انخفضت أعداد القوات الأمريكية المنتشرة في مناطق شتى من العالم، باستناء الولايات المتحدة، العام الجاري بمقدار طفيف، بعد عام شهد أدنى انخفاض منذ أكثر من ستين عاماً.
تلك النتيجة توصل إليها مركز بيو (PEW) الأمريكي للأبحاث (غير حكومي)، مستنداً إلى إحصاءات وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون).
ورغم أن هذه الأعداد لم تتغير كثيراً في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي تولى السلطة في 20 يناير/ كانون ثانٍ الماضي، إلا أنها تحوي مؤشرات دالة على مناطق اهتمامه.
ويمكن رصد توجهات عديدة بناء على بيانات كشفها مركز القوى البشرية الدفاعية التابع لـ"بنتاغون"، 27 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، وهي تشمل تعداد القوات الفاعلة والاحتياط والمدنيين في صفوف الجيش الأمريكي حتى 30 سبتمبر/ أيلول 2017.
** التعداد الكامل
يبلغ التعداد الكامل للقوات الأمريكية، بما فيها الفاعلة والاحتياط والمدنيين في كافة أنحاء العالم والولايات المتحدة، مليونين و877 ألفاً و620.
فيما كان العدد في الشهر نفسه من العام الماضي مليونان و880 ألفاً و491 فرداً، ما يعني انخفاضاً بسيطاً، عام 2017، بمقدار 2871 .
بيد أن الفارق بين تعداد القوات الأمريكية المنتشرة خارج الولايت المتحدة بين عامي 2016 و2017، هو البوصلة الحقيقية التي تشير إلى اتجاه السياسة الأمريكية في نشر قواتها.
فتعداد المقاتلين الأمريكيين الفاعلين داخل الولايات المتحدة، حتى 30 سبتمبر/أيلول 2017، بلغ مليوناً و119 ألفاً و871 فرداً، بينما كانوا في الشهر نفسه من عام 2016 مليوناً و129 ألفاً و637 .
بينما بلغ عدد القوات الفعالة المنتشرة خارج الولايات المتحدة، عام 2017، 215 ألفاً و249 مقاتلاً، مقارنة بعام 2016، الذي بلغ فيه تعداد القوات نفسها خارج الولايات المتحدة 198 ألفاً و557.
ويعكس عدد القوات في 2016 انخفاضاً كبيراً مقارنة بالعدد في عام 2015، وهو 213 ألفاً و67 فرداً، حيث عمل الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما (2009-2017) على تقليص عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان.
** الأزمة الكورية
في الخارج تنتشر القوات الأمريكية في 800 قاعدة عسكرية و177 دولة تقريباً، إلا انتشارها يتباين بشكل واضح من حيث الأعداد في كل دولة.
فهو يتراوح من مقاتل في دولة مولدفيا إلى أكثر من 40 ألف مقاتل في اليابان، حيث يوجد أكبر تعداد للقوات الأمريكية في دولة أخرى.
ولعل مقارنة بسيطة بين تعداد هذه القوات عام 2017 في منطقة باتت من أكثر الأماكن إثارة للقلق الأمريكي في العالم تكشف سياسة إدارة ترامب.
ففي اليابان كان تعداد القوات الأمريكية حتى سبتمبر/ أيلول العام الماضي 38 ألفاً و834 فرداً، وبمقارنته بالشهر نفسه من العام الجاري يتضح أن التعداد أصبح 44 ألفاً و562 فرداً، أي بزيادة 5728، بحسب "بنتاغون".
إلا أننا نجد في الوقت نفسه أن أعداد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية انخفضت بقدر طفيف، العام الجاري، حيث أصبحت 23 ألفاً و635، بعد أن كانت 24 ألفاً و190 عام 2016.
وهو انخفاض بفارق بسيط لا يتجاوز 555 مقاتلاً، خاصة وأن البلدين قريبين لبعضهما جغرافياً، ولاسيما مع نشر واشنطن نظم "ثاد" الدفاعية المضادة للصواريخ البالستية في كوريا الجنوبية.
ويعتقد مراقبون أن الزيادة في اليابان قد تكون تعبيراً واقعياً عن قلق واشنطن إزاء أزمة شبه الجزيرة الكورية، والتي بدأت تأخذ منعطفاً حاداً جداً، مع اقتراب كوريا الشمالية من تصنيع صواريخ بالستية قادرة على الوصول إلى العمق الأمريكي، وقادرة على حمل رؤوس نووية.
وخلال جلسة طارئة بمجلس الأمن، الأربعاء الماضي، بشأن التجارب الصاروخية ليبونغ يانغ، هددت المندوبة الأمريكي الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بأنه "إذا نشبت الحرب فسيكون ذلك بسبب الأعمال العدائية لكوريا الشمالية، لكن عليهم (القادة الكوريين) ألا يسيئوا التقدير وقت وقوع الحرب. سنقوم بإبادة أركان النظام هناك".
هذا التهديد جاء كرد فعل على إعلان بيونغ يانغ عن تجربتها لصاروخ قادر على ضرب العمق الأمريكي.
** منطقة الخليج
في منطقة الخليج المهمة للإدارات الأمريكية المتعاقبة ارتفعت أعداد القوات الأمريكية الفاعلة بها.
وتتهم دول الخليج إيران بزعزعة استقرار المنطقة وامتلاك مخططات توسعية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، وهو ما تنفيه طهران، وتقول إنها تلتزم بسياسة حسن الجوار.
وارتفعت أعداد القوات الأمريكية الفاعلة في البحرين في عهد ترامب إلى 8 آلاف و 598 بعد أن كانت 5 آلاف و 370 مقاتلاً قبل عام، بحسب إحصاءات "بنتاغون".
بينما أصبحت في الكويت 9 آلاف و241 في عهد ترامب، بعد أن كانت 5 آلاف و818 قبل عام في عهد سلفه أوباما.
كما ارتفعت أعداد المقاتلين الأمريكيين في الإمارات من 1510 في آخر سنة لأوباما إلى 3 آلاف و455 حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
تلك التغييرات، إضافة إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى دول الخليج، ربما تعكس سياسة أمريكية أكثر حزماً تجاه إيران، خاصة وأن ترامب لم يحاول أبداً إخفاء نواياه المناهضة لطهران.
** العراق وسوريا
وربما تكون المقارنة أكثر وضوحا في العراق وسوريا، حيث توجد طفرة في تعداد القوات الأمريكية الفاعلة في الجارتين، خاصة مع اتهام واشنطن لطهران بتدخلها في شؤون البلدين، وهو ما تنفيه الأخيرة.
ففي العراق، وبينما كانت أعداد القوات 4 آلاف و626 في عهد أوباما، أصبحت 7 آلاف و 402 في عهد ترامب.
فيما سجلت وزارة الدفاع 56 مقاتلاً في سوريا بعهد أوباما، وأصبحت ألفاً و547 في عهد ترامب.
ولم تكشف "بنتاغون" عن تعداد جديد للقوات الأمريكية المنتشرة خارج الولايات المتحدة إلا بعد أن سربت مصادر في الوزارة احتمالية وجود قرابة 2000 مقاتل في سوريا.
** أفغانستان
أما في أفغانستان، فتعكس أعداد القوات الأمريكية الفاعلة رغبة ترامب وقادته العسكريين بالخروج منتصرين من الحرب المستمرة منذ أكثر من 16 عاماً ضد حركة "طالبان".
وبلغ هذا العدد إبان رئاسة أوباما 9 آلاف و27، بينما دفع ترامب بالمزيد من القوات إلى أفغانستان، التي غزتها القوات الأمريكية عام 2001، ليصبح العدد 13 ألفاً و329.
** أوروبا وتركيا
وفي أوروبا، وتحديدا ألمانيا يوجد 34 ألفاً و435 مقاتلاً أمريكياً فاعلاً، وهو عدد لا يكاد يتغير كثيراً.
كما يوجد 11 ألفاً و756 مقاتلاً أمريكياً في إيطاليا، بينما وصل العدد في المملكة المتحدة (بريطانيا) إلى 8 آلاف و349.
فيما ينتشر في إسبانيا 3 آلاف و952، وبلغ العدد في جيبوتي 3 آلاف و123، وفي تركيا ألفاً و950، أما الأردن فتستضيف ألفاً و862 مقاتلاً أمريكيا.
وتحتل اليابان مركز الصدارة في تعداد القوات الأمريكية المنتشرة خارج الولايات المتحدة، تليهما ألمانيا، ثم منطقة الخليج العربي.