل التكنولوجيا الحديثة التي أثرت سلبا على التراث الشفهي والعادات الشعبية في الجزائر بما فيها "المسحراتي" الذي باتت تنافسه الأجهزة الإلكترونية على غرار "الهاتف" بمختلف أنواعه و"المنبهات" و"'التلفزيون" و"الأنترنت".. وغيرها.
ولم يخف المتحدث أنّ المسحراتي أو المسحر مهنة لا تعنى بالإعلان عن وقت السحور، بل لها وظائف أخرى كانت قديما مثل الإعلان عن وقت الإفطار وقت آذان المغرب بالضرب على الطبل (الدف التقليدي) والإعلان عن دخول شهر رمضان المبارك كذلك.
ولفت في السياق ذاته أنّ ما كان يميز المسحراتي في الفترة الاستعمارية الفرنسية للجزائر (1830-1962) هو لباسه الخاص المشكل من القميص والسروال الذي يشبه لباس الشرطة، وكذا القبعة التي توضع على الرأس والشبيهة بالقبعة التونسية ذات الخيط الأسود.
و"المسحراتي" أو "المسحر" هي مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ الناس (المسلمين) في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور.
وما يعرف عن "المسحراتي" هو حمله للطبل الضرب عليه أو حمله للمزمار والعزف عليه بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مرفوقا ببعض الابتهالات أو الأناشيد الدينية.