هل يمكن بالفعل أن تشكل بوروندي مطمعا لتنظيم "داعش" الإرهابي، لاسيما في ظل محدودية استفادة هذا التنظيم من عمليات التجنيد في ذلك البلد الإفريقي لقلة عدد مسلميه؟ تساؤل دفعه إلى الواجهة تحذير زعيم مسلمي بوروندي، الشيخ صديقي كاجاندي، في نوفمبر/تشرين ثان الماضي، من أن "10 شباب على الأقل سقطوا بالفعل في براثن التنظيم الإرهابي".
كاجاندي، وفي تصريحات لمحطة إذاعة محلية، تابع بقوله: "لدينا أخبار من جميع محافظات البلاد، ومن (العاصمة) بوجمبورا تفيد بأن أشخاصا شرعوا في التقرّب من الشباب المسلمين تمهيدا لتجنيدهم، و10 شباب على الأقل سقطوا في براثن التنظيم الإرهابي، وغادروا البلد نحو الكونغو الديمقراطية لتدريبهم" على أيدي عناصر من "داعش".
ومع أن تصريحات زعيم المسلمين لم تحصل حتى الساعة على أي تعقيب رسمي، سواء من السلطات البوروندية أو الكونغولية، إلا أنها تفتح المجال أمام قراءة في مختلف العوامل التي من شأنها أن تفسّر توجّه داعش المحتمل نحو هذا البلد الواقع في شرق إفريقيا، بل والعوامل التي تفنّد ذلك الطرح من أصله.
** نقطة عبور مفيدة
جيرار بيرانتاميجي، أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة "بحيرة تنجانيقا" في بوجمبورا، اعتبر أن "بوروندي، وخلافا للمتوقع، تشكل مطمعا للتنظيم الإرهابي".
بيرانتاميجي، وفي حديث للأناضول، أوضح أن "بوروندي تقع في منطقة جغرافية تستقطب اهتمام داعش؛ ولذا ينبغي التعامل بجدية مع الأخبار الرائجة بشأن نجاح التنظيم في تجنيد شباب مسلمين في بلدنا.. فبوروندي تمثل نقطة عبور مفيدة لتنظيم غالبا ما يبحث عن تشكيل خلايا نائمة لاستخدامها عند الحاجة".
ووفقا له، فإن "داعش يتواجد في أي مكان يستطيع فيه فعل ذلك، طالما يؤمّن لها ذلك التسلل والتمركز في منطقة شرق إفريقيا، وخصوصا انطلاقا من الصومال، التي تعتبر أرضية خصبة، بفعل الوضع الملائم فيها لظهور أشخاص يتبنون تفسيرا متطرفا للإسلام".
** أزمة وعزلة
إضافة إلى كونها نقطة عبور "محتملة ومفيدة" لداعش، فإن الأزمة الخانقة التي تكابدها بوروندي منذ أكثر من عام ونصف، تشكل، بحسب مراقبين، أرضية ملائمة وحاضنة محتملة للتطرّف بأنواعه.
فمنذ أبريل/نيسان 2015، تعيش بوروندي أزمة سياسية انطلقت مع إعلان رئيسها، بيير نكورونزيزا، ترشّحه رسميا لولاية رئاسية ثالثة يحظرها الدستور ورفضتها قوى المعارضة؛ ما فجر مواجهات أسفرت حتى سبتمبر/أيلول الماضي، عن مقتل أكثر من 700 شخص وتشريد ما يزيد عن 310 آلاف آخرين، حسب الأمم المتحدة.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين أول الماضي، أعلنت بوجمبورا، وبشكل أحادي، قطع تعاونها مع المكتب المحلي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، متهمة إياه بالمشاركة في إعداد تقرير كاذب حول الوضع في البلد.
وبعد 3 أيام، أصدر نكورونزيزا مرسوما بانسحاب بلاده رسميا من المحكمة الجنائية الدولية، بعد موافقة البرلمان، ولم يتبقّ حتى الآن سوى الخطوة الأخيرة، وهي إبلاغ الأمم المتحدة بذلك القرار.
بموازاة ذلك، تصاعد التوتّر المخيم على العلاقات البوروندية- الرواندية، على خلفية اتّهام بوجمبورا صراحة لجارتها بتغذية الأزمة البوروندية، عبر إقامة معسكرات تدريب في الأراضي الرواندية، ومنح اللجوء لقادة الانقلاب الذي كاد أن يطيح، في سبتمبر/أيلول 2015، بالنظام الحاكم في بوروندي.
تلك العزلة الإقليمية والدولية، وإضافة إلى الأزمة السياسية والأمنية، ربما، وفق مراقبين، تشكل بدورها عاملا يجعل من بوروندي مطمعا للتنظيمات الإرهابية بأنواعها، ولا سيما داعش.
**سياق ديموغرافي "غير ملائم"
لكن بالمقابل يرى خبراء أن بوروندي لا يمكنها أن تكون هدفا لداعش، لأسباب عدة أبرزها، هو أن السياق الديموغرافي غير ملائم.
عمرو منصور، الباحث المصري المتخصّص في شئون الحركات الإسلامية، قال إن "المسلمين يشكّلون 5% من سكان بوروندي، البالغ عددهم حوالي 10 ملايين نسمة؛ أي أنّ عدد المسلمين لا يتجاوز 500 ألفا، ومع استبعاد النساء والتركيز على الشريحة التي يستهدفها داعش فى التجنيد، وهى بين 16 و30 عاما، فإن العدد يتقلّص إلى نحو 100 ألف نسمة، وهو عدد لا يعد مخزونًا بشريًا مغريًا للتنظيم للقيام بعملية تجنيد واسعة فيه".
منصور، وفي حديث للأناضول، اعتبر أن الحديث عن تجنيد 10 شباب "لا يمثل خطرا، لا حاليا ولا مستقبليا، فهم مجرد 10 أفراد يتحركون في مجتمع يضمّ 250 ألف من الذكور المسلمين غيرهم، فضلا عن رقابة الأجهزة الأمنية".
**لا أهمّية إستراتيجية
وحول إن كانت لبوروندي أهمّية استراتيجية بالنسبة لداعش، اعتبر الباحث المصري أن هذا البلد الإفريقي "لا يتمتّع بموقع استراتيجي، ولا بمؤسسات غربية مدنية أو عسكرية مهمة يمكن أن يستهدفها التنظيم".
كما أن بوروندي، وفق منصور، "لا تمتلك حدودا مباشرة مع الصومال، التي تعدّ البؤرة الوحيدة المعروفة لداعش في منطقة شرق إفريقيا، إضافة إلى أنّ قلّة عدد المسلمين في بوروندي يجعلها في منأى عن مطامع تقوم عليها فكرة إقامة كيان داعشي".
في أكتوبر/تشرين أول 2015، أعلن عبد القادر منعم، المتحدث باسم "حركة الشباب"، التي تتبنى تفسيرا متشددا للشريعة، في الصومال، مبايعة الحركة لداعش.
ومنذ هذه البيعة، حسب الباحث المصري، فإن "أول بلدة يعلن داعش سيطرته عليها في الصومال كانت في إقليم "بونتلاند" (شمال شرق)، في أكتوبر/تشرين أول الماضي، أي بعد عام كامل، ولم تستمر سيطرته على تلك البلدة لأكثر من 24 ساعة.. فكيف سيكون الحال في بوروندي (؟)".
كما أن نجاح زعيم مسلمي بوروندي فى معرفة تحرك 10 شباب مسلمين، يكشف، بحسب منصور، "سذاجة هذه الخلية الداعشية إن صحت روايتها؛ لأنه كان من الأولى أن يتحرك هؤلاء الشباب إلى شمال شرقي الصومال للالتحاق بقاعدة التنظيم في شرق إفريقيا".
**استراتيجية النقاط المضيئة
ووفق الباحث المصري فإن "تجنيد هؤلاء الشباب البورونديين ربما يكون قد جرى ضمن عملية تجنيد واسعة لتنظيم داعش تتم في بلدان شرق إفريقيا، تطبيقا لخطة تحرّك لداعش يمكن أن نطلق عليها استراتيجية النقاط المضيئة".
تلك الاستراتيجية، وفق منصور، "تقوم على جعل إحدى البقاع الجغرافية منطقة تمركز وكيان محتمل يفد إليها المجندّون من دول الجوار".
وأضاف: "وفى هذه الحالة سيكون شمال الصومال هو النقطة المضيئة، التي يتجمع فيها المجندون من مختلف دول الجوار، تماما كما جرى بشكل بارز في الحالة الليبية، ومما يعزز هذا الطرح هو أن داعش نجح بالفعل في تجنيد عناصر من الصومال وتنزانيا وكينيا، ممن التحقوا بصفوفه في كلّ من سوريا والعراق واليمن".