السؤال الأول: شهر رمضان شهر مبارك أنزل فيه القرآن .. كيف يُحيي المسلم هذا الشهر المبارك؟
إن شهر رمضان الكريم فرصة عظيمة للمسلم كي يحصّل فيه أجورًا كثيرة، وحسنات مضاعفة، ولذلك ينبغي للمسلمين أن يستغلوا هذه الفرصة التي لا تأتي إلا مرة واحدة في العام، فكيف ذلك؟
أول شيء يجب أن يلتزم به المسلمهو المحافظة على الفرائض، فهذا أحب ما يتقرب به العبد للمولى سبحانه وتعالى؛ فقد جاء في الحديث القدسي الشريف، قال الرب جل وعلا: "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضتُه عليه".
وفي مقدمة الفرائض التي يجب أن يؤديَها المسلم، ويحافظ عليها: الصلاة؛ فهي عماد الدين ـ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ، وأجرها عظيم، فهي تكفر السيئات، حيث قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفراتُ ما بينهن، إذا اجتُنِبت الكبائر".
والأمر الثانيالذي يجب أن يتحلى به سلوك المسلم في شهر رمضان هو اجتناب المعاصي؛ فهذا داخل فيما فرض الله، حيث إن الله تعالى فرض على العباد ترك المعاصي.
ومَن ترَك معصية خوفاً من الله أثابه الله تعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله كَتَب الحسناتِ والسيئاتِ ثم بيَّن ذلك، فمَن هَمّ بحسنة فلم يعملها كتبها اللهُ عنده حسنة كاملة، وإن هَمّ بها فعمِلها كتبَها اللهُ عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، وإنْ هَمّ بسيئة فلَم يَعمَلها كَتَبها اللهُ عنده حسنة كاملة، وإن هَمّ بها فعمِلها كَتَبها اللهُ سيئةً واحدة".
والأمر الثالثالذي ينبغي للمسلم أن يحيي به شهر رمضان هو الإكثار من النوافل والمستحبّات، وهذا باب واسع.
ومن فضل الله علينا أن جعل أبواب الخير، ومجالات النوافل والعبادات كثيرة ومتنوعة، وكلها توصل إلى مرضاة الله عز وجل، فما على المسلم إلا أن يتخير من هذه النوافل ما يناسبه، ويتيسر له عمله.
وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تَعدل بين اثنين (يعني تصلح بين متخاصمين) صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه (يعني تساعده في حمل أمتعته) صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتُميط (يعني تزيل وتبعد) الأذى عن الطريق صدقةٌ".
ومعنى سُلَامَى: العظام التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان.
والحديث يريد أن يقول لنا أنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكرًا لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء، ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط، بل هي أنواع كثيرة، وأن كل عمل فيه نفع للناس يكون صدقة عند الله تعالى.
فعلينا أن نكثر من فعل الخير بكل ما نستطيع، كما قال تعالى: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون".
السؤال الثاني: ما متطلبات العبادة الصحيحة للمسلمين، كما جاء في القرآن والسنة؟
إن متطلبات العبادة الصحيحة للمسلمين كما جاء في القرآن والسنة تنحصر في أمرين رئيسين:
الأول:الإخلاص لله تعالى، بأن يقصد المسلم بعمله وعبادته وجه الله، ولا يريد غيره.
والثاني:أن يكون العمل موافقا للشرع، بعيدا عن الابتداع في الدين، ومخالفة سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وقال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ"،يعني البدعة ترد على صاحبها ولا تقبل عند الله.
السؤال الثالث: كيف نرتب علاقتنا بالقرآن كمسلمين في رمضان؟
شهر رمضان هو شهر القرآن، فيه أُنزِل من عند الله، وفيه تكثر قراءته، ومصاحبته.
قال تعالى: "شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن هدى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان".
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من قراءة القرآن، ويوثق علاقته به في شهر رمضان.
وإذا أراد المسلمون العزة فليوثقوا صلتهم، ويضبطوا علاقتهم بكتاب ربهم؛ فهو عزهم وشرفهم ومجدهم، كما قال تعالى: "لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم" يعني شرفكم.
وكي تكون علاقة المسلمين بالقرآن صحيحة ومفيدة، ينبغي أن تكون على النحو الآتي:
أولا:الإكثار من قراءة الكتاب العزيز، والاستماع إليه، وحفظ ما يتيسر منه.
ثانيا:تعلمه وفهمه، ومعرفة أحكامه، والتدبر في آياته ومعانيه.
ثالثا:العمل به، بأن يحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويقفوا عند أوامره ونواهيه.
رابعا:تعليمه، وتبليغه للناس.
فإذا حقق المسلمون هذه الأمورَ في علاقتهم بالقرآن فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة، وكان القرآن شفاء وهداية لهم، كما قال تعالى: "وننزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين".
السؤال الرابع: المسلمون في جميع أنحاء العالم يعيشون حالة من العجز والضعف .. كيف يمكن أن يكون شهر رمضان فرصة لانتصار المسلمين والمؤمنين؟
إن شهر رمضان يحيي في المسلمين روح النصر، والمجاهدة في كل ميدان.
فأعظم ميدان ينتصر فيه المسلمون خلال شهر رمضان هو الانتصار على هوى النفس وشهواتها، وتقويمها ومجاهدتها حتى تلتزم الصلاح والاستقامة، وتتخلص من حب الدنيا وزينتها، وهذا مفتاح لكل نصر في الحياة، وهو أعظم انتصار يحققه المسلم.
كما أن شهر رمضان مليء بذكريات النصر، مثل نصر "بدر" الذي كان بدايةَ العزة والتمكين للمؤمنين، وفتح مكة، وانتصار حطين، وعين جالوت، ثم العاشر من رمضان 1393ه (1973م)، فعلى الأمة أن تستلهم هذه الانتصارات، وأن تسير على خطى السابقين، فتبذل الجهود، وتأخذ بالأسباب، فتجهز العدة الإيمانية، والعدة المادية.
وكما جمعت شعائر الصوم والصلاة والحج وغيرها من العبادات أرواح المسلمين يجب أن تجتمع كلمتهم، وتتوحد صفوفهم، فإذا فعلوا ذلك انتصروا على أعدائهم.
السؤال الخامس: المستبدون يضطهدون ويقتلون المسلمين في أنحاء كثيرة من العالم .. هل يكون رمضان المبارك فرصة لتأسيس وحدة بين المسلمين؟
إن أعداء أمتنا الإسلامية ما طمعوا فيها، ولا استهانوا بها إلا لتفرقها، وتنازعها، وهذه ما حذرنا منه ربنا، فقال سبحانه: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم" ـ يعني قوتكم ـ.
والعبادات عموما مجال لإحياء مشاعر الأخوّة والوحدة بين المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وفي شهر رمضان فرصة عظيمة لبعث رُوح الأخوة والوحدة والتكافل والتناصر والتراحم بين المسلمين في كل مكان.
ولا شك أن الأمة التي تسعى لتحقيق العزة والقوة لا بد لها من وحدة الصف، وجمع الكلمة، والصومُ مجال واسع لإحياء هذه الروح، حيث المسلمون جميعا يصومون شهرا واحدا، ويفطرون حسب نظام واحد، وفيه يشعر الغني بالفقير، والقويّ بالعاجز، وفيه تصفو النفوس وتكون نفوسهم مهيأة لمساعدة ومناصرة بعضهم البعض، بشكل لا مثيل له في أي وقت آخر.
السؤال السادس: ما رسالتكم للمؤمنين في هذا الشهر المبارك؟
يجب أن نستغل كل ساعة مما تبقى من شهر رمضان في الطاعات، وصالح الأعمال، فهو فرصة، لا ندري هل ندركها مرة أخرى أم لا، وحقا ما قاله الإمام ابن الجوزي: تالله لو قيل لأهل القبور تمنُّوا لتمنَّوا يومًا من رمضان.
كما أن علينا أن نحرص على ما تعلمناه من دروسٍ إيمانية وأخلاقية وحياتية في مدرسة الصيام، وأن نتمسك بها طَوال العام، فرمضان ما هو إلا تدريب مكثَّف على المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه المسلم في حياته كلها.