يبحث اللاجئون السوريون في تركيا عن الضوء في نهاية النفق المظلم، الذي يخيم على بلدهم منذ أكثر من 6 سنوات، محاولين عبر ممارسة مهن مختلفة، التغلب على الصعاب، والتشبث بالحياة.
وفي الوقت الذي يواجه فيه اللاجئين تحديات عديدة، من إتقان اللغة التركية ودخول سوق العمل، والاعتياد على الحياة الجديدة، تمكن كثيرون من بدء حياتهم بالفعل، وباتت لديهم أعمالهم ومشاريعهم، فيما تابع الطلاب تعليمهم بالمدارس والجامعات التركية.
اللاجئون السوريون يتوزعون في مختلف أنحاء تركيا، وتتصدر إسطنبول (غرب) قائمة الولايات المستضفية لهم، حيث يبلغ عددهم 484 ألفًا و810 سوريين من أصل 3 ملايين، بحسب معلومات حصلت عليها الأناضول في وقت سابق من مسؤولين بإدارة الكوارث والطوارئ التركية.
** تسهيل دمج السوريين
ريما حسين، مدرسة سورية من دمشق، تعمل مدرسة لغة إنكليزية، ومترجمة في التأهيل النفسي ضمن مشروع "غصن الزيتون"، الذي تنفذه "جمعية الأطباء الدوليين" (مقرها تركيا)، لتأهيل الأطفال والنساء نفسيًا من آثار الحرب السورية.
وقالت ريما للأناضول: "يجب تكليف المختصين بالدمج في تركيا بالعمل على تسهيل عملية دمج السوريين، لتخفيف العبء عن تركيا، خاصة وأنه من غير المعلوم إلى متى سيبقى السوريون هنا؟".
وتحدثت عن قصة بدئها في التدريس بإحدى المدارس المدعومة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، قائلة: "عندما بدأت بهذا العمل لم تكن هناك مدرسة، ولم يكن هناك طلاب، فجمعت الأطفال السوريين من الشوارع، وكانوا يبيعون المناديل ويتسولون.. تمكنا بمساعٍ ذاتية من تحويل مبنى متروك إلى مدرسة".
المدرّسة السورية شرحت الظروف الصعبة التي رافقتها مع زوجها المحامي وأولادها، عقب قدومهم إلى تركيا، بقولها إن "صدمة الحرب وآثارها لا زالت عالقة بنا، ولتجاوز الآلام التي عانيناها هناك طريق واحدة، وهو أن يستمر كل شخص في ممارسة الدور الذي كان يقوم به في سوريا".
ومضت قائلة: "يوجد في تركيا سوريون كثيرون أصحاب كفاءات، من مهندسين وأطباء ومحامين، ويجب تأمين عمل لهم في ميادين عملهم، لنقل معارفهم وخبراتهم، فزوجي محامٍ، وبعد اللجوء حاول تأمين لقمة العيش عبر التسويق، والآن يعمل في مكتب قانوني، ولكن هذه الفرصة ليست متوفرة للجميع".
وتابعت، "من أكبر المشاكل أيضًا هو الوضع القانوني للأطفال الذين ولدوا وعاشوا هنا، فهؤلاء لن يرغبوا في العودة إلى سوريا مستقبلًا.. من ولد هنا وتعلم التركية، واعتاد على المجتمع، سيكون وضعه مؤلمًا أكثر، فعندما نقول إننا سنعود إلى بلدنا بعد انتهاء الحرب، يعارضون هم ذلك".
وأردفت: "ابني عندما سمع كلمة وطن تساءل عنها، وعندما أجابته بأنه المكان الذي تشعر فيه بالأمان اعتبر مكان عمله في الجمعية هو وطنه، وهكذا الأبناء، من الظلم انتقالهم إلى سوريا مستقبلًا، ويجب على الأقل منح من ولد هنا الجنسية التركية".
وأوضحت ريما أن "هناك مشاكل تعترضنا في التأمين الصحي، وكثير من مشاكلنا حُلت بعد منحنا بطاقة التعريف المؤقتة من الحكومة التركية.. لكن هناك من يستخدم الأمر بطريقة سيئة.. رغم كل شيء أحببت تركيا، ولم أفكر في اللجوء إلى أوروبا.. لا نرغب في البدء من جديد، وتبقى تركيا دولة مسلمة نحبها".
** أجور منخفضة
الحلاق السوري علي أبو علي (23 عامًا) لجأ إلى تركيا قبل 5 سنوات، وقال للأناضول: "لم أعان من اللغة لكونه تركماني، لكن السوريين الآخريين واجهوا معوقات من ناحية اللغة، وعملت جاهدًا لمساعدتهم عبر الترجمة".
ومتحدثًا عن صعوبات اللاجئين ومعاناتهم وطرق تجاوزها، قال "علي"، الذي يعمل منذ صغره في الحلاقة، للأناضول، إن "الأجور منخفضة، وأحيانًا لا تُدفع الرواتب، ويعمل اللاجئون لساعات طويلة دون ضمان، نريد ظروف عمل أفضل.. تم الحديث عن منح الجنسية (التركية) إلى السوريين، ولكن لم نسمع أحدًا حصل عليها، حيث نرغب ببناء حياة جيدة هنا".
وتابع بقوله: "منذ 5 سنوات وأنا بعيد عن بلدي، وأجرة البيوت (في تركيا) ارتفعت.. البعض كان يظن أن السوريين لديهم أموال كثيرة، فيرفعون الإيجارات، ونظرًا لظروف الحياة الصعبة في إسطنبول، فإن البعض يرغب في الهجرة إلى أوروبا، لأن هناك تدفع رواتب للاجئين".
واستدرك اللاجيء السوري بقوله: "السوريون لا يرغبون في الرحيل، على العكس يرغبون في العمل هنا، وأن يتلقوا المساعدة. من بين زبائني عرب وأتراك، وأرى دعمًا من الأتراك للعرب".
وأوضح أن مطالبهم من السلطات التركية هي: "مساعدة السوريين أكثر، وتأسيس ميادين للعمل والتشغيل، وعدم السماح بسرقة أتعاب السوريين".
** إيجارات مرتفعة
"أنا محظوظة قياسًا بالآخرين، لحصولي على عمل في إسطنبول"، هكذا تحدثت زهراء مصطفى (33 عامًا) للأناضول، مضيفة أنها "أجبرت على ترك سوريا مع زوجها وولديها قبل 5 سنوات، وتعمل مترجمة للمرضى في المركز الكويتي التركي لزراعة الأعضاء (غير حكومي).
ومتحدثة عن مشاكل تعترض السوريين، أضافت زهراء أن "إيجارات المنازل المرتفعة تمثل مشكلة للسورين والأتراك، وإن حُلت سيصبح الوضع أفضل.. تركيا استضافت السوريين بشكل جيد، لكن أزمة المعيشة مستمرة.. الحكومة استضافتنا واحتضنتا وقدمت إلينا خدمات كثيرة، وهو أمر مهم".
وتابعت: "الأطفال (السوريون) يدرسون في المدارس التركية، والمشافي تستقبلهم.. رغم توفر الفرصة، لم أفكر في اللجوء إلى أوروبا بشكل إيجابي كما حال كثير من السوريين، فتركيا أقرب إلى سوريا، والناس هنا أكثر رحمة وتعاطفًا".
زهراء أبدت رغبتها في "الحصول على الجنسية التركية لأولدي وليس لي"، وختمت بقولها: "أتباع الحرب في سوريا، وحزني على أبناء بلدي يزلزلني، ولا أطيق ما أراه، لكنني مجبرة على الحياة والوقوف صامدة، فلدي أولاد".
** تصاريح العمل
أما السوري عزت نابو (40 عامًا)، وهو من حلب شمالي سوريا، فقال للأناضول: "كنت أعمل في محل حلويات بحلب، وافتتح المحل لاحقًا هنا، وأعمل معهم.. أنا هنا مع عائلتي المكونة من 3 أطفال، وهم يذهبون إلى المدرسة التركية، ويتعلمون ويدرسون بالتركية، وكل شيء على ما يرام".
وعن المعيقات التي تواجههم، أجاب بقوله: "صحيًا نحن بخير، لكن لم نتمكن حتى الآن من علاج ولدي الصغير، فهو يعاني من قصر إحدى قدميه، وتجولنا في عدة مشافي حكومية، لكنهم يقولون لنا إنه لا توجد نتيجة.. وغير ذلك كل شيء على ما يرام".
وأوضح أن "الصعوبة كانت في البداية لمدة 6 أو 7 أشهر، فلم نكن نعلم اللغة التركية، وبعد أن تعلمناها بدأنا نتواصل مع الأتراك بشكل أفضل، وخاصة الزبائن، بينما عمال المحل يتحدثون بالعربية فيما بينهم أثناء العمل".
وأضاف أن "الأجرة في بداية كانت قليلة، وحاليًا الوضع أحسن، ونحن جئنا مجبرين، والناس تبدأ من تحت الصفر، والأتراك يهتمون ويقدمون المعونات".
وتابع "نابو" قائلًا: "حصلنا بداية على بطاقة الحماية، فيما الإقامة تكلف ولها متطلبات، حاليًا لدينا إذن عمل من قبل الشركة (صاحبة المحل) للعمال الأساسيين المثبتين، وهناك عمال يتغيرون باستمرار، حيث يعملون شهر أو شهرين، ولا يمكن استخراج تصاريح عمل لهم".
وعن البقاء في تركيا واحتمال الحصول على جنسيتها، أجاب بأنه "في تركيا هناك من استفاد، وأصبحت لديهم محلات، ولكن في النهاية ليست بلدنا الأساسي، نريد العودة إلى سوريا، هنا الشعب محترم، ورغم كل المشاكل السوريين يعملون هنا".
وختم اللاجيء السوري بقوله: "كعمال لا مطالب لنا بشأن العمل، هناك زيادة رواتب في الشركة.. الدولة التركية أصدرت قرار التجنيس بالنسبة لنا، وإن حصلنا على الجنسية أو لا، فنحن باقون هنا حاليًا، وفي النهاية سنعود إلى بلدنا".