تحولت قدما المصري، رجب عبد المقصود، الذي ولد بإعاقة في ذراعيه، إلى أشبه بمعجزة، تصلح الساعات والهواتف، وتقود بشكل منفرد سيارة أجرة معدلة، لتغير خسارة اليدين لنجاحات مالية ومجتمعية بالقدمين.
في غرفة بمنزله في قرية "كفر حجازي" التابعة لمدينة إمبابة، في محافظة الجيزة، المتاخمة للعاصمة المصرية، يتذكر الخمسيني، عبد المقصود، في حديث مع الأناضول، وهو يفتح بقدميه حقيبة أدوات تصليح الساعات والهواتف، تاريخًا يعود لولادته مصابًا في ذراعيه، والتي تحولت لإعاقة لم تفلح أسرته أن تعالجها خلال 9 سنوات.
فشلت 6 عمليات جراحية في أن تعيد ذراعيه إلى وضعهما الطبيعي، ومع ذلك لم يصب بالإحباط، بل سعى وهو ابن الـ 15 عامًا، إلى مقاومة إعاقته بطريقة مختلفة، فاستغنى عن ذراعيه بقدميه في جميع شؤون حياته، حتى يبدو الأمر -لمن يراه- شبيها بالمعجزة.
" سر الساعاتي
بين أصابع قدمي رجب يتراءى مفكّ حديدي صغير يحرّكه بمهارة في فك ساعة يدوية بها عطل، قبل أن يلتقط ببراعة مسمارًا صغيرًا للغاية ليركّبه مكانه بالساعة.
هذه الخفة في الربط والفك، كما تابعتها مراسلة الأناضول، لا تنقطع عن قدمي الخمسيني المصري، دعته لها حاجته لمصدر رزق، خصوصا إثر زواجه وحرصه على تجاوز الإعاقة، ومحاولاته المتكررة في صغره في فك وتركيب ألعابه بقدميه.
أما لمهنة الساعاتي، فلها قصّة مع عبد المقصود بدأت حين كان يجمع ساعات أبناء قريته المعطّلة، ويتوجه بها إلى المتاجر المتخصّصة في إصلاحها بمنطقة العتبة وسط القاهرة، ثم يقف طويلا في انتظار استرجاعها عقب إصلاحها.
في الإنتظار، حرص عبد المقصود على متابعة جميع التفاصيل الدقيقة المتعلّقة بتلك المهنة، وحين يعود إلى منزله، كان يكرّر ما رآه من فك وتركيب لأجزاء الساعة، مستخدما قدميه.
ويتابع للأناضول: "الساعاتي الذي كنت أتعامل معه لاحظ قلة عدد الساعات التي أحضرها إليه، فسألني عن السبب، فأخبرته أنني أُصلحها بقدميّ وأحضر له الساعة التي تستعصي عليّ فقط".
ويستدرك: "لكنه لم يصدقني حتى قمت بتصليح الساعة بقدميّ أمام ناظريه، فكان أن ذاع صيتي، منذ تلك الحادثة، وبدأت أتلقّى عروضًا للعمل من أصحاب محلات الساعات الكبرى بالعتبة، وخلال هذه الفترة أتقنت المهنة أكثر".
وكان عبد المقصود يعمل صباحًا لدى أحد أصحاب محلات الساعات، ومساء في غرفة بمنزله، كما تطور مجال عمله، بمرور الزمن، ليشمل أيضا إصلاح الهواتف المحمولة، كما يقول.
** دراجة وسيارة بمواصفات "خاصة"
المعاناة التي يتكبّدها عبد المقصود يوميا بسبب المواصلات كانت سببًا ثانيًا دفعه إلى ابتكار دراجة نارية تدار بقدميه، مستغنيًا بذلك عن يديه المصابتين بإعاقة منذ الولادة.
فلمواجهة عدم وجود دراجات يمكنه قيادتها، عمل الرجل على تطوير دراجة نارية يمكنه قيادتها بقدميه، وبالفعل نجح مع صديقه الذي يعمل في إصلاح السيارات، على إتمام هذه المهمة التي خففت عنه الكثير من عناء المواصلات.
ووفق عبد المقصود، فإنّه، ومع انتشار التكنولوجيا والهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر بكثرة، بدأ الناس يُهملون وضع الساعات اليدوية، ما دعاه للتفكير في البحث عن فرصة عمل ثانية، تدر عليه دخلاً يؤمّن احتياجات زوجته وأبنائه الثلاثة، فكان أن اهتدى لتكرار فكرة تعديل الدراجة النارية مع سيارة أجرة.
إذ حاول، كما يقول، البحث عبر الإنترنت، عن سيارة يمكن قيادتها بالقدم، غير أنه فشل في ذلك، ولم يعثر سوى على سيارات معدّلة ومخصصة لذوي إعاقة القدمين، أما ذوو إعاقة اليدين، فغير مسموح لهم بقيادة السيارات، باعتبار أن اليد تتحكم أكثر في السيارة أثناء السير.
هذه الأزمة تغلّب عليها بشراء سيارة قديمة جعل عجلة قيادتها، بمساعدة فنيين، أسفل السيارة، وصمّمها بحيث تكون قدمه اليسرى ثابتة على عجلة القيادة، والقدم اليمنى تتحرك ما بين الوقود وتغيير السرعات والإشارات والفرامل.
وتتحرك قدما عبد المقصود بسرعة في أقل من الثانية، كما يقول.
** عزيمة تتحدّى الإعاقة
رغم أن "الكثير من الناس أحبطوني، وقالوا لي إنه من المستحيل أن تنجح في قيادة سيارة"، يتابع عبد المقصود، "إلا أنني نجحت بفضل الله".
وحاليا، يقود الرجل سيارة الأجرة التي يملكها ويعمل بالمنطقة الصناعية في منطقة 6 أكتوبر غرب القاهرة، وهو مصدر رزقه الوحيد، إضافة إلى عمله في إصلاح بعض الساعات والهواتف المحمولة.
ويعبّر عبد المقصود عن فخره بحرص كبار المهندسين على الركوب معه وإيصالهم إلى وجهتهم، قائلا: "دائمًا يظهرون انبهارهم بالسيارة، ولا يصدقون أنني صنعتها (أي التعديل) بنفسي".
وشدّد على أنّ "العقول المصرية قادرة على القيام بكل شيء وابتكار كل جديد، وأنّ أصحابها لا يحتاجون سوى الحصول على فرصة".
كما يقترح فكرة تصنيع أو تعديل سيارات تسهل قيادتها من قبل ذوي إعاقة الذراعين، لافتا إلى أنه "في حال انتشار مثل هذه السيارات، فستوفّر دخلا للكثير من هؤلاء، بدل بقائهم عبئا على أسرهم.
وفي مايو/آيار الماضي، قدّر رئيس الحكومة المصرية، شريف إسماعيل، عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر بنحو 15 مليونا.