في الوقت الذي يتحرك فيه المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، لإعطاء نفسٍ جديد للحوار بين الفرقاء الليبيين، أعلن خليفة حفتر، قائد القوات المدعومة من مجلس نواب طبرق (شرق)، الجمعة الماضية، أن هدفه "السيطرة على طرابلس وكل ليبيا".
ورغم أن سعي حفتر، للسيطرة على الحكم في ليبيا، ليس أمراً مستغرباً، إلا أن الجديد في خطاب الرجل المثير للجدل، خلال حفل عشاء نظّمه لعدد من ضباط قواته في بنغازي (شرق)، عندما قال إنه "لم يتبق سوى مساحات قليلة خارجة عن سيطرة الجيش (قواته) لا تتعدى 30 ألف كلم مربع".
ولفت حفتر إلى أن "مساحة ليبيا تبلغ مليون و760 ألف كلم مربع، والجيش (قوات حفتر) يسيطر الآن على مليون و730 ألفًا منها ولم يتبق إلا القليل".
ويبدو هذا الرقم مبالغا فيه جدًا، حسب العديد من المراقبين والمتابعين للملف الليبي، خاصة أن قوات حفتر لا تسيطر على المنطقة الممتدة من "سرت" شرقا وحتى "زوارة" على الحدود التونسية غربًا، مرورًا بمدن مصراتة والعاصمة طرابلس وغريان والزاوية وصبراتة، وهي مدن تمثل نحو ربع مساحة البلاد، وأكثر من نصف كتلتها السكانية.
وإلى جانب ذلك، لا تسيطر قوات حفتر على مناطق في الجنوب الغربي، ومنها أوباري وغات، والتي ما زالت تعلن ولاءها الرسمي لحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج.
لكن حفتر، أحكم سيطرته على الشرق بعد إنهاء المعارك في مدينة بنغازي، وأخضع دون قتال محافظتي الجفرة وسبها، الاستراتيجيتن وسط وجنوب غربي البلاد، وفرض نفوذه على معظم أجزاء إقليم فزان (جنوب غرب) وعلى الهلال النفطي، أكبر حقول وموانئ النفط، ومعظم المطارات العسكرية والمدنية في البلاد،
وهو يعتقد اليوم أنه سيطر على معظم أجزاء الجناح الغربي لإقليم طرابلس.
ويحاول "حفتر" ترويج فكرة أن كل من قوات محاربة "داعش" في صبراتة، وكتيبة "أنس الدباشي" التي طردتها الأولى من المدينة، تابعتان له، رغم أن الكتيبتين تعلنان أنهما مواليتان لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، والتي يناصبها حفتر العداء.
قد يكون كلام الرجل العسكري من قبيل الحرب النفسية، لكن الأكيد أن المعسكر المعادي له والذي كانت تقوده كتائب مصراتة، في أسوأ أحواله بسبب الانقسامات التي وقعت في صفوفه والاقتتال بين كتائبه.
وفي إشارة إلى اقتراب قواته من العاصمة طرابلس، ذكر حفتر أن "الجيش (قواته) قد سيطر على المنطقة الواقعة غرب طرابلس والممتدة من زوارة على الحدود مع تونس وحتى مدينة الزاوية الواقعة على بعد 30 كلم غرب العاصمة طرابلس (مساحتها 400 كلم مربع)".
وفيما يعد إعلانا مباشرًا عن حرب قريبة، كشف حفتر الذي يتركز نطاق سيطرته حاليًا في الشرق، أن وجهته القادمة هي مدينة الزاوية (40 كلم غرب طرابلس)، قائلا إنه "خلال الأيام القليلة القادمة ستتم السيطرة على الزاوية (خاضعة لسيطرة حكومة الوفاق حاليًا)".
وأضاف حفتر خلال لقائه بضباطه إنه "منذ مدة ونحن على تواصل مع ضباط وجنود في المنطقة الغربية لضمهم إلى الجيش (قواته)، وقد انضموا وانتفضوا خلال الأيام الماضية وحرروا مناطقهم من زوارة وحتى الزاوية"، في إشارة إلى القتال الذي وقع بين غرفة محاربة "داعش" التي يدعمها حفتر إعلاميًا، وكتيبة "أنس الدباشي".
وعن كيفية دخوله المرتقب لطرابلس رغم تواجد حكومة الوفاق والقوات الموالية لها فيها، قال أحد الضباط الحاضرين للقاء حفتر، إن الأخير أخبرهم بعيدًا عن الإعلام، أن "دخول طرابلس لن يكون حتى بإطلاق رصاصة واحدة".
وأوضح الضابط في تصريح للأناضول، طالبًا عدم نشر اسمه، أن حفتر أخبرهم أيضًا "عن تجهيز قوات من العسكريين داخل طرابلس سننضم لهم في ساعة الصفر، التي لم يحدد موعدها لكنه قال إنها قريبة".
والهدف الذي تحدث عنه حفتر، يبدو أنه لم يكن مستترًا أو حتى غامضًا لدى بعض السياسيين الليبيين المؤيدين له، حسب برلماني في مجلس النواب، والذي قال للأناضول، مفضلا عدم نشر اسمه، إن "بنغازي هي الانطلاقة وليبيا الهدف".
النائب الليبي أكد أن "ما قامت به قوات حفتر في بنغازي، كان أمرًا معدًا لكي تكون المدينة نموذجا ينظر إليه سكان طرابلس، فبنغازي كانت قبل أعوام مرتعا للإرهاب والخطف والقتل، واليوم (تحت سيطرة قوات حفتر) هي مدينة آمنة يحكمها قانون"، حسب تعبيره.
ورأى أن سكان طرابلس "اقتنعوا بضرورة دخول قوات حفتر لمدينتهم، فهم الآن يعانون الخطف والقتل والاغتصاب، ناهيك عن تصارع المليشيات (في إشارة لكتائب مسلحة تتواجد بطرابلس) بشكل يومي، بل وإن الوضع الاقتصادي أسوأ بكثير لديهم مما عليه الحال شرقي البلاد".
من ناحيته قال مسؤول سابق في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي، إن "حكم ليبيا لا يستوي منذ القدم إلا بشيئين اثنين: السيطرة على النفط، والجلوس داخل العاصمة طرابلس، وما عدا ذلك لن يفلح أحد في حكم البلاد مهما كانت قوته".
وقال للأناضول، مفضلا عدم نشر اسمه، إن "حفتر أيقن هذا الأمر، وبالفعل سيطر على النفط ولكن ما تزال أمامه النقطة الثانية وهي دخول طرابلس".
وأشار إلى أن "حفتر مقتنع أن دخول طرابلس عسكريًا أمر بالغ الصعوبة لعدة اعتبارات، أولها القوات المتواجدة فيها، وثانيها عدم قبول معظم سكانها أن تكون مدينتهم ساحة للحرب رغم تمنيهم دخول قوات حفتر وإنقاذهم من رحمة المليشيات التي ترهبهم"، على حد قوله.
"لكن حفتر ليس رجلا سهلا"، هكذا استدرك المسؤول الليبي السابق، الذي أوضح أن الجنرال "استطاع خلال 2017 فقط، قطع نصف الشوط لدخول طرابلس بشكل أيسر".
وأضاف المسؤول السابق "أقصد هنا التحالف مع بعض المليشيات في طرابلس، خاصة وأن جميع المليشيات هناك مستعدة لإجراء تحالفات جديدة كل يوم".
وأوضح أن "المعادلة حاليًا في طرابلس هي تحالف حفتر ورجال القذافي من جهة، وتحالف رجال القذافي وقادة المليشيات المسلحة التي تسيطر الآن على العاصمة من جهة أخرى".
وأشار إلى أن "حفتر أعاد للخدمة العسكرية كل القادة العسكريين الذين عملوا في عهد القذافي، وجعلهم قادة مهمين في جيشه، منهم العميدين محمد بن نايل، ومبروك سحبان، وآخرين يمتلئ بهم مقر قيادة حفتر، وجميعهم جاؤوا من خارج ليبيا بعد اتفاق رجال القذافي معه، بهدف القضاء على الإسلاميين".
وأكد أن "جميع قادة نظام القذافي المسجونين بعد عام 2011، يعاملون الآن معاملة حسنة في سجون المليشيات (سجون تسيطر عليها أو تحرسها كتائب مسلحة تشكلت عقب الثورة)، بل بعضهم تم إطلاق سراحه بشكل سري وسيظهر في الفترة القادمة".
ليس ذلك فقط، إذ لفت المسؤول السابق إلى وجود تحالف خفي بين كتائب تحكم طرابلس حاليًا وحفتر، قائلا إنه "لو نظرنا إلى خطاب المتحدث باسم حفتر العقيد أحمد المسماري، فور سيطرة كتائب تابعة للمجلس الرئاسي على طرابلس وهزيمة كتائب مصراتة، فإننا سنعلم أن هناك تحالف".
وتابع "أقصد هنا وصف العقيد المسماري، لتك القوى بأنها الوطنية، وكذلك فعل حفتر بعدها بأسبوع حيث وصف تلك القوى أيضًا بالوطنية، ناهيك عن مغازلة كتيبة النواصي، أقوى تلك القوى المسيطرة على طرابلس، لقوات حفتر قبل 5 أشهر وقولها إنها تحارب الإرهاب في بنغازي".
يشار إلى أن تصريحات حفتر، حول نية التوجه إلى طرابلس، جاءت في وقت ترعى فيه الأمم المتحدة مبادرة للحل طرحها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في سبتمبر/أيلول الماضي، وتجري في إطارها جلسات تفاوض في تونس حاليا.
وتتضمن تلك المبادرة ثلاثة مراحل عمل، هي تعديل اتفاق الصخيرات (موقع في المغرب عام 2015)، ثم عقد مؤتمر وطني يجمع الفرقاء السياسيين الذين لم يشاركوا في الحوارات السابقة، يليه إجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.
وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وسياسية، حيث تتقاتل فيها كيانات مسلحة عدة، منذ أن أطاحت ثورة شعبية بالقذافي عام 2011.
وسياسياً، تتصارع حكومتان على الشرعية في ليبيا، إحداهما حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، بالعاصمة طرابلس (غرب)، و"الحكومة المؤقتة" بمدينة البيضاء (شرق)، وتتبع مجلس النواب الذي تتبعه أيضا قوات حفتر.