شدد الطيب مصطفى، رئيس لجنة الإعلام في البرلمان السوداني، رئيس حزب "منبر السلام العادل"، على ثقة بلاده بتركيا، واستنكر من ينتقدون سعي الخرطوم وأنقرة إلى ترسيخ علاقات استراتيجة بينهما.
وقال مصطفي، في مقابلة مع الأناضول: "نثق بتركيا أكثر مما نثق بكل الدول الأخرى، التي مٌنحت قواعدا عسكرية في المنطقة العربية".
وشدد على أن "العالم الإسلامي لم يتفتت إلا بعد سقوط الدولة العثمانية.. على المستوى الشخصي أتوق إلى عودة الخلافة العثمانية".
والخلافة العثمانية هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قرابة 600 سنة بين عامي 1299 و1922.
**جزيرة سواكن
البرلماني السوداني قال إنه "إذا أُقيمت قاعدة عسكرية تركية في (جزيرة) سواكن (السودانية في البحر الأحمر)، فأنا على المستوى الشخصي لا أرى مانعًا في ذلك البتة، وأؤيد ذلك بشدة".
وتساءل مستنكرا: "وماذا يعني إذا مُنحت تركيا جزيرة سواكن.. هل ستكون مثل القواعد العسكرية التي أُعطيت إلى أمريكا، وهي العدو وتنتشر في كل مكان (؟!)".
وزار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سواكن، في 25 ديسمبر/ كانون أول الماضي، واتفق مع نظيره السوداني، عمر البشير، على إعادة إعمار الجزيرة التاريخية وتنميتها.
وانتقدت بعض وسائل الإعلام العربية هذا الاتفاق، معتبرة أن الوجود التركي في البحر الأحمر يمثل تهديدا للأمن العربي، وهو ما نفته وانتقدته الخرطوم نافية وجود اي بعد عسكري له.
وتابع مصطفى: "إنهم لا يحتجون (لم يسمهم) إذا كانت أمريكا تدخل وتخرج في كل المنطقة العربية، ولكنهم يحتجون إذا جاءت تركيا.. لكننا نثق بها بعد أن جاء أردوغان بمرجعيته الإسلامية".
ومضى قائلًا: "هذه الحدود التي يتحدثون عنها صنعتها اتفاقية سايكس بيكو لتمزيق العالم الإسلامي، ونتوق إلى إزالة الحدود بين الدول الإسلامية لتعود الخلافة العثمانية.. ما هي المشكلة في ذلك؟".
و"سايكس بيكو" هي اتفاقية سرية بين فرنسا وبريطانيا، عام 1916، قضت باقتسام منطقة الهلال الخصيب بين البلدين الأوروبيين، لتحديد مناطق النفوذ في غربي آسيا، إثر تهاوي الدولة العثمانية.
وأردف: "ماذا حدث بعد أن أزيحت الدولة العثمانية (؟)، لم يحدث إلا تفتت العالم الإسلامي.. أُعطيت بريطانيا الوصاية على فلسطين لتعطيها إلى إسرائيل.. هذا لم يحدث إلا بعد سقوط الخلافة".
وزاد، "ينبغي أن يعلم الجميع الخدع الكبرى التي حدثت بتواطؤ بعض العرب لكى تُزال الدولة العثمانية، هذا هو الخطأ الأكبر الذي ينبغي أن يُصحح".
وشدد البرلماني السوداني على أن ""السودان يتعاون مع تركيا وفق مرجعة إسلامية وسودانية تتسق مع تركيا في عهد أردوغان، فالأمر ليس مصالح وحسب".
وضمن جولة إفريقية، زار أردوغان الخرطوم، الشهر الماضي، في أول زيارة لرئيس تركي منذ استقلال السودان عام 1956، وذلك على رأس وفد ضخم، وشهد توقيع 21 اتفاقية في مجالات مختلفة.
وحول هذه الزيارة قال مصطفى: "نحن سعداء جدًا بالزيارة، وقد عبرت عن احترام كبير جدًا للسودان ولشعبه، وبالتالي سيكون لها ما بعدها، في توطيد العلاقة بين البلدين لتصبح استراتيجية".
** محاولة الانقلاب
قال البرلماني السوداني: "كنت اتساءل ماذا كان سيحدث في عالمنا الإسلامي إذا نجح الانقلاب (على حكم أردوغان) في تركيا.. كانت ستكون طامة كبرى، ولكن بفضل الله فشلت".
وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول، منتصف يوليو/تموز 2016، محاولة انقلاب فاشلة نفذتها عناصر محدودة من الجيش، تتبع منظمة "فتح الله غولن" الإرهابية، وحاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية لكن الشعب تصدي لها واحبطها.
وأضاف مصطفى: "نعول على الرئيس التركي كثيرًا، وهو الذي يقود الآن العالم الإسلامي لكى يتصدى للمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام".
**ترامب والقدس
أثار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، غضبا في العالمين العربي والإسلامي، باعتباره، في 6 ديسمبر/ كانون أول الماضي، القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة مزعومة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال.
وهو قرار وصفه البرلماني السوداني بأنه "خاطئ وظالم وخارج على جميع القرارات السابقة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ويمثل تحدياً للنظام العالمي بصورة عامة".
وأردف: "ترامب جاء بمنطق آخر.. هو لا يعترف بالمؤسسات حتى داخل أمريكا، لذلك يواجه عاصفة داخل بلاده.. خرج على جميع الأعراف والمواثيق الدولية، فهو ليس سياسياً ولا يتحلى بأي قدر من الأخلاق".
وتابع مصطفى: "نحن على ثقة كاملة بأن هذا القرار هو مجرد حبر على ورق، ولن ينفذ، لأن الإرادة الدولية أبطلته تمامًا، وكل العالم تقريبًا وقف ضده، ولن يكون له أي تأثير".
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 21 ديسمبر/ كانون أول الماضي، مشروع قرار قدمته تركيا واليمن يؤكد اعتبار مسألة القدس من "قضايا الوضع النهائي، التي يتعين حلها بالمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
وزاد: "يحمد لهذا قرار ترامب أنه عبأ الأمة والشباب، وأيقظ الغافلين والنائمين ليقابلوا هذا التحدي الجديد، وهو تحدي وجود قوة متغطرسة لا تعترف بقانون أو أخلاق".
** التحالف العربي
منذ عام 2015 يشارك السودان في التحالف العربي، بقيادة السعودية، لاستعادة الشرعية في اليمن، في مواجهة مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المتهمين بتلقي دعم عسكري من إيران.
وقال البرلماني السوداني إن بلاده تشارك في التحالف لـ"لحماية الحرمين الشريفين.. وهذا ما ينبغي أن يفعله كل مسلم، ولا يمكن أن نحايد في الحرمين الشريفين، وهما ليسا مملوكين لدولة من الدول، وإنما ملك للمسلمين جميعًا".
وأضاف: "الحفاظ على المقدسات في مكة والمدينة يعلو على الحفاظ على عواصمنا الجغرافية القطرية.. تعنيني قبلتي أولًا قبل أن تعنيني الخرطوم، وأقول هذا دون أي مجاملة.. يوم القيامة لن أسأل عن سودانيتي حتى، وإنما سأسأل عن إسلامي".
وزاد، "كفاية ما حدث في فلسطين للقدس وللأقصى، لا يمكن أن نسمح بتكرار ما حدث في الأقصى".
**السد الإثيوبي
تخيم توترات على العلاقات بين الجارتين السودان ومصر بسبب ملفات خلافية، أبرزها اتهام القاهرة للخرطوم بدعم موقف أديس أبابا بشأن ملف سهد "النهضة" الإثيوبي.
وعن موقف الخرطوم قال البرلماني السوداني: "موقف السودان صحيح، لأنه اتخذ موقفه بناء على مصلحته، وليس لفائدة دولة أخرى، وهذا شيئاً طبيعياً".
وتابع: "السد سيخدم السودان، ولا يعنينا إذا أحدث بعض المشكلات لدولة أخرى.. صحيح أننا لا نريد أن يحدث أي ضرر لمصر، فهو بلد شقيق والشعب المصري يعنينا جدًا، لكن إذا كانت مصلحة السودان في ذلك، لا ينبغي أن نُحاسب إذا وقفنا مع السد".
وتخشى مصر أن يؤثر السد على تدفق حصتها السنوية، البالغة 55.5 مليار متر معكب، من نهر النيل، مصدر المياه الرئيسي لها.
بينما تقول إثيوبيا إن السد سيحقق لها فوائد عديدة، لا سيما في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية (تحتاجها الخرطوم)، ولن يُضر بدولتي المصب، السودان ومصر.
وأضاف مصطفى: "لا أعتقد أن سد النهضة سيلحق ضررًا كبيرًا بمصر، وعلى كل حال لا نريد الإضرار بها، لأن مصر هي أرض الأنبياء".
واستدرك: "الأرض محايدة، يمكن أن يأتيها الصالح والطالح، كان فيها (مصر) إبراهيم ويوسف وموسى (أنبياء الله)، والآن فيها (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي، ويمكن أن تنحط الأرض بانحطاط من يحكمها، وترتفع بارتفاعه".
وختم مصطفى بقوله: "الشعب المصري وقف مع صلاح الدين الإيوبي لتحرير القدس القديمة وطرد الصليبيين، لذلك نحن نقف مع مصر الأرض والشعب، وليس مع مصر النظام، عندما يكون النظام خائنًا".
وإضافة إلى ملف السد، ثمة ملفات خلافية أخرى بين القاهرة والخرطوم، في مقدمتها النزاع على مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد الحدودي، واتهام السودان لمصر بدعم متمردين سودانيين، وهو ما نفته القاهرة مرات عديدة، أحدثها قبل أيام على لسان السيسي.