تعج مساجد القاهرة بآلاف المصلين، في صلاة التراويح (القيام)، غير أن مسجد "عمرو بن العاص"، يحظى بمكانة لا ينافسه فيها أحد بمدينة الألف مئذنة منذ مطلع شهر رمضان.
فالمسجد الذي يقع وسط القاهرة، ويعد الأقدم في البلاد، يستقبل المئات يوميا أما في ليلة القدر (27 رمضان) فيرتاده عشرات الآلاف، يلتقى عشرات ومئات منهم منذ بداية رمضان فرادى ومجموعات حول آيات وأذكار تلهج بها الألسنة.
السبحة، وفق مشاهدات مراسل الأناضول، قبل ليلة القدر بأيام، كانت لا تفارق يد هذا الشيخ الستيني الجالس فوق أريكة بالمسجد الأشهر بمصر، يتمتم بالذكر مثل كثيرين امتلأت بهم أركان بيت الله حول أبرز عمدانه التي تتجاوز الـ 300 عمود.
ومنطقة مسجد عمرو بن العاص، تعرف أنها في محيط مجمع الأديان الثلاثة بمصر الذي يضم مزارات دينية شهيرة.
وأسس المسجد في زمن الصحابي عمرو بن العاص، عقب فتح مصر في محرم من سنة 20 هجرية الموافق 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 641 ميلادية، في مدينة الفسطاط التاريخية (وسط القاهرة)، التي كانت آنذاك عاصمة إسلامية للبلاد، والأثر الباقي من المدينة.
** الراحة والزاد
وما أن ينطلق أذان المغرب بالمسجد، الذي يمتلئ بعشرات المصابيح ذات الزخارف الإسلامية، حتى تبدأ الأرواح الصائمة في ري نفسها مرتين الأولى بالماء والطعام الذي كان رفيقا لها قبيل الصلاة، والثانية بالاستعداد لصلاة القيام.
شريف حلمي (33 عاما) محام وأحد سكان ورواد المسجد، يقول، للأناضول،: "أشعر في المسجد براحة نفسية غير عادية، وكأن الأعداد الكبيرة تأتي هنا لكي تعوض ما فاتها على مدار العام وتحاول كثيرا أن تتقرب إلى الله".
آلاف يصطفون وراء إمام ذي صوت ندي لم يعرف نفسه قبيل بدء صلاة القيام بالمسجد، الذي يعد أول مسجد في مصر وإفريقيا.
وتبلغ مساحة المسجد حاليا 13 ألف متر مربع، وله ستة أبواب، وبه عدة منابر وأكثر من قبلة خشبية.
بخلاف آلاف المصريين، تبرز وجوه بالمسجد لدراسين بالأزهر من ماليزيا، قال أحدهم، لمراسل الأناصول، أثناء استراحة صلاة التراويح آنذاك، إنه جاء المسجد محبا للصحابي عمرو بن العاص الذي يحمل اسمه.
وتمرّ نحو ساعتين في صلاة بالمسجد يملؤها هدوء، وجلها في تلاوة ورد من القرآن وبعضها في رفع الأكف لدعاء الله بالعفو والرحمة، وفواصل كان يلجأ فيها البعض من رواد المسجد لتمرير زجاجة عطر صغيرة، ليعطر المصلين أنفسهم.
الشيخ إبراهيم عبد المنعم، في كلمة الاستراحة بين صلاة التراويح، يقول إن المرء عادة ما يأمل في إيجاد وقت للتقرب من الله بالصلاة وتلاوة القرآن والأذكار، وها هو شهر رمضان يحل لإمكانية تحقيق ذلك.
يعود حلمي للحديث مرة أخرى عن صلاة التراويح بمسجد عمرو بن العاص، قائلا: "المسجد لا يزال محافظا على رونقه، والأعداد موجودة وبكثرة وإن لم تكن على نحو ما كان موجوداً خلال فترة إمامة الشيخ محمد جبريل".
وظل المسجد الأثري، طوال السنوات الماضية، منبرًا لمشاهير القراء وعلى رأسهم الداعية محمد جبريل، إلا أنه في 2015، أصدرت وزارة الأوقاف بمصر قراراً بمنعه من الخطابة والإمامة في المساجد، قائلة إنه "خرج على تعليمات الوزارة في دعاء القنوت وحاول توظيفه سياسيا"، وهو ما نفاه آنذاك.
روحانيات "عمرو بن العاص" تجذب مصريين من كل أنحاء بالبلاد، وليس سكان منطقة المسجد فقط، يتحدث حلمي.
ويضيف: "الأعداد بصلاة الفجر في عمرو بن العاص أضعاف صلاة التراويح ويأتي إليها من كل مكان ومن مختلف الطبقات ونجوم المجتمع".
**التراويح الأكبر
أما ليلة القدر، ليلة الـ27 من شهر رمضان، فهي وفق حلمي "أمر آخر من الروحانيات والإقبال"، موضحا "من الصباح تتوافد الأعداد لحضور التراويح والدعاء، وتمتد أعداد المصلين لشوارع مجاورة للمسجد التاريخي".
ويعرف يوم 26 رمضان، في مسجد عمرو بن العاص، بأنه اليوم الأكبر عدداً في صلاة التراويح بمصر، إذ تصل أحيانا الأعداد إلى نصف مليون مصل، وفق تقديرات رسمية.
وجرت العادة على تحرّي "ليلة القدر"، ليلة 27 رمضان، لكونها إحدى ليالي الوتر في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، التي ورد فيها حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بأنها الأقرب لأن تكون إحدى لياليها.
ويمثل جامع عمرو بن العاص أقدم الطرز المعمارية لبناء المساجد وأهمها وهو طراز الجامع، الذى يتألف من صحن مربع أو مستطيل تحيط به أروقة أربعة، أعمقها رواق القبلة، ويتميز شكله الحالي ببساطة التصميم والتخطيط؛ بأعمدته الرخامية مختلفة الطرازات.